لا شك أن إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، هي المسؤولة عن الارتباك الواسع النطاق بشأن سياستها تجاه إيران، إذ يردد الديمقراطيون والمعلقون تعليقات تشير إلى أن مساعدي ترامب يدفعون رئيسهم المتردد باتجاه حرب متهورة مع طهران قد تشعل المنطقة. في حين يقول العديد من المحللين إن الأمر لا يتجاوز لعبة خطيرة تهدف إلى ممارسة “أقصى قدر من الضغط” لكي تقبل الجمهورية الإسلامية باتفاقية نووية جديدة تتفق مع مصالح أمريكا وإسرائيل.
إدارة ترامب لم توضح المعلومات الاستخبارية التي حصلت عليها، وأسفرت عن هذا التصعيد، بما في ذلك سحب الدبلوماسيين الأمريكيين من بغداد وأربيل ونشر قاذفات “52” وحاملة طائرات، وفشلت إدارة ترامب في توضيح التهديد الإيراني للكونغرس، ما أدى إلى انتقادات واسعة ضد التصعيد الأمريكي مع تحذيرات لترامب بأنه لا يمكن الذهاب لحرب مع إيران دون موافقة “كابيتال هيل”.
جني فوائد من الأزمة
يستمع الكرملين إلى دق طبول الحرب بين الولايات المتحدة وإيران كأنه يصغي لموسيقى جميلة، على حد تعبير العديد من المحللين الأمريكيين، الذين استنتجوا أن روسيا تستعد لجني الفوائد من أزمة طهران وواشنطن، طالما أنها يمكن أن تحد من الأضرار.
وتستفيد موسكو، بالفعل، من استئناف العقوبات الأمريكية الصارمة ضد بيع النفط الإيراني بطريقة لا تقتصر على اكتساب الشركات الروسية لحصة إضافية في السوق، حيث يقلل زبائن مثل اليابان والهند وكوريا وإيطاليا من مشترياتهم من إيران، فقد ظهرت روسيا، أيضا، كمزود للطاقة أكثر موثوقية، ويمكن الاعتماد عليه للأسواق العالمية، ولا يرغب شركاء الولايات المتحدة الذين وافقوا على مضض على قبول القيود الأمريكية على إيران في فرض عقوبات على روسيا.
وقال محللون أمريكيون إن التكرار الأخير للقانون قد جاء بنتائج عكسية للعقوبات، فقد كان الغرب أكثر ميلا للموافقة على فرض عقوبات أكثر صرامة على روسيا بعد تدخلها عام 2014 في أوكرانيا، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الاتفاق النووي الإيراني وفر فرصا جديدة للحصول على النفط والغاز الطبيعي، والآن، مع وجود إيران في تقاطع العقوبات، وعلى الرغم من الزيادات في الإنتاج الأمريكي، فقد عادت روسيا إلى الظهور كمزود الملاذ الأخير.
ولوح المحللون إلى أن انهيار صادرات النفط الإيراني ستقتل عصفورين بحجر واحد: إذ سيسمح ذلك لموسكو بمواصلة شراكتها مع السعودية بإدارة أسواق النفط العالمية، ولكنه يسمح للمنتجين الروس، الذين يعملون تحت قرار تجميد الإنتاج الذي أمر به الرئيس فلاديمير بوتين شخصيا لزيادة المبيعات دون نسف التفاهم مع الدولة الخليجية.
الأمر سيستغرق غارتين
عبر مشرعون جمهوريون عن ثقة تامة في فوز الولايات المتحدة بالحرب مع إيران إلى حد قول السيناتور توم كوتن إن الأمر سيستغرق “غارتين” مؤكدا في حديث مع مارغريت هوفر في برنامج “فايرنغ لاين” أن الحرب ستكون ضربة أولى وضربة ثانية أخيرة.
وأكد أنه لن يدافع عن شن حرب مع إيران ولكنه حذر من أنه سيكون هناك “رد غاضب” على أي استفزاز ضد المصالح الأمريكية في المنطقة، وقال “أنا لا أدافع عن العمل العسكري ضد إيران، أنا ببساطة أوصل رسالة مفادها أنه إذا كانت إيران ستهاجم الولايات المتحدة، فسيكون ذلك خطأ كبيرا من جانبها، وسيكون هناك رد فعل غاضب”.
وأشار كوتن إلى مخاوف مماثلة لتلك التي رددها ترامب عند مناقشة التحركات التي يمكن لإيران اتخاذها لتخفيف التوترات، رغم أنه لم يكن متفائلاً، وقال إنه يريد أن يغير النظام الإيراني سلوكه و”ينضم إلى العالم المتحضر”.
ودعا أعضاء مجلس الشيوخ من كلا الحزبين في لجنة العلاقات الخارجية، الأربعاء، إلى تقديم إحاطة فورية حول سياسات وخطط إدارة ترامب في إيران بعد أن أعلنت وزارة الخارجية أنها ستسحب موظفيها الدبلوماسيين من العراق وسط توترات.
وقال السيناتور بوب مينيديز:”إن هناك سببين فقط لطلب رحيلهما، لديهم معلومات استخبارية موثوقة بأن شعبا في خطر، أو في الاستعداد للعمل العسكري في إيران” وأضاف مينيديز(ديمقراطي من نيوجرسي) في جلسة استماع حول اتفاقيات الحد من الأسلحة أن إدارة ترامب لم تقدم أي معلومات إلى هذه اللجنة حول المعلومات الاستخبارية وراء قراراتهم أو ما يعتزمون القيام به في العراق أو إيران، وقد ذكرت الإدارة مرارا بمسؤوليتها تجاه هذه اللجنة.
