تسعى الكتل والاحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات العراقية التي ستجري في 12 مايس 2018 لايجاد صيغة توافقية لتحالفاتها المقبلة بما ينسجم وأهدافها وطموحاتها وسياستها على ضوء المعطيات الخاصة بالوضع السياسي الذي يسود العراق .
ان التحالف الوطني ممثلا بحزب الدعوة وقياداته يحاول جاهدا الامساك بزمام السلطة التنفيذية في حكم العراق والعمل على اعداد الصيغ الكفيلة باستمرار سيطرته على دفة رئاسة الوزراء التي امتدت منذ الغزو الامريكي-البريطاني في 9نيسان 2003 ولحد الان ولكن الظروف التي مرت خلال السنوات الماضية تختلف عن الواقع الحالي الذي تعيشه جميع الاحزاب والكتل السياسية المنضوية تحت التحالف الوطني بسبب الصراعات السياسية والمناكفات الكلامية والتصريحات الاعلامية بين جميع قادة هذا التحالف اضافة الى عمليات الانشقاق التي حدثت في البنية التنظيمية لبعضها كما حدث في خروج السيد عمار الحكيم عن المجلس الاسلامي الاعلى العراقي وتشكيل تيار الحكمة .
ان جميع التحولات تشكل عائقا ومأزقا رئيسا يؤثر سلبيا على امكانية التوافق بين احزاب التحالف الوطني العراقي ،وهنا تدخلت الارادة الاقليمية المتمثلة بايران وأدواتها وسلطتها ونفوذها على القرار السياسي العراقي وتحكمها برسم معالم الحياة السياسية المقبلة في العراق والتي من أولويات أهدافها استمرار صيغة التحالف بين جميع الاحزاب والكتل السياسية الشيعية تدخلت لضمان استمرارية الحكم ومنعا للخلافات التي قد تؤثر على طبيعة الانتخابات المقبلة وسيرها .
ان الاتجاهات الواقعية الميدانية على الصعيد السياسي تشير الى أن واشنطن تعمل بجدية على تحديد مسارات عملية الانتخابات المقبلة وتسعى لنكريس مصالحها مع مراعاة للدور الايراني في رسم معالم الحياة السياسية للعراق .
ان الولايات المتحدة الامريكية تعلم جيدا انه لولا الدعم السياسي والعسكري واللوجستي والامني الذي قامت به دول التحالف الدولي وتحديدا واشنطن لما تحققت جميع الاهداف الميدانية التي شهدتها المواجهات العسكرية مع القوات الامنية والعسكرية العراقية وقيادات الارهاب طيلة السنوات الماضية .
ان ظلال الخلاف السياسي بين التحالف الكردستاني والتحالف الوطني سيبقى قائما ومؤثرا على سير الانتخابات ونتائجها خاصة بعد الانقسام الواضح في أجنحة الاحزاب الكردية وتباين موقفها من حكومة اقليم كردستان وعلاقتها مع بغداد بعد عملية الاستفتاء الاخيرة ولكن يبقى التأثير قائما من خلال قيادة البرزاني وزعامته السياسية في الاقليم ومن الممكن استخدامه بشكل واضح في التحالفات السياسية المقبلة وتحدي اختيار رئيس الوزارة القادم .
أيقنت الولايات المتحدة الامريكية هذه الحقيقة وهي تدركها جيدا فلهذا بدأت بحلحلة الخلاف بين أربيل وبغداد واعطائه جانبا مهما بعد أن أثبتت الوقائع أن ما ذهبت اليه واشنطن ولندن وأنقرة في تعاملها مع أزمة الاستفتاء أدى الى سيطرة ميدانية كاملة على الوضع العام في محافظة كركوك من قبل أجهزة النظام الايراني وتمثلت أول مظاهره باستثمار النفط الموجود في أبار كركوك لصالح طهران وأرسلت أولى شحنات النفط الخام الى مصافي كرمنشاه لتعود للعراق على شكل مشتقات نفطية وباسعار عالية ليستفيد منها الاقتصاد الايراني .
من جانب آخر فان حقيقة وجود الاحزاب السياسية السنية وأمكاناتها التي نراها متأثرة بالوضع العام السائد في مناطقها بعد اندحار الارهاب وهزيمته أدت الى تحطيم البنى التحتية لمراكز المدن والاقضية والنواحي في كل المحافظات التي وجدت فيها قيادات الارهاب اضافة الى نزوح الملايين من ابناء هذه المحافظات وترك مناطقهم ومزارعهم ومتاجرهم والسكن في معسكرات أعدت لهم في أطراف مدنهم وهو واقع سياسي واجتماعي مؤلم لا يمكن فيه تحقيق نتائج انتخابية صحيحة ومتوازنة ونظامية اضافة الى أن المواطن أصبح لا يثق بغالبية النواب وأعضاء مجالس المحافظات وأعضاء الاحزاب السياسية الذين لم يرتقوا الى مستوى معاناته ولم يقدموا له شيئا خلال محنته التي امتدت لسنوات عدة وهي الفترة التي سيطر فيها الارهاب على مناطقه ورسمت أسس التعامل القمعي والاضطهاد ضده .
علينا أن ندرك أن الصراع السياسي في العراق تسوده قوتان وارادتان سياسيتان تختلفان في أهدافهما ورؤيتهما وطموحاتهما داخل العراق إحداهما عربية متمثلة بالدور السعودي وأخرى إقليمية تمثلها ايران بمشروعها السياسي الذي أسست له بعد الاحتلال الامريكي وأصبح أحد أهدافها التعبوية والاستراتيجية في المنطقة العربية وبين هاتين الارادتين تتجاذب واشنطن الصراع بينهما ونراها تسعى الى رسم سياستها في العراق ووضع الاطر الفعالة التي تتحكم فيها بفرض رؤيتها المقبلة وتنفيذ أهدافها المرحلية في تحقيق التوازن بين جميع حلفائها في العراق .
جميع هذه المعطيات تشكل عاملا رئيسا يحدد مسارات العملية السياسية المقبلة في العراق ونتائج الانتخابات التي ستتأثر بطبيعة الاهداف الامريكية والاقليمية والعربية وبالتالي سيبقى العراق الارضية التي تتصارع عليها جميع المصالح السياسية لواشنطن والرياض وطهران .
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية