بعد مرور قرن على دخول الكهرباء الى العراق والى يومنا هذا ، لازال يعاني من ازمات متعاقبة رغم إنفاقه ما يكفي لبناء أحدث الشبكات الكهربائية في العالم ، فمنذ العام 2003 تفاقمت بشكل كبير أزمة الكهرباء في العراق ، رغم إنفاق عشرات المليارات من الدولارات ، والتي التهمها الفساد المستشري في البلاد ، وسوء الإدارة ، إلى أن أصبحت الشبكة الكهربائية واحدة من أسوأ الشبكات الكهربائية في العالم.
وتستمر أزمة الكهرباء التي فشلت الحكومات المتعاقبة منذ 15 عاماً في إيجاد حلولٍ لانقطاعها لساعات طويلة يوميا ، حيث انفقت الحكومات منذ 2003 أكثر من 40 مليار دولار على قطاع الكهرباء دون أية حلول ملموسة.
يبقى الفساد هو السبب في عدم وجود حلّ لأزمة الكهرباء في العراق ، بحسب ما أكد في مرات سابقة مسؤولون ، إذ اكدت عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي ماجدة التميمي ، على وجود سوء إدارة ، وهو ما جاء في تقارير للجنة الطاقة والنزاهة النيابية باستمرار .
وحسب المحللون ، ان العراق تحوّل لواحد من أكثر البلدان فساداً في العالم ، بحسب ما يذكر مؤشر مدركات الفساد الذي يتبع منظمة الشفافية العالمية.
يدرك رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي ، جدياً خطورة ملف الكهرباء ، إذ ان انقطاع الكهرباء يعد الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات بالمدن العراقية ، في يوليو الماضي ، منطلقة من البصرة ، حيث قُتل فيها 14 شخصاً نتيجة اشتباكات مع قوات الأمن ، فضلاً عن إصابة أكثر من 700 من أفراد الأمن والمتظاهرين ، بالإضافة إلى اعتقال المئات ، بحسب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في البلاد.
وفي ذات السياق ، أكد صهيب الراوي ، الخبير في وزارة الكهرباء العراقية ، على ان أن مشكلة الطاقة الكهربائية في العراق ليست وليدة اليوم ، فالبلاد تعاني من نقص حادٍّ منذ العام 1990 ، وان المشكلة تفاقمت بعد عام 2003 ، بسبب تهالك محطات التوليد القديمة ، وما زاد من تفاقمها حصول عمليات التخريب خلال السنوات الماضية ، التي طالت محطات التوليد والأسلاك الناقلة للطاقة ، لتزداد على أثر ذلك ساعات انقطاع التيار الكهربائي عن المواطنين.
ونتيجة للأحمال الزائدة ، بحسب ما يصرّح به مختصون في وزارة الكهرباء العراقية ، تزداد ساعات انقطاع الكهرباء في فصل الصيف ، لتصل في بعض الأيام ساعات القطع إلى 20 ساعة في اليوم ، ما اضطر المواطنون إلى الخروج الى الشوارع للتعبير عن غضبهم بمظاهرات واحتجاجات تشهدها في بعض المحافظات العراقية ، بسبب انقطاع التيار الكهربائي ، وسوء الخدمات ، ورفض المواطن العراقي ان يعيش في ظلام دامس وبلاده من أغنى الدول في مجال الطاقة.
وأشار الراوي إلى دراسة أجرتها الوزارة قدّرت الطلب على الكهرباء بنحو 57 تريا واط / ساعة عام 2010، في حين لم تتمكن البلاد من إنتاج أكثر من 33 تريا واط/ ساعة فقط ، وهو ما يشكّل 58٪ من الحاجة الكلية.
وتوقعت الدراسة أن ينمو الطلب على الاستهلاك ليصل إلى 170 تريا واط/ ساعة بحلول عام 2035 ، بسبب النمو السكاني والاقتصادي.
ان وزارة الكهرباء تسعى خلال العام الحالي 2019 إلى تطوير قطاعات الإنتاج بنسبة تتراوح بين 10% إلى 20% ، وتستمر النسبة على مدار السنوات الأربع المقبلة ، وصولاً إلى إنهاء الأزمة بنهاية فترة الحكومة الحالية (في أكتوبر 2022) في حال عدم تعثّر الخطط بسبب المشاكل السياسية والأمنية في البلد ، والتي يُعزى لها تعثّر خطط التطوير بشكل مستمر.
ان اعتماد العراق على استيراد الكهرباء ، بسبب الفجوة ما بين استهلاك وإنتاج الطاقة الكهربائية ، التي أدت الى ارتفاع ساعات القطع صعوداً ونزولاً بحسب فصول العام، هو ما جعل اعتماد الأهالي على مولدات الطاقة الكهربائية الأهلية.
وبهذا يستمر العراق باستيراد الطاقة الكهربائية من إيران ، بمعدل 1100 ميغا واط حتى نهاية العام الحالي ، حسب اعلان وزير الكهرباء العراقي لؤي الخطيب.
كما أن استيراد الطاقة الكهربائية من إيران هو حلٌ مؤقت إلى حين استثمار الغاز في إنتاج الطاقة الكهربائية.
وبين الراوي ان الديون المترتبة من استيراد الكهرباء الإيرانية ، وجدت آلية معتمدة بين البلدين تنظمها الأجهزة المصرفية ، إذ كانت إيران أوقفت تصدير الكهرباء للعراق ، في يناير 2018 ، ما تسبب بأزمة في المحافظات الجنوبية ، وجاء وقف إيران تصديرها الكهرباء إلى العراق نتيجة تأخر سداد ديون بغداد المتراكمة ، البالغة ملياري دولار , وبالأخص بعد أن فرضت الولايات المتحدة في نوفمبر تشرين الثاني الماضي حزمة عقوبات إضافية على طهران ، طالت التحويلات المالية العابرة للحدود ، مهددة بعقوبات على البلدان والشركات المخالفة.