وطلب السيناتور الديمقراطي من رئيس اللجنة، جيم ريش (جمهوري من إيداهو) الإدارة بتزويد اللجنة فورا بمعلومات موجزة عن قرار الأمر بمغادرة موظفي السفارة، وما تعرفه الاستخبارات عن خطط إيران وأي خطط للذهاب إلى الحرب مع إيران.
وفي وقت لاحق خلال الجلسة، أيد السيناتور ميت رامني (جمهوري من ولاية يوتا) دعوة مينيديز، وقال: “أتفق مع عضو الكونغرس رفيع المستوى حول الحاجة إلى إحاطة سرية حول الأمور في العراق وآمل أن تتمكن اللجنة بأكملها، أو ربما الرئيس وعضو الترتيب، من الحصول على هذا النوع من الإحاطة”.
ورد ريش على رامني بأنه حصل على إحاطة وأنه يعمل على ترتيب جلسة لمجلس الشيوخ، وقال “هذه قضية بالغة الأهمية، ولا شك في ذلك”.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت، صباح الأربعاء، أنها تأمر برحيل أفراد من غير الطوارئ في السفارة الأمريكية في بغداد والقنصلية الأمريكية في أربيل.
مضيق هرمز
وطالب خبراء أمريكيون من إدارة الرئيس دونالد ترامب التحضير جيدا للرد على التهديد الذي تشكله قدرات إيران الإلكترونية المتنامية على الولايات المتحدة والحلفاء في المنطقة، وقالوا إن التوترات مع طهران وصلت إلى مرحلة حرجة مع نشر حاملة الطائرات “يو إس إس أبراهام لنكولن” ومجموعة من قاذفات بي 52 في الشرق الأوسط والتهديدات الإيرانية لإمدادات النفط في العالم.
وقال جميل جعفر، نائب رئيس الاستراتيجية والشراكات في “إيرون نيت سيكيورتي” ومؤسس معهد الأمن القومي في جامعة جورج ماسون، إن إيران تعرض مصالح الولايات للخطر، وأضاف أنه مع ممارسة الولايات المتحدة أقصى قدر من الضغط من خلال إنهاء الإعفاءات من العقوبات ووقف صادرات النفط الإيرانية، فليس من المستغرب ان تهدد إيران بدورها ما يقرب من ثلث إمدادات العالم من النفط التي يتم شحنها عبر المحيط، والتي تمر عبر مضيق هرمز.
وأوضح جعفر، الذي شارك سابقا في إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش، أن الولايات المتحدة يجب أن تكون مستعدة للتعامل مع اثنين من السيناريوهات المحتملة للغاية، وقال إنه بدلا من مهاجمة السفن التجارية في الخليج – التي تعرف إيران أنها ستؤدي إلى رد فعل سريع وحاد من الولايات المتحدة – من المرجح أن تعود إلى الحرب غير المتماثلة، باستخدام التكتيكات الإرهابية (بما في ذلك التخريب) والهجمات الإلكترونية.
وشدد محللون على القدرات الفائقة لإيران في مجال الإنترنت، وقالوا إن إيران ضربت الولايات المتحدة مرارا في العقد الماضي مع إفلات نسبي من العقاب، كما تمكنت من شن هجمات فيروسية مدمرة على صناعة النفط في السعودية في عام 2012 وعام 2018 واخترقت البنوك الأمريكية بين عامي 2012 و2013 وهاجمت شركة “لاس فيغاس ساندرز” في عام 2014 واستهدفت شركات أمريكية، وأضاف خبراء أن أنشطة إيران أصبحت أكثر عدوانية، مع استجابة قليلة من الولايات المتحدة.
واستغلت الولايات المتحدة هذه الأنشطة عبر فرض المزيد من العقوبات ضد الإيرانيين بسبب قيامهم باختراقات إلكترونية، ومع ذلك، لم تستسلم إيران ولا تزال هجماتها ناجحة نسبيا، وبالنظر إلى التوترات الحالية، وفقا لعدد من المحللين الأمريكيين، ستشن إيران حربا منخفضة المستوى ضد أمريكا وحلفائها مرة أخرى في الفضاء الإلكتروني، ومن المحتمل جدا أن تكون هذه الهجمات خطيرة.
ما هي الخيارات المتاحة للولايات المتحدة للرد على هذه الهجمات المحتملة؟ يجيب العديد من الخبراء على ذلك بالقول إن الحكومة الأمريكية يجب أن تساعد القطاع الخاص على تعزيز دفاعاته، وقالوا إنه لا يمكن يكون هناك أي عذر لحكومة الولايات المتحدة لعدم مشاركة ما تعرفه – وبشكل عملي – مع القطاع الخاص.
وطالب المحللون، أيضا، بالتعاون بشكل أكثر مع دول الخليج العربي وتوسيع نطاق تبادل التهديدات السيبرانية المحتملة والعمل مع هذه الدول على جمع معلومات حول أنشطة إيران، وقالوا إن الولايات المتحدة يمكن أن تساعد بشكل أفضل على حماية الحلفاء وتزويد الحكومة والصناعة بالانذار المبكر بالهجمات المحتملة.
وخلص المحللون إلى ضرورة البدء في التحرك لوقف التهديد الإيراني في الفضاء الإلكتروني، ولاحظوا أن الكونغرس زود مؤخرا ترامب ووزارة الدفاع بسلطة واضحة لاتخاذ إجراءات لتعطيل وهزيمة وردع حملات الهجوم السيبراني، الذي تقوم به روسيا وكوريا الشمالية وإيران.
القدس العربي