بعيدًا عن اتهام الساسة اليمنيين للمبعوث الأممي السابق جمال بنعمر بأنه «كَذِبَ»في إفادته أمام مجلس الأمن، ومساعيه الحثيثة لشرعنة الانقلاب الحوثي، واعتباره أحد أهم أسباب الكارثة التي حلّت ببلدهم، فإن الحقيقة الماثلة أمامنا أن بنعمر وجّه أقسى ضربة لعمل الأمم المتحدة ومبعوثيها وأمينها العام في المرحلة القادمة، فالثقة أضحت معدومة بأي مبعوث أممي، وأولهم خَلَفُه الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ، بعد أن خلّف له تركة سيئة من التناقضات والعلاقات غير المفهومة والأهداف المبهمة، ناهيك عن السمعة السيئة التي رسخها بنعمر لكل مبعوث دولي قادم في أي بقعة في العالم.
طوال نحو 3 سنوات قضاها بنعمر في اليمن، تناقل اليمنيون الكثير من الحكايات والروايات بشأن انحيازه الواضح لميليشيا الحوثيين، وفرضه لرؤاهم على الأطراف اليمنية المتحاورة، مستغلاً عصا الأمين العام، إلا أن المبعوث الأممي سجّل نفسه، وبشكل رسمي وغير قابل للجدل، مبعوثًا لميليشيا الحوثي، بعدما وقف مبتسمًا فخورًا يعلن اتفاق السلم والشراكة في سبتمبر (أيلول) الماضي، هذا الاتفاق الذي عدّه اليمنيون القنبلة التي فجّرت الحوار، وانتهكت الشرعية، وفرضت ميليشيا الحوثي أمرا واقعًا بقوة السلاح، بينما استمر بنعمر يجاهد لاستكمال الاتفاق حتى والرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس الحكومة ووزراؤه مسجونون لدى الحوثيين، لذا فإن الرواية الغريبة التي أوردها من أن عاصفة الحزم أجهضت اتفاقا سياسيًا، لا تعدو سوى الحلقة الأخيرة من مسلسل تمكين الحوثيين من الاستيلاء على الحكم.
المفترض أن جمال بنعمر مندوب أممي لا يمثل نفسه، بقدر ما يمثل الأمم المتحدة وسياسة المنظمة الدولية، غير أنه لم ينعزل فحسب عن الشرعية الممثلة في الرئيس عبد ربه هادي، وإنما انعزل حتى عن قرارات الأمم المتحدة وآخرها قرار مجلس الأمن 2216، وهو ما يشير إلى أنه تحول تدريجيًا ليمثل قناعاته ورغباته الشخصية في معزل عن توجه الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهو أمر لا شك أنه يثير الريبة حوله وحول مصالحه، ولماذا كل هذا الارتماء في حضن الحوثيين وميليشيا صالح؟ كما يطرح أكثر من علامة استفهام على المستوى الخليجي والمستوى الدولي بشأن تصرفات بنعمر الغامضة هذه، ولعل الأمر الأكثر غرابة عدم تدخل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وتركه لمبعوثه ينفذ أجندة تختلف عن الأجندة التي تسير عليها الأمم المتحدة.
جمال بنعمر استقال وذهب لنيويورك لكي يروّج قصة سخيفة، مفادها أن عاصفة الحزم أجهضت اتفاقًا سياسيًا قادمًا في اليمن، لكن فاته أن يوضح للعالم كيف يمكن لهذا الاتفاق أن ينجح، والرئيس مسجون لدى الحوثيين، ثم هرب إلى عدن فلاحقوه وقصفوا مقر إقامته؟ فاته أن يكون أمينًا كمبعوث للأمين العام، ويوضح للجميع من كان الطرف المعرقل للعملية السياسية، كما أعلنها صراحة مجلس الأمن، بدلاً من التلاعب بالألفاظ وتمييع الانقلاب، وإصراره على تطبيق اتفاق السلم والشراكة مهما كانت نتائجه وكوارثه على مستقبل اليمن واليمنيين.
عاصفة الحزم لم تجهض الاتفاق السياسي المزعوم، العاصفة أجهضت شرعنة الانقلاب الحوثي، الذي يبدو أن السيد جمال بنعمر عمل عليه ثلاث سنوات، قبل أن يفشل مشروعه فشلاً ذريعًا.
سلمان الدوسري
الشرق الاوسط