تعتبر كشمير القضية الأساسية للنزاع الإقليمي بين باكستان والهند وقد شهد هذا النزاع محطات كبيرة أدّت إلى حرب كشمير الأولى عام 1947 واستمرت حتى عام 1948، وحرب كشمير الثانية عام 1965 وانتهت بتدخل قوي من الاتحاد السوفييتي (الذي كان مناصرا للهند) والولايات المتحدة الأمريكية، وتبعت ذلك حرب أخرى عام 1971 وأدت لانقسام باكستان وتشكيل دولة بنغلاديش، وإضافة لهذه الحروب الكبيرة والسباق النووي بين البلدين فقد حصلت أشكال أخرى من التوتر كما في أحداث كارجيل عام 1999 (التي سبقها توتّر شديد بعد تجارب نووية باكستانية أجريت ردا على تجارب هندية في مطلع العام 1998)، ثم أحداث مومباي عام 2008، كما توازت معها محاولات عديدة لإطلاق حوار وسلام بدأت عام 2004 حتى عام 2008 حين قام مسلحون من تنظيم يدعى «لشكر طيبة» بمهاجمة أماكن رئيسية في مدينة بومباي.
إضافة إلى خطّ الصراع المرير والطويل (ومحاولات السلام والحوار القصيرة) لا يمكن إنكار مسار طويل من الحراك السياسي والمسلح الكشميري الذي يهدف لاستقلال الولاية كما كانت قبل الاستعمار البريطاني لشبه الجزيرة الهندية، ويتلازم معه مسار الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الكشميريون من قبل الجيش الهندي وكذلك الاتجاهات والتيارات العنصرية القومية والطائفية الهندية، وحسب تقرير لصحيفة غارديان البريطانية يعرض لهذه الانتهاكات بين الأعوام 1990 و2014 يتهم 150 ضابطا هنديا كبيرا بارتكاب 1080 حالة تصفية خارج القانون، وبالمسؤولية عن اختفاء 172 كشميريا إضافة إلى تاريخ من حالات الاغتصاب والعنف والتعذيب ضد المعتقلين.
حاول رئيس الوزراء الباكستاني الحالي عمران خان خلال الشهور الستة الماضية منذ استلامه الحكم تعزيز العلاقات مع البلدان الجارة متجاهلا الخصومات القديمة بما فيها الهند حيث فتح ممر كارتاربور للسماح بمرور الحجاج السيخ من دون طلب تأشيرة دخول (فيزا)، كما أنه أعاد روابط إسلام أباد القديمة مع إيران، وفي الوقت نفسه فتح الخطوط مع المملكة العربية السعودية (خصم طهران التقليدي)، وحاول فعل الأمر نفسه مع قطر والإمارات، ولكنّه لم يحاول زيارة الولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا.
بدت استراتيجية خان ناجحة إلى ما قبل أسبوعين حيث حصل حدثان كبيران بفارق يوم واحد، الأول في إيران، وأدى لمقتل عشرات من أفراد الحرس الثوري الإيراني، والثاني في الهند وأدّى أيضاً إلى مقتل العشرات من الجنود الهنود، وقد سارعت طهران إلى اتهام إسلام أباد وهو ما فعلته الهند، التي قال رئيس وزرائها ناريندرا مودي إن لديه «دليلا لا يمكن دحضه» عن تورط باكستان في الهجوم متبعا ذلك بقرار عزل كامل لجارته وإنهاء اتفاق تفضيل تجاريّ معها، ولكنّ الأمور أخذت منحى خطيرا جدا مع هجوم مقاتلات هندية على الداخل الباكستاني، ثم إسقاط باكستان مقاتلتين وأسر أحد الطيارين.
منفذ الهجوم في الهند هو عادل دار، وهو من كشمير وليس باكستان، أما جيش محمد، الذي أعلن مسؤوليته، ورغم وجوده على الأراضي الباكستانية فإنه ليس أداة بيد إسلام أباد بدليل أنه نفذ عمليات كبرى ضد الدولة الباكستانية بما فيها محاولة لاغتيال برويز مشرف رئيس الوزراء الأسبق عام 2003، كما أنه نفذ هجمات عديدة على جنود باكستانيين.
يضاف لذلك فإن للهند ذراعا مسلّحا داخل الباكستان نفسها فهي تقوم بتمويل حركة القومية المتحدة، وهو حزب سياسي يميل للعنف ومسؤول عن مقتل الآلاف من الباكستانيين في محاولات الحركة للسيطرة على كراتشي، ويقيم رئيس الحركة، ألطاف حسين، في شمال لندن ببريطانيا، أما الحركة التي قامت بهجوم على إيران، والمسماة «جيش العدل»، فهي مدعومة من قبل السعودية وكذلك من قبل المخابرات الأمريكية، ومن الصعب عدم ربط هذا الهجوم بزيارة ولي العهد السعودي إلى باكستان، وبمؤتمر وارسو، في الوقت نفسه، والذي كان مخصصا بشكل كبير للضغط على إيران.
كل هذه التفاصيل تدلّ على وجود اتجاه لوقف محاولات خان لبناء بلد مستقر على سلام مع جيرانه، وتتشارك جهات كثيرة فوائد هذا الاضطراب، بينها إسرائيل، «بطلة» مؤتمر وارسو، والسعودية «الحليفة» الافتراضية لباكستان، والهند، التي سيستفيد رئيس وزرائها كثيرا من تأجيج الأوضاع مع باكستان، إضافة إلى جهات دوليّة أخرى داعمة لهؤلاء.
القدس العربي