واشنطن – تتوالى انتكاسات قطر مع حلول الذكرى الأولى للمقاطعة الخليجية، لكن هذه المرة في واشنطن، التي ينظر إليها المسؤولون القطريون باعتبارها “حبل النجاة”، وهو ما يقوض كثيرا محاولاتها للخروج من المأزق.
وفي الوقت الذي تجد فيه قطر نفسها أمام لحظة دفع ثمن اقتصادي باهظ لسياساتها في دعم الجماعات المتشددة، جاء على ما يبدو وقت دفع الثمن السياسي، الذي استثمرت فيه الدوحة كثيرا لتغيير قناعات الطبقة السياسية الأميركية، وعلى رأسها الرئيس دونالد ترامب، وتحسين سمعتها التي تأثرت كثيرا منذ فرض المقاطعة خلال العام الماضي.
القفز من السفينة
أنهى رجل أعمال أميركي قد لعب دورا هاما في دعم قطر لكسب النفوذ في الولايات المتحدة، علاقته بالدولة الخليجية الصغيرة، واتهمها بأنها تشكل تهديدا للسلام والأمن في الشرق الأوسط.
سعت قطر بحلول الذكرى الأولى لأزمة المقاطعة أن تظهر بصورة القوي، لكن فشلت هذه الصورة في الصمود حيث سرعان ما تهاوت على وقع التطورات القادمة من واشنطن، وتحديدا من حلفاء كانت تعتمد عليهم قطر للتأثير في الموقف الأميركي، حيث قطع رجل الأعمال جوي اللحام والجمهوري نيك موزين، المستشار السابق للسيناتور تيد كروز، علاقاتهما بالدوحة، ضمن سياق يؤكد أن أزمة المقاطعة أخذت أبعادا دولية وعمقا أشمل.
وقال جوي اللحام، وهو صاحب سلسلة مطاعم ورجل أعمال سوري الأصل، كان يساعد قطر في استثماراتها السياسية وبناء الروابط مع المجتمع اليهودي الأميركي، إنه قطع مؤخرا علاقاته مع قطر. وأضاف “تصف دولة قطر نفسها بأنها حمامة السلام في المنطقة، لكن هذا بعيد كل البعد عن الحقيقة”.
ويأتي تغيير اللحام لأجندته تجاه قطر في نفس الوقت الذي يقوم فيه مستشار آخر يعمل لحساب قطر، وهو نيك موزين، المستشار السابق للسيناتور تيد كروز، بالتوقف عن دعم قطر.
وكانت قطر تعوّل كثيرا على جهود اللحام وموزين لإقناع الإدارة الأميركية بتخفيف موقفها تجاهها في الأشهر الأخيرة. لكن فقدان خدماتهما ودعمهما هو نكسة للجهود التي تبذلها قطر لحل أزمتها الدبلوماسية مع السعودية والإمارات ومصر والبحرين، وكذلك لتعزيز مكانتها في الولايات المتحدة. وكان النفوذ في واشنطن أولوية أولى في استراتيجية الدوحة لإغراق سفينة الوساطة الكويتية لحل الأزمة. ويقول محللون إن القطريين لم يروا يوما في الكويت طرفا لديه ثقل مناسب للتوسط في هذه الأزمة.
لكن أسبابا أخرى تقف وراء التعويل كثيرا على جر الولايات المتحدة لتحمّل عبء الوساطة. وتكمن هذه الأسباب في طبيعة الوساطة الدولية التي ستنتج عن تدخل واشنطن، بدلا من الطابع الخليجي الذي تقدمه الوساطة الكويتية.
فحفاظ القوى الخليجية على اليد العليا في عملية الوساطة يعني إجبار قطر على الوفاء بتعهدات وقع عليها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ضمن اتفاق الرياض وملحقه عام 2013 و2014. أما إذا اتخذت الوساطة طابعا دوليا فسيحدّ ذلك من حجم التنازلات التي سيكون على قطر تقديمها، خصوصا في علاقاتها المتشعبة مع الإسلاميين.
ورغم أن اللحام، هو خبير في مجال المطاعم ولديه خبرة سياسية قليلة، إلا أنه لعب دورا مهما خلف الكواليس في الأشهر الأخيرة من أجل دعم قطر في معركة فرض النفوذ في واشنطن.
وقال اللحام إنه أقام اجتماعات للمسؤولين القطريين وقام “بتوزيع عدة تبرعات خيرية كعرض مبدئي للنوايا الحسنة”. وأضاف اللحام أنه لم يحاول الضغط على أي مسؤول أميركي أو يقوم بأي عمل في مجال العلاقات العامة بالتعاون مع أشخاص يتولون مناصب رسمية.
وشملت جهود اللحام، اليهودي الأصل، التواصل مع أبرز المحامين الأميركيين في إسرائيل، بما في ذلك آلان ديرشوفيتز، وهو مستشار غير رسمي لترامب، ومورت كلاين، رئيس المنظمة الصهيونية الأميركية، وهو حليف قديم لمستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جون بولتون.
