في تحدٍ للتخفيضات في التمويل الأميركي، فتحت المدارس التي تديرها وكالة الغوث أبوابها بشكل طبيعي في جميع مخيمات لبنان البالغ عددها 12 مخيماً، والتي تقدم خدماتها لنحو 35 ألف طالب.
* * *
بيروت، لبنان – “أحب أن أكون في المدرسة”، يقول رامي معروف، الطالب البالغ من العمر 5 سنوات، وهو يجلس في مقعده في اليوم الدراسي الأول في مدرسة تابعة للأونروا في مخيم مار الياس للاجئين الفلسطينيين في بيروت: “أريد أن أكون مهندس طيران عندما أكبر.”
في تحد لتخفيضات التمويل الأميركي للوكالة، فتحت المدارس التي تديرها الأونروا، والتي توفر التعليم والرعاية الصحية والمساعدات الطارئة للاجئين الفلسطينيين، أبوابها بشكل طبيعي في جميع المخيمات البالغ عددها 12 مخيماً في لبنان والتي تعتني بحاجات نحو 35.000 طالب.
وقالت المعلمة ريتا خلوف: “بدأنا السنة بالاحتفالات والكثير من السعادة. نحن نعمل بشكل طبيعي. هناك مخاوف طبعاً، ويتم اتخاذ قرارات قد تؤثر على مستقبلنا، لكننا لا ندع كل ذلك يؤثر على عملنا”.
كان ذلك يوماً خشي الكثيرون أن لا يأتي، على الأقل في موعده، لأن الأونروا -التي تسمى رسمياً “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى”- تواجه بعضاً من الضغوط الأكثر قسوة في تاريخها الذي يبلغ 68 عاماً. فقد أوقفت إدارة ترامب 300 مليون دولار من التبرعات المقررة، ووصفت الوكالة التي تخدم أكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني في الشرق الأوسط بأنها “عملية معيبة بطريقة لا يمكن إصلاحها” وعقبة أمام التوصل إلى تسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل.
تأسست الأونروا في العام 1949 لكي تقدم خدماتها لحوالي 700.000 فلسطيني تم اقتلاعهم من منازلهم في الحرب التي أسفرت عن قيام إسرائيل. وتعمل الوكالة في غزة والضفة الغربية ولبنان والأردن وسورية.
يقول سهيل الناطور، المسؤول في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، أن التأثير الأكبر للقرار الأميركي سيكون محسوساً في لبنان، حيث يعتمد الفلسطينيون على خدمات الأونروا بشكل حصري.
وأضاف الناطور: “يتمتع اللاجئون الفلسطينيون في سورية والعراق بجميع الامتيازات والحقوق التي يتمتع بها المواطنون المحليون، باستثناء الجنسية. لبنان هو الاستثناء. إنه البلد الوحيد الذي يحرم الفلسطينيين من حقوقهم الإنسانية.
وقال: “سوف تؤدي إضافة المزيد إلى الحرمان الذي يعاني منه الفلسطينيون في لبنان إلى مشاكل أمنية خطيرة. فبعد وفاة واحد أو اثنين أو ثلاثة فلسطينيين على باب مستشفى لبناني لأنه لا يحق لهم الحصول على الرعاية الطبية، سوف يلجأ الآخرون في نهاية المطاف إلى العنف والسلاح”.
في لبنان، يُحرم اللاجئون الفلسطينيون من الوصول إلى المرافق التعليمية والطبية، وهم ممنوعون من مزاولة أي شيء سوى الوظائف الوضيعة، وليس لهم الحق في التملك.
وقال السيد الناطور: “من غير المقبول بعد مرور سبعين عاماً منذ أن أصبح الفلسطينيون لاجئين في لبنان أن يظلوا محرومين من حقوقهم الإنسانية الأساسية. نحن بحاجة إلى هامش في القانون يسمح لهم بأن يعيشوا حياة كريمة في لبنان في انتظار نيل حقهم في العودة إلى وطنهم”.
وقال مسؤولون فلسطينيون أن هناك ما يقرب من 450 ألف فلسطيني مسجلين لدى الأونروا في لبنان، لكن تقديرات أكثر اعتدالاً تضع عددهم ما بين 230 ألفاً و250 ألفاً. ويعيش أكثر من 80% منهم تحت خط الفقر، ويعتمدون بشكل حصري على مساعدات الأونروا.
وقال الناطور أن قرار إدارة ترامب هو “خطة صهيونية لإلغاء حق العودة من خلال تدمير المؤسسة الأساسية التي اعتنقت هذا الحق وأيدته لعقود”.
وأضاف الناطور: “بغض النظر عن أي شيء، لن يتنازل الفلسطينيون عن حق العودة. فقد تمت المصادقة عليه في قرار دولي وليس من حق الأميركيين تغييره. لن يؤدي تحركهم إلا إلى زيادة معاناة الفلسطينيين ودفعهم نحو الهجرة والعنف والتطرف فحسب”.
وقالت دينا الزمار، وهي أم لثلاثة أطفال، أن تصور حياة من دون مساعدة الأونروا هو أمر مرعب. وأضافت: “إنها كارثة بالنسبة لنا. كيف يمكننا تعليم أطفالنا؟ الوكالة بالتأكيد عنصر مهم في حياتنا. من دونها سوف نُدمّر”.
وقالت الزمار، وهي عضوة نشطة في لجنة أولوياء الأمور في خيم مار الياس، أن الأونروا تساعد في جمع القمامة في المخيم، وإصلاح شبكات الصرف الصحي وغيرها من أعمال البنية التحتية.
وأضافت: “كيف يمكننا السيطرة على الأمور من دونها؟ ليس لدينا أي ملاذ آخر على الرغم من مساعدتها المحدودة. لن نقف مكتوفي الأيدي، يمكننا تنظيم احتجاجات ومظاهرات. يجب علينا أن نكافح دائماً من أجل حقوقنا”.
ويرى علي الرفاعي، رئيس اللجان الشعبية في المخيمات الفلسطينية في بيروت، أن قرار الولايات المتحدة بخصوص الأونروا هو خطوة ذات دوافع سياسية أكثر من أي شيء آخر.
وقال الرفاعي: “هذا القرار يهدف إلى خدمة إسرائيل. إنهم يريدون القضاء على قضية اللاجئين من خلال تدمير الهيكل الذي يديم هذه القضية. إنهم يريدون أن يتم اعتبارنا مثل أي لاجئين آخرين، من العراق، سورية، إلخ. لكن الفرق هو أن العراقيين والسوريين نزحوا بسبب الصراعات الداخلية وليس بسبب احتلال”.
وأضاف: “بعد القدس، تحاول الإدارة الأميركية إزالة حق العودة من أجندة أي مفاوضات مستقبلية. إنهم في الأساس يسعون إلى التخلص من القضايا الأساسية التي تمنع التوصل إلى تسوية”.
في شهر أيار (مايو)، قامت إدارة ترامب بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، في تغيير جذري لعقود من السياسة الأميركية، وبالاعتراف بالمدينة المقدسة كعاصمة لإسرائيل.
وحذر الرفاعي من أن “إلغاء الأونروا يتطلب إزالة الأسباب السياسية والعسكرية الكامنة وراء إنشائها. إن إلغاء وضع اللاجئين الخاص هو أمر خطير للغاية”.
سمر القاضي
الغد