الباحثة شذى خليل*
فمن يلغي تلك القرارات ؟!
يقدر اتحاد الصناعات العراقية أن حوالي (40000) مشروع ، وأكثر من 80% من المصانع ، متوقفة لأسباب سنشرحها ، أهمها قرارات الحاكم المدني “بول بريمر” وتلتها التبعات التي قضت على الزراعة والصناعة ، ما يعرض البلد إلى خسائر اقتصادية مادية كبيرة.
تجريم قوانين بريمر:
بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 ، كان الأمر بالنسبة للعراقيين يبعث على الأمل ، لكن الذي حصل عكسه تماما ، ان الحاكم المدني بول بريمر رئيس سلطة الائتلاف والحاكم المدني الذي جاء ليحكم العراق ، صاحب المئة أمر ، والتي ليس باستطاعة أية حكومة منتخبة تغيير تلك الأوامر ، لأنها أساس الديمقراطية حسب ادعاءهم !
ففي الجانب الزراعي كان العراق يملك قبل العام 2003 نظام البذور المركزي ، أو ما يسمى البنك الوطني للبذور ، إذ يعمل على تطوير صناعة بذور بتحكم مركزي ، وتنوع جيد من كل انواع البذور والقمح بالعالم ، فقد عمل المزارعون على حفظهم للبذور ومشاركتها وإعادة زراعتها ، فقد كان يمتلك بنك وطني للبذور : الذي كان يعني ان لديه بذور تعود لآلاف السنين ، أي منذ عهد المزارعين القدامى ، لكنه بعد 2003 ، وبأمر من “بريمر” تم تدمير مؤسسات البحث العلمي والتطوير الخاصة بالبذور العراقية ، وإفسادها بشكل كامل ومتعمد ، أما الآن فإن امدادات البذور تغطي 5 % فقط من طاقة البذور خلال دراسة أجريت في العام 2005 .
وفيما يلي إيجاز بأهم قرارات “بريمر”:
1. قرار بريمر بالرقم (81) مهم ، فهو أمر متعمد لتدمير الاقتصاد الزراعي بالعراق ، وله تأثير كبير على العراق ، فهو تحت مسمى قانون براءات الاختراع والنماذج الصناعية وسرية والمعلومات والدوائر المتكاملة وتنوع المحاصيل ، من خلال الكلام القانوني ، ما تنص عليه مواد وفقرات القانون (81) : يجب منع المزارعين العراقيين من استخدام البذور المحمية، ومن كافة انواعها ، وأي نوع مذكور بالفقرتين (1 ، 2) ضمن المادة الـ(14) إذ انها تنص على ان المزارعين العراقيين لا يسمح لهم بحفظ البذور ، ولا يسمح لهم بمشاركتها مع غيرهم ، ولا يحق لهم إعادة زراعة البذور المحصودة .
وأشارت البحوث ان شركة مونسانتو: هي شركة متعددة الجنسيات تعمل في مجال التكنولوجيا الحيوية الزراعية ، وأكبر منتج للبذور (العادية والمعدلة وراثيا) ، بلا منازع وتملك (70-100%) من أسواق بذور مختلف المحاصيل في العالم.
وتستخدم هذه الشركة البذور لموسم حصاد واحد ، ما يجعل المزارعين يعتمدون عليها في توفير الحبوب كل سنة ، لأنها معدله وراثيا ، ولا يمكن إعادة زراعة بذورها مرة أخرى .
إذاً ، هنا تكمن مصلحة الشركات مثل “دو” وهي شركة كيميائية أميركية متعددة الجنسيات ، و شركة “كارجل تكتلات الحبوب” مصلحتهم هنا لانهم يعملوا على اعادة تصنيع البذور ويمتلكون البذور وهي الشركات الوحيدة التي تمتلك الكيمائيات المصنعة للبذور.
وهذه الشركات في الحقيقية بحاجة الى مختبر او حقل للتجارب ، ففي شركة تكتلات الحبوب ، كان هناك مستشارا زراعيا تم تعينه في 2003 ، ومسؤول سابق في ادارة الاغذية الاميركية ، يثير الاستغراب ، وعرف شركات عابرات القارات التي تعمل في كل المجالات كالزراعة والنفط ومرتزقة الحروب ، وهذه هي منافع الحروب.
