واشنطن – يدلي الأميركيون الثلاثاء بأصواتهم في انتخابات منتصف الولاية وهي سلسلة عمليات اقتراع على المستويين الوطني والمحلي تُنظم بعد عامين من الانتخابات الرئاسية وغالباً ما تتحوّل إلى استفتاء حول الرئيس.
ويصف العديد من المراقبين المطلعين هذه الانتخابات النصفية بأنها الانتخابات الأكثر أهمية على الرغم من أنها انتخابات غير رسمية في السنة التي لا توجد فيها منافسة رئاسية، لكن ما يميزها أنها بمثابة استفتاء على الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه وسياساته الشعبوية المثيرة للجدل.
بالرغم من أن اسم الرئيس غير مدرج على بطاقات التصويت الخاصة بالانتخابات النصفية الأميركية، فإن العديد من الأميركيين يعتبرون أن تاريخ 6 نوفمبر سيكون بمثابة استفتاء على ترامب وعلى سياساته اليمينية المحافظة، ويخشى الجمهوريون خسارة السيطرة على الكونغرس حيث يبدو الانتصار هذه المرة في متناول الديمقراطيين الذين يحتاجون 23 مقعداً إضافياً رغم المنافسة الشديدة، ومهما كانت النتيجة لصالح المعسكر الجمهوري أو الديمقراطي يعتقد المراقبون أن تقسيم السيطرة سيتواصل على الكونغرس ما يعني أن المعارك بين الحزبين المتنافسين لن تنتهي.
وعمل أسلوب وشخصية الرئيس ترامب العدوانية والهجومية على تقسيم الولايات المتحدة ودفع الناخبين إلى الانتماء إلى معسكرين: ديمقراطي وجمهوري، وظل ترامب متمسكاً في حكمه بقاعدته الجمهورية، في حين تجاهل وأقصى أولئك الذين صوتوا لصالح الديمقراطيين. وكثف من أساليبه الانقسامية في الفترة التي سبقت يوم الانتخابات من خلال تعليقاته على المستوى القومي، وكذلك في حملته الانتخابية للمرشحين الجمهوريين في الولايات في جميع أنحاء البلاد. حتى أنه طلب من مؤيديه المتحمسين أن يروا كل انتخابات وكأنها تتعلق به. ما أثار انتقاد الناخبين الذين يعارضونه على الجانب الآخر.
وفي الولايات المحافظة مثل كنساس وكارولاينا الجنوبية، ليس هناك ما يدعو المرشحين الجمهوريين إلى النأي بأنفسهم عن ترامب، بل يمكنهم الاستناد إلى شعبيته الكبيرة بين المحافظين. لكن مع اشتداد المنافسة بين الجمهوريين والديمقراطيين في عدد من الدوائر، فإن التقرب من ترامب قد يضر بحظوظ المرشحين، ما يحمل الجمهوريين على تركيز حملتهم على النمو الاقتصادي المتين، فيما يعمد الديمقراطيون في المقابل إلى تذكير الناخبين باستمرار بسياساته المثيرة للجدل في مواضيع الهجرة والصحة والتجارة.
ورسم ترامب خطوط معركة الانتخابات النصفية، وستسمح نتيجة الانتخابات للمعسكر الفائز السيطرة على الكونغرس الأميركي الذي يضم مجلسين: مجلس النواب (الذي يضم 435 عضوا موزعا على سكان الولايات الخمسين) ومجلس الشيوخ (الذي يضم عضوين لكل ولاية). ويتمتع الجمهوريون في الوقت الحالي، بأغلبية المقاعد في مجلسي النواب والشيوخ.
ويملك الجمهوريون الغالبية حاليا مع 51 مقعدا مقابل 49 ديمقراطيا. في حين أن الخارطة الانتخابية لمجلس الشيوخ غير مواتية بالنسبة للديمقراطيين لأن عليهم الدفاع عن 26 مقعداً (بينهم ستة مهددين) مقابل تسعة للجمهوريين.
لكن النتيجة الأكثر أهمية هو ما تعنيه النتائج بالنسبة لسياسات وممارسات الإدارة الأميركية إذا كانت محل تأييد أو معارضة، وبغض النظر عن الكيفية التي ينقسم بها الكونغرس، سيظل نهج الرئيس تجاه السياسة الخارجية والعلاقات الدولية قوميا وانعزاليا، في ظل التداعيات التي تتضح بشكل كبير في مجالات مثل التجارة والهجرة. أما التأثير الأكبر داخل الولايات المتحدة فسيكون في دعم الكونغرس، أو في مقاومته لبنود أجندة الرئيس ترامب.
