مع احتدام الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تتخوف روسيا، كونها أحد أكبر ثلاثة منتجين للنفط في العالم، من تأثرها بتراجع وتيرة نمو الاقتصاد العالمي الذي قد يؤدي بدوره إلى انخفاض الطلب على الخام وأسعاره، مما سيؤثر سلباً على إيرادات الدولة الروسية.
وبحسب توقعات وزارة التنمية الاقتصادية الروسية الصادرة في نهاية أغسطس/آب الماضي، فإن معدلات نمو الناتج العالمي قد تتراجع إلى دون 3 في المائة في العام المقبل، فيما يعد أدنى مستوى له منذ عشر سنوات.
ولن يسلم الاقتصاد الروسي من هذه الأزمة العالمية، إذ توقعت الوزارة أن يبلغ نموه 1.7 في المائة في عام 2020 بدلاً من 2 في المائة وفق التوقعات السابقة، وذلك بالتزامن مع تراجع قيمة الروبل الروسي وانعدام نمو الدخول الحقيقية للأفراد.
تأثير الاقتصاد الأميركي
يتوقع نائب مدير مجموعة تحليل الاقتصاد الكلي بوكالة “أكرا” الروسية للتحليل والتصنيف الائتماني، دميتري كوليكوف، أن يتأثر الاقتصاد الروسي سلباً بتراجع النمو في الولايات المتحدة وما يترتب عليه من انخفاض الطلب على الصادرات النفطية الروسية.
ويقول كوليكوف في حديث لـ”العربي الجديد”: “حسب توقعاتنا، إن وتيرة نمو الاقتصاد الأميركي في عام 2019 قد تتراجع بمقدار الضعف مقارنة بعام 2018، وحتى قد تكون سلبية في عام 2020، مما سيزيد من سوء الوضع في العالم أجمع، بما فيه روسيا”.
وحول أسباب التوقعات السلبية لأداء الاقتصاد الأميركي، يضيف: “خلال آخر نصف عام، أصبحت كلفة الفائدة على الاقتراض قصير الأجل بالنسبة إلى الدولة والشركات، أعلى من إصدار سندات طويلة الأجل. هذا مؤشر هام للغاية تجلى بضع مرات خلال الـ50 أو الـ 60 عاماً الأخيرة، وكان ينذر بالتراجع الاقتصادي في أغلبية الحالات بعد مرور ما بين تسعة أشهر و20 شهراً. يعني ذلك أن 2020 هو عام ذو توقعات سلبية”.
ومع ذلك، يؤكد كوليكوف أن تحقق هذه المخاطر ليس أمراً حتمياً، قائلاً في هذا السياق: “يتعذر التنبؤ ببدء الأزمة ونطاقها، ولكن أي غموض يؤثر سلباً على الاقتصاد، إذ تؤجل الشركات مشاريعها الكبرى من أجل تكوين احتياطات مالية. ولما كان الاقتصاد الأميركي كبيراً جداً، فهذا يؤدي إلى تراجع الطلب بالأسواق العالمية ويتسبب في مشكلات للبلدان كروسيا المصدرة للمواد الخام والبضائع”.
وفي ما يتعلق بتأثير الحروب الاقتصادية على حركة التجارة العالمية وروسيا، يتابع: “في حال احتدامها، ستزيد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين من الأمزجة الحمائية في أنحاء أخرى من العالم وستؤثر سلباً على التجارة العالمية بأسرها. معدلات نمو الاقتصاد الروسي ضئيلة وأي صدمة خارجية تؤدي إلى تراجعه وانخفاض الموارد المتوافرة بين أيدي الدولة لتحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة دخول الأفراد”.
مؤشرات إيجابية
على الرغم من المخاوف من تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، إلا أن كافة مؤشرات الاقتصاد الروسي تؤكد استقراره، لا سيما في ظل ارتفاع الاحتياطات الدولية الروسية للنقد الأجنبي إلى 530 مليار دولار.
ووسط توقعاته ببقاء معدل التضخم عند مستوى 4 في المائة فقط هذا العام، خفض المصرف المركزي الروسي يوم الجمعة الماضي، سعر الفائدة الأساسية للمرة الثالثة على التوالي، لتبلغ 7 في المائة مثلما كانت قبل بدء الأزمات العاصفة بالاقتصاد الروسي في عام 2014 نتيجة لمواجهته صدمتي تدني أسعار النفط والعقوبات الغربية بسبب الوضع في أوكرانيا.
ومع ذلك، حذر البنك المركزي الروسي من أن معدلات نمو اقتصاد بلاده لا تزال دون التوقعات في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي وضعف ديناميكية النشاط الاستثماري واحتمال انخفاض الإنتاج الصناعي وتراجع وتيرة زيادة تجارة التجزئة في ظروف ركود دخول السكان.
كما خفض البنك المركزي توقعاته لنمو الاقتصاد الروسي في العام الحالي من ما بين 1 و1.5 في المائة إلى 0.8 و1.3 في المائة، رابطا تسارع النمو إلى 2 و3 في المائة بحلول عام 2022 بتحقيق مجموعة من الإجراءات الحكومية لتجاوز القيود الهيكلية وإنجاز مشاريع قومية.
ويلخص كوليكوف طبيعة الوضع الراهن للاقتصاد الروسي، قائلاً: “مقارنة بالعديد من الدول، فإن الاقتصاد الروسي صامد جداً اليوم في ظل صلابة تدني الدين العام وفائض الموازنة وارتفاع كبير جداً لاحتياطات الذهب والعملات الصعبة”.
ومن بين نقاط ضعف اقتصاد روسيا يذكر الخبير الاقتصادي الروسي اعتماد التصدير على موارد الطاقة، وتدني حصة الاستثمار وإطلاق مشاريع جديدة، والتوتر السياسي في العلاقات مع الغرب الذي يقيد حركة التجارة مع الدول الأخرى.
ومن مؤشرات إطالة أمد القيود الغربية على موسكو، اتفق مندوبو دول الاتحاد الروسي في بروكسل في وقت سابق من سبتمبر/أيلول الحالي، على تمديد العقوبات على الشخصيات الطبيعية والاعتبارية الروسية المتهمة بـ”نسف سيادة أوكرانيا”، وذلك لمدة ستة أشهر أخرى.
كما يضغط الكونغرس الأميركي على سيد البيت الأبيض، دونالد ترامب، من أجل فرض عقوبات جديدة على روسيا، على خلفية حملة اعتقالات واسعة تخللت الاحتجاجات المطالبة بالسماح لمرشحي المعارضة “غير النظامية” بخوض سباق انتخابات مجلس دوما (النواب) موسكو التي أُجريت يوم الأحد.
العربي الجديد