تتقاطع معلومات حصل عليها العراق من مسؤولين أميركيين وآخرين في إحدى الدول العربية تفيد بأن الملف العراقي بات رئيسياً في إطار شروط إعفاء العراق من العقوبات المفروضة على إيران أو تخفيف الضغط على طهران من قبل واشنطن، ما يضع رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، أمام تحدٍ كبير بعد ثلاثة أسابيع من منح حكومته الثقة، إذ سيتعين عليه محاولة البقاء على مسافة واحدة من الأميركيين والإيرانيين، ومواجهة ضغوط داخلية سياسية على حكومته. وكشف مسؤول عراقي يعمل ضمن حكومة عبد المهدي، لكنه طلب عدم الكشف عن اسمه، أمس الثلاثاء، أن أطرافاً في وزارة الخارجية الأميركية أبلغت سياسيين عراقيين مناوئين للتدخل الإيراني في العراق بأن الملف العراقي بات رئيسياً ضمن شروط ضم العراق إلى الدول الثماني المستثناة من العقوبات الأميركية. وأضاف “هذا ما علمناه من أميركيين ومن مسؤولين بدولة عربية أيضاً”.
وحول الشروط الأميركية قال المسؤول نفسه إن “واشنطن تصرّ على حل المليشيات المسلحة. والمقصود المليشيات المرتبطة بإيران وعددها أكثر من 30 مليشيا”. وتطالب واشنطن طهران برفع يدها عن العراق وتركه يدير شؤونه بنفسه، وحل ما لا يقل عن 30 فصيلاً مسلحاً يرتبطون بإيران ويعملون في العراق وسورية، أبرزهم كتائب حزب الله، والعصائب والإمام علي والنجباء، والبدلاء، والخراساني، والإمام الحجة، وقائم آل محمد، وسرايا الولي، وزينب الكبرى، والممهدون.
”
واشنطن تصر على حل المليشيات العراقية المرتبطة بإيران وعددها أكثر من 30 مليشيا
”
ويأتي ذلك فيما تحاول كتل برلمانية عراقية نفي صفة المليشيات عن الفصائل المسلحة، معتبرة أنها باتت جزءاً من المنظومة الأمنية العراقية بعد إقرار قانون الحشد الشعبي من قبل البرلمان العراقي السابق عام 2016.
وبحسب المسؤول نفسه تتضمن الشروط “أن يعود الجيش العراقي هو القوة الوحيدة في العراق التي لا منافس لها وأن يتم حصر السلاح بيد الدولة. ويضاف إلى ذلك الكف عن التدخل بشأن الوزارات الأمنية ووقف تغذية الخطاب الطائفي من قبل إيران، بشكل مباشر أو من خلال قنوات فضائية عراقية تمولها طهران، وكذلك إيقاف التدخل بشؤون قطاع المال والسوق العراقي. وتشمل هذه المطالب إقليم كردستان العراق”.
وبحسب معلومات حصلت عليها “العربي الجديد”، فإن الحكومة العراقية باشرت منذ يومين بإعداد ورقة عمل بغية تقديمها للجانب الأميركي تتضمن وضع العراق حالياً ومدى الضرر الذي سيواجهه جراء توقف إمدادات الطاقة الإيرانية والغاز الإيراني، فضلاً عما توفره إيران من منتجات زراعية وصناعية وإنشائية للسوق العراقية يومياً. وتريد الحكومة العراقية التوصل إلى اتفاق لاستثناء العراق بشكل كامل من هذه العقوبات، إلا أنه وفقاً لمصادر في وزارة الخارجية العراقية فإن الأميركيين يتمسكون بشروطهم قبل أي إعفاء، لأنهم يعتبرون أن إيران مارست خطة شلّ القدرات العراقية الزراعية والصناعية لإبقائه تحت رحمة سوقها.
وأوضح المسؤول العراقي، الذي تحدث مع “العربي الجديد”، أن عبد المهدي، الذي يواجه حالياً أول تحد له كرئيس حكومة، يستعين بمستشاري رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، لافتاً إلى أن هؤلاء لا يزالون يعملون في مكتبه للمساعدة في إعداد ورقة تفاوض مع الأميركيين، والذين من المرجح أن يصل مسؤولون منهم إلى بغداد في الفترة المقبلة. وأشار إلى أن المطلوب من عبد المهدي هو البقاء على مسافة واحدة من الإيرانيين والأميركيين، لكنه أكد أن الأمر صعب للغاية حالياً، إذ يضغط الأميركيون كثيراً على بغداد بشأن علاقتهم بطهران ويرون أنها علاقة تابع ومتبوع وليست علاقة بين دولتين جارتين.