أجندة ترامب
تضمنت أجندة الرئيس الأميركي منذ صعوده سدة الحكم تخفيضات ضريبية توفر منافع رمزية للمواطن العادي وفوائد كبيرة للشركات الثرية والكبيرة، وأيضاً إلغاء نظام “أوباما كير” – البرنامج الذي صمم لتوفير تغطية صحية معقولة لجميع الأميركيين. كما تضمنت أجندة ترامب أيضاً تقليص حجم وتغيير تركيز الوكالات المحلية بشكل جذري والتي تحظى بتقدير كبير من الديمقراطيين مثل دوائر التعليم والداخلية والعمل والإسكان والتطوير الحضري ووكالة حماية البيئة.
ومن وجهة نظر تشريعية بحتة، لا يهم كثيراً ما إذا كان الجمهوريون يحتفظون بالسيطرة على مجلسي الكونغرس أو يفقدون السيطرة، أو حتى يسيطر عليه الديمقراطيون. والسبب هو أن الكونغرس، طيلة ما يقرب من عقد من الزمان، عانى من خلل في إدارته. وكانت هناك بعض التنازلات البسيطة بين مجلسي الكونغرس، ولم يتم تمرير الكثير من التشريعات.
لكن تكمن أهمية السيطرة على الكونغرس في دعم أجندة الرئيس من عدمه، حيث بعد انقضاء فترة الانتخابات، سيواصل الرئيس ترامب الحكم، كما اعتاد، من خلال إصدار الأوامر التنفيذية. وسيساعد استحواذ أغلبية الجمهوريين على المجلسين على إنفاذ هذه الأوامر، وقد تمرر في بعض الأحيان تشريعات تتعلق بها. وسيعني انقسام السيطرة معارك لا تنتهي بين المجلسين.
إن تمكن الحزب الديمقراطي من السيطرة على مجلس الشيوخ، فقد يعمل على إعاقة جميع تعيينات دونالد ترامب
أما الاحتمال الأكثر إثارة للفضول فهو إذا نجح الديمقراطيون في السيطرة على المجلسين، والذي سينتج عنه دون شك محاولات للحد من مقترحات سياسة ترامب المعادية للهجرة، ومن الممكن أيضاً أن يعارضوا إلغاء برنامج “أوباما كير”. ففي حال سيطر الديمقراطيون على مجلس النواب، يزداد احتمال بدء آلية لإقالة ترامب. كما أن التحقيقات ستتزايد في الكونغرس بحق إدارة ترامب ولا سيما بشأن الشبهات حول تواطؤ فريق حملة ترامب مع روسيا في انتخابات 2016.
وسيتولى الديمقراطيون رئاسة اللجان البرلمانية في مجلس النواب، ما سيعطيهم إمكانية توجيه استدعاءات لمثول شهود يودون الاستماع إلى إفاداتهم تحت القسم.
وإن تمكن الديمقراطيون من السيطرة على مجلس الشيوخ، فقد يعملون على إعاقة جميع تعيينات ترامب سواء للمحكمة العليا أو النظام القضائي الفدرالي أو المناصب التنفيذية في الإدارة، إذ أن مجلس الشيوخ له الكلمة الفصل في هذه الخيارات الرئاسية.
تقسيم السيطرة
لا تحدث الانتخابات النصفية تغييرات جذرية في صنع القوانين فحسب، بل تؤثر على صناع القانون وعلى أسلوب وحماس الحوار الوطني وموقف الجمهور الأميركي منه. وسيؤدي استمرار سيطرة الجمهوريين إلى تعزيز وتوسيع عصر الظلمات الذي يعيش فيه الأميركيون والخوف من استشراء مشاعر القومية والعداء للآخر، والانسحاب من المسرح العالمي تحت مبدأ “أميركا أولا”. أما الانقسام أو سيطرة الديمقراطيين على الكونغرس فيعني إمكانية رؤية النور من جديد، والأمل، والتفاؤل، وإعادة الالتزام بالقيادة الدولية.
قبل بضعة أيام من إجراء الانتخابات، يبدو أن الاحتمال الأرجح هو تقسيم السيطرة على الكونغرس مع احتفاظ الجمهوريين بالأغلبية في مجلس الشيوخ وسيحصل الديمقراطيون على أغلبية المقاعد في مجلس النواب.
وقد أعطت مؤسسة “فايف ثيرتي إيت”، وهي مؤسسة أبحاث تقوم بالتوقعات التي تستخدم تحليلاتها الإحصائية لنتائج العديد من منظمات الاقتراع، للديمقراطيين فرصة 6 من 7 للفوز بالسيطرة على مجلس النواب وللجمهوريين فرصة 6 من 7 بالسيطرة على مجلس النواب والجمهوريون 6 من 7 فرصة للحفاظ على السيطرة على مجلس الشيوخ.
ولكن هذه التقديرات ليست بالأكيدة، ففي النهاية سيصوت المواطنون الثلاثاء. وسوف يعرّف مواطنو الولايات المتحدة العالم بالنتائج الفعلية. وبعد ذلك، لن يكون هناك المزيد من التخمينات، لكن ما سيقع هو مراقبة التداعيات.
العرب