وتستورد بغداد على أكثر من ألف ميغا واط من إيران للحد من نقص الطاقة منذ سنوات طويلة ، عقب تعرض البنى التحتية للطاقة إلى التدمير والإهمال بعد عقود من الحروب والحصار.
وينفذ العراق مشاريع توليد الطاقة الكهربائية مع شركات عالمية لزيادة الإنتاج والتوقف نهائيا عن الاستيراد.
وتحتاج البلاد إلى أكثر من 23 ألف ميغا واط من الطاقة الكهربائية ، لتلبية احتياجات السكان والمؤسسات دون انقطاع.
وتزوّد طهران العراق بالكهرباء ، عبر أربع خطوط ، هي خط (خرمشهر – البصرة) ، و (كرخة – العمارة) ، و (كرمنشاه – ديالى) ، و (سربيل زهاب – خانقين).
وعلى الرغم من أن بغداد جددت عقود التزوّد بالكهرباء مع طهران ، إلا أن هذه العقود تنص على إعطاء الأولوية للمدن الإيرانية في حال حصل نقص داخلي ، الأمر الذي يجعل العراق تحت رحمة إيران في أي وقت.
وبحسب الخبير الاقتصادي زياد اللهيبي ، إن ما تقدمه إيران للعراق من كهرباء في مقابل مليارات الدولارات ، منذ سنوات ، لن يوقف معاناة نقص الكهرباء ، مؤكداً أن هذه القضية أصبحت ورقة ضغط بيد إيران ، لذلك عرقلت عبر مؤيّديها في العملية السياسية بناء محطات الكهرباء ، لتبقى ممسكة بهذه الورقة الحساسة بغية استخدامها كورقة ضغط حين تشعر أن مصالحها باتت مهددة ، وأضاف ، كنّا نأمل خلال السنوات الماضية أن تؤسس الحكومة محطات متطورة جديدة لإنتاج الكهرباء لسد الحاجة المحلية وبيع الفائض إلى من يحتاج إليه من جيران العراق.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن الحكومات العراقية المتعاقبة أنفقت 40 مليار دولار أميركي على الكهرباء ، وبهذا المبلغ كان من الممكن شراء أصول شركات كهربائية كاملة ، مثل سيمنز الألمانية.
اللهيبي ذكر أيضاً أن تكلفة محطة كهربائية بخارية تبلغ 300 مليون دولار أميركي ، وأن 10 محطات منها كافية لإنتاج 3000 ميغا واط ، مستدركاً: إن القوى السياسية المؤيّدة لطهران تريد أن تساعد إيران في ظل حصارها ، ولذلك تغضّ الطرف عن إنشاء محطات محلية.
الخصخصة حل الازمة في العراق:
بما ان أزمة الكهرباء في العراق معقدة وتتداخل فيها عوامل عدة ، والمسؤولية بذلك لا تقع على وزارة الكهرباء وحدها ، وانما تتحملها جهات عدة ، ما يستدعي دعم مشاركة القطاع الخاص وزيادتها في هذا المجال.
وتعني الخصخصة ، تحويل ملكية مؤسسات الدولة العامة إلى القطاع الخاص ، غير ان الدول النامية لازالت تنظر إلى الخصخصة بعين الريبة والشك ، بوصفها أسلوباً اقتصادياً مفروضاً من قبل قوى سياسية واقتصادية ، إذ كانت الدولة تقدم من خلال سلطتها العامة ومنشآتها ووزاراتها المملوكة لها بالكامل كل الخدمات من: كهرباء ومياه و صحة وتعليم واتصالات وبريد وطرق وجسور ، وانشاء البنى التحتية للبلد.
وحسب خبراء الاقتصاد ، لكي تنجح الخصخصة في العراق ، يجب ان تضع مؤسسات القطاع الخاص تحت رقابة وملاحظة الدولة ، كي لا تتعدى المستويات المعقولة في الربح ، ولتحافظ على الأساس الذي انشئ من اجله القطاع الخاص.
ومن اهم شروط نجاح الخصخصة ، شرعيتها ومشروعيتها: ويقصد بالشرعية: توافر المناخ القانوني السليم لتنفيذها وقيامها ، وهذا المناخ القانوني يتعلق بانسجام عمليات الخصخصة مع القواعد القانونية السائدة في الدولة التي تنفذ فيها تلك العمليات ، وعلى الأخص القواعد الدستورية منها ، باعتبارها تقنن القواعد العامة التي تحكم الاتجاهات الاقتصادية الكبرى للدولة ، فمن غير المعقول أن تتم عمليات الخصخصة إذا كان الدستور لا يجيزها ، أو يعطي أهمية كبرى للقطاع العام ، ويعدّ الدستور الفرنسي من الدساتير التي أباحت الخصخصة صراحة ، بشرط أن يتدخل المشرع ، ويصدر قانوناً بتنفيذها.
وإضافة إلى ما تقدم ، فإن عمليات الخصخصة يجب أن تتم في إطار من المشروعية ، اي توفير القبول الاجتماعي لها ، وهو أمر يتجاوز مجرد التحقق من توفير الإطار القانوني السليم ، إلى خلق الشعور العام بأن هذه العمليات تتم مراعاة للمصلحة العامة ، وفي إطار من العدالة والإنصاف.