ان رغبة تلك الشركات في استعمال بذورها المدجنة في العراق حصرا ، هدفها أن يصبح العراق معمل وحقل تجارب للبذور المعدلة وراثيا .
النقطة المهمة الأخرى ، ان تلك الشركات أعطت للمزارعين (6) أصناف فقط من القمح ، ثلاثة منها تصلح لإنتاج المعكرونة ، والعراق معروف عنه بأنه غير مستهلك للمعكرونة ، هذا في حالة إنتاجها أصلا ، إذ سيكون نصف المزروع للتصدير ، إذاً مَن المستفيد ومَن الذي سيحصل على الأرباح ؟!
الأمن الغذائي بالعراق وصل حد الفشل ، فوضى عارمة تعصف بالعراق ، تدمير الزراعة المتعمد ، لا توجد كهرباء ، ولا يوجد إرواء ، شبكات المياه تفتقر الى الصيانة ، ما يجعلها مياه ملوثة بمياه المجاري ، العراق سيواجه موجة جفاف خطرة ، وستزيد من أزمة الغذاء فيه .
قرارات(أوامر) بريمر التي دمرت الاقتصاد العراقي ، بالإضافة الى القرار السابق رقم (81) .
2. القرار المرقم (39) والذي يسمح بما يلي:
• خصخصة (200) شركة من الشركات المملوكة للدولة العراقية .
• ملكية اجنبية بنسبة (100%) من الشركات العراقية .
• المعاملة الوطنية للشركات الاجنبية .
• تحويلات الارباح والاموال الأخرى .
• إعفاءات من الضرائب والقيود .
• منح تراخيص الملكية لمدة أربعين (40) عاما.
وشرح القانون أعلاه: السماح للشركات الاميركية العاملة في العراق امتلاك كل الاعمال التجارية والعمل بها ، وارسال كل الاموال الى اميركا دون الحاجة لاستثمار هذه الاموال محليا لخدمة الاقتصاد العراقي ، ولا حاجة للتعاقد مع أيدي عاملة عراقية ، وليس هناك حاجة لضمان أية خدمات عامة ، ومن السهل جدا تجاهل حقوق العمال ، وتستطيع الشركات ان تسحب استثماراتها في أي وقت .
3. القرار المرقم (40): والذي ينص على تحويل القطاع المصرفي في ادارة الدولة الى نظام السوق الذي يحركها بين عشية وضحاها ، من خلال السماح للبنوك الاجنبية بدخول السوق العراقية ، ولشراء ما يصل الى (50 %) من المصارف العراقية .
4. في حين القرار المرقم (12): الصادر في 2003 والمجدد في عام 2004 ، مفاده تعليق كافة الرسوم الجمركية والضرائب على الواردات ، ورسوم التراخيص الاضافية للسلع التي تدخل او تغادر العراق ، وجميع القيود التجارية الاخرى التي تنطبق على مثل هذه البضائع .
شرح القانون أعلاه: يؤدي ذلك الى تدفق فوري كبير من المنتجات الاستهلاكية الرخيصة والتي قامت بالقضاء على الصناعة الوطنية وعلى الموزعين المحليين لنفس المنتجات ، ما يؤثر على الناتج المحلي في المدى البعيد ايضا .
5. القرار بالرقم (17): منح المقاولين الاجانب بما في ذلك شركات الامن الخاصة ، حصانة كاملة من القوانين العراقية .
شرح القانون أعلاه: لو تسببت في ضرر طرف ثالث عن طريق قتل شخص او تسبب في اضرار بيئية مثل القاء مواد كيمائية سامة ، او تسمم مياه الشرب ، الطرف المتضرر لا يمكنه اللجوء الى النظام القانوني العراقي ، اذ يجب ان يقدم التهم الى المحاكم الامريكية تحت رعاية الولايات المتحدة للقوانين .
6. القرار رقم (77): انشاء ديوان الرقابة المالية وتسمية رئيسه ونائبيه ، ويشرف المجلس على المفتشين في كل وزارة مع سلطة واسعة لمراجعة العقود الحكومية وبرامج تدقيق سرية ووصف الانظمة والاجراءات .
7. القرار رقم (57): انشأ وعين داخل كل وزارة عراقية مفتش لهذ الغرض لتأدية عمليات التدقيق والكتابة والسياسات ، ومنح الحق بالوصول لجميع المكاتب والمواد والعاملين في الوزارات .
8. القانون رقم (30) المتعلق بالإدارة المالية ومنع التصدير .
أكد مختصو عراقيون أن قرارات ، بول بريمر رئيس سلطة الائتلاف والحاكم المدني السابق للعراق ، منعت العراق من تصدير العديد من المنتجات الصناعية والمواد الأولية ، مستغربين تصاعد الانتقادات للاقتصاد العراقي كونه أحادي الجانب ، في حين عزا مختصون عدم إلغاء تلك القرارات – المجحفة – حتى الآن ، إذ تحول الكثير من السياسيين لتجار.
ويقول الخبير الصناعي ماجد الحميد إن الصناعيين يصرون على إلغاء قرار بريمر بالرقم (30) المتعلق بالإدارة المالية ، مبيناً أن المجلس يعمل على ذلك منذ أكثر من سنتين ، لكنه وصل لطريق مسدود مع الحكومة .
وأوضح الحميد ، إن قرارات بريمر قيدت القطاع الخاص ومنعته من تصدير منتجاته والمواد الخام ، مستغرباً من عدم إلغاء تلك القرارات برغم ما سببته من ضرر للاقتصاد العراقي ، مؤكداً إن الكثير من الخبراء والاقتصاديين أوصوا منذ عشر سنوات بضرورة إلغاء قرارات سلطة الائتلاف المجحفة بحق الصناعة العراقية.
وأضاف ، أن الحاكم المدني للعراق بول بريمر ، هو من شجع وفتح الباب امام المفسدين ، سواءً كانوا عراقيين أم أجانب ، متعاقدين مع الولايات المتحدة الاميركية ، مؤكدا التقرير ان سلطة الائتلاف مسؤولة عن جزء كبير من الفساد المالي والاداري الذي حصل في البلاد خلال السنوات الماضية .
كما أكد المستشار الاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء السابق ، مظهر محمد صالح ، إن قرار سلطة الائتلاف الموحد الصادر عام (2003) الخاص بمنع تصدير السلع العراقية ، ليس فقط الزراعية ، خارج البلد ، لا يزال ساري المفعول ، مشيراً إلى أن القرار منع العراق من تصدير العشرات من سلعه الإنتاجية نتيجة مخاوف لم تعد موجودة حالياً.
وأضاف صالح ، ان دولاً خليجية عدة طلبت استيراد الحصى والإسمنت من العراق ، لكن قرار بريمر يمنع ذلك ، غير أن تصدير مثل تلك المواد ، يمكن أن يساعد في مواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية ، وهذا ما يعيب اقتصادنا كونه أحادي الجانب ونقمع الصادرات غير النفطية.
بدوره أكد وزير الصناعة والمعادن السابق ، محمد صاحب الدراجي ، إن جهات خفية تعمل على إبقاء قرارات بريمر ومنع العراق من التصدير للقضاء على الصناعة العراقية.
واتهم الدراجي ، بريمر بأنه تقصّد ضرب الصناعة ، وتحويل العراق إلى سوق لمنتجات الدول الأخرى ، مضيفاً أن إنتاج العراق من الإسمنت لسنة (2015) ، بلغ (20) مليون طن ، في حين تبلغ حاجة البلد إلى (17) مليون طن فقط ، وكان بالإمكان تصدير الفائض ، لكن قرار بريمر أعاق ذلك .
الصناعة في العراق بعد قرارات بريمر:
تشكل الصناعة العراقية حوالي (14 %) من حجم الدخل القومي ، وتعد من الأفضل بالمقارنة مع دول الجوار ، إلا أنها شهدت انتكاسة كبيرة بعد العام (2003) جراء عمليات السلب والنهب التي تعرضت لها المصانع والمعامل ، إلى جانب إغراق السوق المحلية بالاستيراد والإهمال الحكومي .
ومنذ العام (2003) ولغاية اليوم ، دخلت العراق بضائع من شتى دول العالم ، وبمواصفات رديئة بحسب ما يجزم المختصون والمعنيون بالقطاع الصناعي الذين أكدوا أن بعض الدول باتت تصدر للأسواق المحلية سلع وبضائع مغشوشة تؤثر على البيئة والصحة .
وأن أكثر المصانع المتوقفة كانت موجودة قبل الاحتلال الأميركي ، وأن قسماً منها توقف بسبب الحصار ، وقسم آخر بدأ يعيد نشاطه بعد الاحتلال ، إلا أن هناك قرابة عشرين ألف مشروع متوقف بسبب حاجته إلى إعادة تأهيل الآليات ، وتوفر المواد الأولية والعمالة الفنية ، وهذه الأخيرة هاجر أغلبها بعد الاحتلال نتيجة تدهور الوضع الأمني .
واضح صندوق النقد الدولي في مايو من العام الجاري (2018) ان معدل بطالة الشباب في العراق تجاوزت (40 %) ، فيما تبلغ معدل النساء خارج القوى العاملة فيه ما يقارب من (85 %) ، وتعد هذه النسبة مرتفعة قياسا بالمعايير الدولية في بلد نفطي مثل العراق.
وتشير الدراسات الاقتصادية إلى أن الإيقاف المتعمد طال مئات المعامل والمصانع ، من بينها مصانع الحديد الصلب ، والبتروكيماويات ، والإسمنت ، والورق ، والنسيج ، والصناعات الحرارية ، ويستورد العراق سنوياً منتجات بأكثر من (11) مليار دولار ، بسبب توقف الصناعات الوطنية ، وكان يمكن في حال تفعيل الصناعة المحلية أن ينخفض هذا الرقم إلى أقل من (4) مليارات دولار.
وبحسب المسؤول ، الذي فضل عدم ذكر اسمه ، فإن كلفة تأهيل ستة من تلك المصانع ، لا تتجاوز (250) مليون دولار ، ومنها على سبيل المثال مصانع الحديد والصلب ، التي تمتلك عدة فروع بمحافظات عراقية مختلفة ، حيث أظهر التقرير الفني أنها بحاجة الى مولدات كهرباء ، وأحواض صهر وعجن ، وقوالب بأشكال مختلفة ، فضلا عن خطوط إنتاج ونواقل حركة ، مؤكدا أن هناك دولا عرضت إعادة التأهيل ، مثل ألمانيا والصين ومصر ، مع تدريب الموظفين والعاملين وإعادة تأهيلهم فنياً.
وحسب المسؤول العراقي ، فإن ضغوطاً سياسية وفساداً مالياً بين مسؤولين حكوميين وتجار من دول الجوار ، تعطل إعادة تأهيل تلك المصانع ، التي بسببها ما زال العراق يستورد حاجته بنسبة (100 %) ، مشيراً إلى أن أغلب المنتجات المستوردة تأتي من إيران وتركيا والصين والكويت.
وكشف مسؤول رفيع المستوى في الحكومة العراقية ، عن تورط مسؤولين بينهم وزراء ووكلاء وزراء وأعضاء بالبرلمان ، في ملفات فساد تتعلق بـ”الإيقاف المتعمد” للمصانع العراقية المملوكة للدولة ، خلال السنوات الماضية ، من أجل ضمان استمرار الفساد المالي ، وتدمير الصناعة لبلد غني مثل العراق ،والاستفادة من صفقات الاستيراد لصالحهم ولصالح اجنداتهم الخارجية .
واليوم ، وبكل حزم ، يجب على أصحاب القرار السياسي والاقتصادي ، ان يقفوا صفا واحدا ، لإلغاء قرارات بريمر المجحفة بحق الشعب العراقي ، وإيقاف مهزلة الخنوع والخضوع لقرارات لا تخدم المصلحة الوطنية.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية