مع اقتراب موعد إعادة انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول (المقررة في 23 يونيو 2019)، يبدو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تائها، ويبحث عن طريق يمكّنه من إنقاذ سلطته مع تزامن أزمة السياسة الخارجية مع الأزمة الاقتصادية الداخلية.
وكشفت أوساط سياسية تركية مطلعة أن أردوغان بات يفكر في إزاحة صهره بيرات البيرق من حقيبة الاقتصاد بعد أن فشل في تقديم أي حلول بمواجهة الأزمة الخانقة للاقتصاد التركي، وعلى رأسها أزمة تهاوي الليرة.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن أردوغان تلقى تحذيرات جدية من أوساط رجال الأعمال والمال بضرورة التسريع باختيار شخصية ذات خبرة وعلاقات داخلية وخارجية قوية على رأس وزارة الاقتصاد وإعطائها الصلاحيات الكاملة لإجراء إصلاحات عاجلة لوقف التدهور الاقتصادي، وأن الرئيس التركي وعد هذه الأوساط بتغيير البيرق بشخصية توافقية تحوز على ثقة المعارضة وخاصة ثقة الأوساط الاقتصادية.
وتفيد التسريبات التي تلت انتخابات 31 مارس، والتي انتهت بخسارة أردوغان لستّ مدن كبيرة بما في ذلك إسطنبول في الوقت الذي يشعر فيه بلهيب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، بأن أردوغان أرسل وسيطا إلى المعارضة الرئيسية في مهمة سرية، عارضا تقديم منصب وزير الاقتصاد إلى شخصية بارزة في الشؤون المالية.
وقالت إن هذا الشخص هو أرسين أوزنس، وهو رئيس مجلس الإدارة السابق لإيش بنك (أو بنك العمل في تركيا) الذي أسسه كمال أتاتورك وهو الآن من أقوى البنوك التركية.
ويصنف أوزنس ضمن الشخصيات العلمانية القوية، ويؤيّد حزب الشعب الجمهوري. كما يتمتع بسمعة إيجابية قوية على الساحة الدولية.
ويبقي أردوغان في الظاهر على خطاباته القاسية ذات النبرة التهديدية، لكنه يحاول التلاعب من خلال عدد من التكتيكات التي يأمل في أن تمكّن حزبه من حصد ما يكفي من الأصوات لتحالفاته ليحافظ على قبضته على السلطة.
وتوسعت دائرة المعارضين لسلطة أردوغان وخياراته وقراراته ووصلت إلى قطاعات حساسة بينها رجال الأعمال.
ويظهر الخلاف الأخير مع تونكاي أوزيلهان، رئيس المجلس الاستشاري لجمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك (توسياد)، وهي أكبر هيئة تجمع رجال الأعمال في تركيا، مدى الضغوط التي يواجهها أردوغان.
وأدلى أوزيلهان هذا الأسبوع بتصريحات ينظر إليها على أنها انتقاد لاقتصاد تركيا وهيكل حكمها. وقال رئيس مجموعة الأناضول البالغ من العمر 71 عاما “إما أن تلتزم تركيا بالمبادئ العالمية للديمقراطية وإما أن تصبح شيئا آخر”.
وأشار أوزيلهان إلى الوضع الاقتصادي الأخير في تركيا قائلا “احتياطياتنا تتبخّر، والقدرة الشرائية للسكان تتقلّص. يتخلى المواطنون الأتراك عن الليرة. وتسفك دماء أبناء الدولة في حروب التنافس العالمي”.
ومضى في تقديم أرقام تظهر وضع سوق العمل المتدهور في تركيا. وأكّد مساهمة غياب السلطة القضائية المستقلة وحرية الصحافة في تعثّر الاقتصاد التركي.
وفي ردّ قاس، أجاب أردوغان قائلا “أعرف كيف كنت قبل 17 عاما، وأعرف أحوالك اليوم. ويمكنني كشف ذلك إذا لزم الأمر. أعرف كيف أحاسب أولئك الذين يضربون تركيا من الداخل”.
اعتبر “المطلعون” أن هذه المواجهات منتظرة.
ولا يخفي الخطاب الاستعلائي الذي يقابل به الرئيس التركي أي نقد يوجّه له في الداخل أو في الخارج، أنه بات بلا أصدقاء، وأنه وتّر علاقاته بشكل لا يسمح له بأن يجد مساعدة من أي جهة دولية لمساعدة الاقتصاد التركي على التعافي، فعلاقاته متوتّرة مع أوروبا والولايات المتحدة، ومع الصناديق المالية الدولية.
ويحتاج الرئيس التركي إلى مساعدة حزب الشعب الجمهوري لإقامة علاقات موثوقة مع صندوق النقد الدولي. ويقال إن الحزب أبدى استعداده لفتح قنوات تواصل فعال لأردوغان مع الصندوق الدولي شرط أن تعود تركيا إلى النظام البرلماني والتصويت بالثقة وحكم القانون.
تبددت الاتصالات بسرعة بعد هذا الشرط، وبقي أردوغان أمام خيار واحد يجبره على الاستمرار في التحالف مع حزب الحركة القومية، وهو تحالف لم يعد قادرا على الاستمرار طويلا خاصة بعد نتائج الانتخابات المحلية.
ويعتقد متابعون للشأن التركي أن أردوغان ليست أمامه بدائل تنقذه من الأزمة الخانقة التي تستمر في تجريده من شعبيته في الشارع التركي، الذي استفاق على أن الأزمة الخانقة في تركيا سببها الرئيسي أردوغان والطبقة المحيطة به، وهي طبقة فاقدة للخبرة وتحتكم للمحسوبية في توزيع المنافع والمزايا، وهو ما عكسه التصويت العقابي ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم في كبريات المدن التركية.
ويرى هؤلاء أن الرئيس التركي عمل على التخلص من الكفاءات وتكوين طاقم محيط به على قاعدة الولاء الشخصي، وصعد صهره البيرق ونجله بلال إلى الواجهة على حساب شخصيات أخرى ذات ثقل وتجربة داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم، مثل الرئيس السابق عبدالله غول، ووزير الخارجية أحمد داود أوغلو.
ويتعرض البيرق لانتقادات شديدة وواسعة لوجوده في وزارة حساسة وافتقاره للخبرات الضرورية، فضلا عن ظهوره المستمر والمثير للسخرية في الشارع بسبب تكرار الوعود بإصلاحات عاجلة لاقتصاد تركي متدهور.
ويتندّر نشطاء أتراك على مواقع التواصل الاجتماعي بإطلالات البيرق على الإعلام ويقولون إن الليرة تهوي في كل مرة يفتح فيها البيرق فمه ليتحدث عن “حلول للأزمة”.
العرب