وأكد المسؤول نفسه أن رئيس الحكومة لن يجازف برفض العقوبات الأميركية على إيران كونها ستؤذي البلاد اقتصاديا وقد ينهار الدينار العراقي الذي ما زال بوضع هش للغاية”. ورفضت وزارة الخارجية العراقية، يوم الأحد الماضي، ما وصفته بالتدخل الأميركي في شؤون العراق، وذلك رداً على رسالة نشرتها السفارة الأميركية في بغداد على تويتر عشية بدء فرض العقوبات على إيران، تقول إنه “يجب على النظام الإيراني احترام سيادة الحكومة العراقية والسماح بنزع سلاح المليشيات الطائفية وتسريحها وإعادة دمجها”. وكانت الرسالة ضمن رسائل أخرى على حساب السفارة لتحديد المطالب الأميركية من إيران قبل فرض عقوبات جديدة على إيران في 4 نوفمبر/تشرين الثاني. وطالبت وزارة الخارجية العراقية بحذف الرسالة الأميركية، مشيرةً إلى أن “العراق يرفض التدخل في القضايا العراقية الداخلية، ولا سيما قضايا الإصلاح الأمني الداخلي”.
”
يضغط الأميركيون كثيراً على بغداد بشأن علاقتهم بطهران ويرون أنها علاقة تابع ومتبوع
”
ويعدّ النواب المرتبطون بمليشيات الحشد الشعبي الضغوطَ الأميركية على العراق، تدخّلاً في الشأن العراقي، محملين رئيس الحكومة مسؤولية التخلص من السطوة الأميركية على البلاد أو مواجهة الفشل. وقال النائب عن منظمة بدر، رزاق محيبس، في حديث مع “العربي الجديد”، إنه “ليس من حق أميركا التدخل في شؤون العراق الداخلية، والحشد بكل فصائلها باتت جزءاً من القوات الأمنية، وفق النظام العراقي والدستور العراقي، ويأتمر بإمرة القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي”.
وشدّد بدر على أنّ “العراق بلد ذو سيادة، ولن نسمح بتدخل أي دولة في شؤونه الداخلية سواء أكانت أميركا أم غير أميركية”. ودعا عبد المهدي إلى “الرد على الخارجية الأميركية وعدم السماح لها بالتدخل في شؤون العراق الداخلية ووضع حد لها”، وفقا لقوله. وأشار إلى أنه “إذا كانت الولايات المتحدة، تقصد حل الحشد الشعبي أو أي جهاز أمني آخر، فعليها أن تعلم أنّ جميع القوات الأمنية هي قوات نظامية، تعمل وفق القانون والدستور، ولها تشريعات قانونية شّرعت من قبل البرلمان العراقي المنتخب، ما يعني أنّها قوات أسست ضمن قانون عراقي تعمل لخدمة العراق وتعمل لحفظ أمن واستقرار وسيادة وأراضي العراق”.
من جهته، قال النائب عن تحالف سائرون الذي يتزعمه مقتدى الصدر، برهان المعموري، في حديث مع “العربي الجديد”، إنّ “الحشد الشعبي هي مؤسسة تابعة للمؤسسات الأمنية، التي تخضع لسلطة رئيس الوزراء، ونحن نرفض التدخل الأميركي في شؤون العراق رفضاً قاطعاً”. وأشار إلى أنّ “واشنطن ترى، حسب وجهة نظرها، أنّ هناك بعض الفصائل الإيرانية تعمل في العراق” لكنه نفى هذا الأمر، متحدثاً عن الاستعانة فقط ببعض المستشارين الإيرانيين الذين ساهموا في بعض المعارك ضد الإرهاب. وفيما أقر بوجود “تأثيرات إيرانية على بعض الفصائل”، لفت إلى أن “القرار الأول والأخير هو بيد هيئة الحشد الشعبي ورئيس الحكومة”، على اعتبار أن “الفصائل اليوم أغلبها منتم لهيئة الحشد الشعبي، وهي الهيئة الوحيدة المخولة بقضية الفصائل”. وشدد على أنه إذا كان يوجد “إرادة عراقية بحل هذه الفصائل المرتبطة بإيران، فيجب أن تكون إرادة عراقية من دون تدخل خارجي”.
”
الحشد الشعبي في العراق تعمل بغطاء حكومي، لكن بيد إيرانية
”
وممّا يزيد التعقيد بشأن مليشيات الحشد الشعبي، أنّها تعمل بغطاء حكومي رسمي، بغض النظر عن ارتباطاتها الأخرى، ما يجعلها قوة رسمية لا يمكن حلها بسهولة. وفي السياق، قال المحلل السياسي محمد الشمري، في حديث مع “العربي الجديد”، إنّ “الحشد الشعبي في العراق تعمل بغطاء حكومي، لكن بيد إيرانية، وإنّ هذا يشكل خطراً على المصالح الأميركية – العراقية والعربية – الأميركية، كون الحشد لم تخضع لأوامر القائد العام للقوات المسلحة حقيقة، بل تأخذ الأوامر من قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني”. وأكد، أنّه “إذا طبق العراق العقوبات على إيران، فإنّ مليشيات الحشد ستكون أول المعترضين على ذلك، وسيكون عبد المهدي بمواجهة تلك الفصائل”.
العريي الجديد