جوي اللحام: قطر تصف نفسها بأنها حمامة السلام في المنطقة، لكن هذا بعيد عن الحقيقة
وسافر كل من ديرشوفيتز وكلاين إلى قطر في يناير الماضي لمناقشة تحسين العلاقات مع الجالية اليهودية، وهي خطوة أثارت الجدل في إسرائيل وبين الصهاينة الأميركيين بسبب علاقات قطر مع حركة حماس الفلسطينية وعلاقاتها الوثيقة بإيران. ويقول محللون إن استراتيجية وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو المتشددة تجاه إيران لعبت دورا حاسما في قفز المتعاونين الأميركيين من القارب القطري.لكن يبدو أن القطريين أنفسهم باتوا في حيرة من أمرهم. وقال دبلوماسي عربي سابق عمل في واشنطن قبيل اندلاع الأزمة الخليجية، إن “القطريين لا يعرفون بالضبط ماذا يتعين عليهم فعله في المرحلة المقبلة”.
وأضاف “قطر ألقت بكل بيضها في سلة إيران بحثا عن الحماية من السعوديين خصوصا. اليوم لم يعد السعوديون هم العدو الأول لإيران، بل صارت الولايات المتحدة هي ذلك العدو. أي خطوة غير محسوبة ستتخذها قطر في المستقبل ضمن علاقاتها مع إيران سيكون ثمنها أكثر كلفة من أي وقت مضى”.
تأثير القرضاوي
في ضربة أخرى للجهود الدبلوماسية التي تقوم بها قطر، تراجع كلاين الأربعاء، عن رأيه بدعم قطر، مكررا إدانته لها. وقال كلاين لمجلة بوليتيكو الأميركية “لقد فقدت الثقة بأنهم جادون في التغيير”.
وفي ظل قطع العلاقات مع قطر، استشهد كلاين بدعوة الزعيم الروحي لتنظيم الإخوان المسلمين يوسف القرضاوي، الذي تم منعه من دخول الولايات المتحدة، إلى مأدبة استضافه فيها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الأسبوع الماضي في العاصمة الدوحة.
كما أشار اللحام إلى دعوة رجل الدين الإسلامي المتشدد إلى المأدبة، وأكد على أنها من ضمن أسباب تراجعه عن دعم قطر. ورفض الشيخ جاسم آل ثاني، المتحدث باسم السفارة القطرية في واشنطن، التعليق على هذه التصريحات المتتابعة.
ولم يتضح بعد لماذا قطع موزين، الذي عمل عن قرب مع اللحام، علاقته بقطر. حيث تحدث موزين في تغريدة نشرها على تويتر الأربعاء، تحدث بلهجة أكثر تصالحاُ مع القطريين “أنا فخور بالعمل الذي قمنا به لتعزيز الحوار السلمي في الشرق الأوسط، ولزيادة الروابط الدفاعية والاقتصادية لقطر مع الولايات المتحدة، ولتوسيع الدعم الإنساني لغزة. أتطلع إلى التحدث في الأيام القادمة عن التحديات التي واجهناها وما الذي يجب فعله”. ورفض موزين التعليق بشكل مفصل.
وقال اللحام إنه سيُسجّل نفسه لدى وزارة العدل كوكيل أجنبي على خلفية العمل الذي يقوم به في قطر. وتم تسجيل موزين كوكيل لقطر منذ سبتمبر الماضي.
وفي سياق التخلي عن قطر، ذكر اللحام أيضا المسألة المتعلقة بأحمد الرميحي، وهو دبلوماسي قطري سابق كان يدير صندوق الثروة السيادي القطري المسؤول عن استثمارات تقدر بمئات المليارات.
والشهر الماضي، اتهمه شركاؤه التجاريون السابقون ضمن دعوى قضائية في كاليفورنيا باستغلال الاستثمارات في دوري كرة السلة الأميركي، الذي يقوده صديق لستيف بانون، كبير الاستراتيجيين السابق للرئيس دونالد ترامب، للحصول على نفوذ لدى الإدارة الأميركية.
وبحسب اللحام، طلب الرميحي منه أن “يكذب على الصحافة ويزعم أن ستيف بانون أقام الدعوى بشكل كيدي، في حين أنه كان يعمل في الواقع على التوسط في الدعوى خارج المحكمة”. ووصف المتحدث باسم الرميحي، إيفان سيغفريد، هذه المزاعم بأنها “كاذبة تماما”.
وتوضح تصريحات اللحام وموزين وغيرهما أن قطر تتحول مع الوقت إلى دولة منبوذة ولها سمعة سيئة في واشنطن. ويؤدي ذلك إلى تراجع نزاهة من يعملون معها، وذلك انطلاقا خصوصا من حقيقة دعمها للتنظيمات الإرهابية، وعلاقاتها المتنامية مع إيران.
العرب