لندن – بات الإيرانيون في وضع صعب بعد الضربات الغربية على سوريا فجر السبت الماضي، فقد اضطروا إلى القبول بالأمر الواقع واكتفوا ببعض التصريحات المقتضبة التي تهاجم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
ويقول محللون إن ما يزعج المسؤولين الإيرانيين ليس استهداف مواقع تابعة لهم أو لحليفهم الرئيس السوري بشار الأسد، بل تشكّل موقف إقليمي ودولي كاره لإيران ومحذّر من دورها التخريبي في محيطها الإقليمي، وأكثر من ذلك تخلي روسيا عن حماية تلك المواقع ووجود “تعاون صامت” بينها وبين الغرب بشأن مستقبل سوريا قد يكون من بين معالمه مطالبة طهران وحلفائها بسحب مقاتليهم.
وما زاد من حدّة الارتباك في طهران أن السعودية نجحت في اكتساب تفهم دولي لمقاربتها للخطر الإيراني من خلال زيارات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى عواصم غربية كبرى. كما أن القمة العربية، التي انعقدت بالسعودية، قد أبانت عن عالم عربي كاره لإيران في أجواء شبيهة بزمن الحرب العراقية الإيرانية التي انحاز فيها العرب إلى صف العراق.
ويشير المحللون إلى أن تزامن موقف القمة العربية مع “تراجع روسي” في مواجهة الضربات الغربية مشهد يوحي بأن الأيام المقبلة ستكون صعبة على إيران خاصة مع أوضاع غير مريحة لأذرعها في لبنان والعراق واليمن.
وأعربت مصادر دبلوماسية غربية عن اعتقادها بأن الضربة التي وجهتها الولايات المتحدة بمشاركة فرنسية وبريطانية لأهداف في سوريا، كشفت اختلافا في وجهات النظر الروسية والإيرانية تجاه التعاطي مع الأزمة. الأمر الذي يفسر الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الإيراني حسن روحاني بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ولوحظ أنّ روسيا التزمت موقف المتفرّج حيال الضربة. كما أن المسؤولين الأميركيين لم يخفوا حرصهم على تجنب إلحاق أي أذى بالعسكريين الروس الموجودين في الأراضي السورية.
وأوضحت المصادر الدبلوماسية الغربية أن أكثر ما ضايق الإيرانيين هو الموقف الذي اتخذه الجانب الروسي من الغارة التي شنتها إسرائيل قبل أيام من الضربة الأميركية – الفرنسية – البريطانية.
ووقفت إيران بشكل واضح عند حقيقة أن روسيا، التي تحدثت كثيرا عن موقف صارم ورادع في مواجهة من يضرب سوريا، تركت الأمر يمرّ دون أي ردّ فعل تقريبا.
وكانت إسرائيل شنت غارة جوية على قاعدة تيفور قرب حمص في الرابع من الشهر الجاري. وأدى ذلك إلى تدمير قسم من القاعدة التي يعمل منها خبراء إيرانيون. واعترفت طهران بمقتل سبعة من خبرائها في تلك الغارة بينهم ضابط كبير في الحرس الثوري متخصص في تطوير طائرات من دون طيّار.
وكان مفاجئا إصرار إيران على كشف هويات قتلى الغارة الإسرائيلية من مواطنيها. وفسّر ذلك بأنه رسالة إلى موسكو فحواها أنّ إيران موجودة عسكريا في سوريا مثلها مثل الجانب الروسي وأنّها تقدّم ضحايا من مواطنيها أيضا ولا تكتفي بزج لبنانيين وعراقيين وأفغان في أتون الحرب السورية.
وقالت المصادر ذاتها إن الإيرانيين لم يخفوا بعد الغارة الإسرائيلية قلقهم من أنّ الجانب الروسي ليس في وارد توفير أي غطاء جوّي لقواتهم الموجودة في سوريا.
وأضافت أن الإيرانيين يخشون من أن يكون الهمّ الأول والأخير للرئيس فلاديمير بوتين، عقد صفقة مع الغرب في شأن سوريا وأنّ الهدف من الغارات التي يشنها سلاح الجو الروسي في الأراضي السورية ليس سوى دعم النظام كي يكون في موقع أفضل في حال بلوغ مرحلة يمكن فيها عقد مثل هذه الصفقة.
ويشير مراقبون للشأن السوري أن إيران بدأت تشعر بالحرج لربط مصالحها بمصالح روسيا، وأنها باتت تفهم خطورة التعويل على حليف يضع مصالحه وترتيباته مع الغرب قبل أي اعتبار.
ولفت المراقبون إلى أن “الحياد الروسي” أمام الضربات الغربية قد يستمر أيضا تجاه الهجمات الإسرائيلية التي صارت أمرا مألوفا في سوريا، وأن إسرائيل بدورها تفتح قنوات تواصل مع روسيا لإثنائها عن أي ردود فعل.
وصرح وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، الاثنين، أن بلاده لن تقبل أن تفرض روسيا قيودا على أنشطتها في سوريا أو المنطقة بعد أسبوع على غارة دامية على سوريا نسبت إلى إسرائيل.
وقال ليبرمان في مقابلة عبر الفيديو مع موقع “واللا” الإخباري ردا على سؤال حول انتقادات روسيا للضربة الأخيرة “سنحافظ على حرية العمل كاملة. لن نقبل أي قيود في ما يتعلق بمصالحنا الأمنية”.
لكنه استدرك قائلا “لكننا لا نريد استفزاز الروس. لدينا خط اتصال مفتوح على مستوى كبار الضباط. الروس يفهموننا والحقيقة هي أننا نجحنا لسنوات في تجنب الاحتكاك معهم في سوريا”.
العرب