على مدى الأسبوعين الماضيين، شهدت منطقة الشرق الأوسط تصعيدا بين حزب الله وإسرائيل تابعه كثيرون بقلق خشية أن يتحول الأمر إلى حرب، فيما استبعد آخرون ذلك واعتبروا أن الأمر مجرد تنفيس من الجانبين.
تعددت الأسباب التي أفردها أنصار هذا الطرح بين الانتخابات الإسرائيلية، التي تجعل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يتأنى في رده ويخشى الدخول في حرب الآن، وخشية حزب الله، الذي يعتبر جزءا من حكومة وحدة وطنية هشة، من أن يُنظر إليه على أنه جر البلاد إلى حرب مدمرة أخرى مع إسرائيل.
وفي الحديث عن أسباب حزب الله، وما يدعوه إلى الاكتفاء بردود فعل لا تتجاوز حفظ ماء الوجه، كإسقاط طائرة دون طيار وترديد الخطابات الحماسية المهددة، يطرح مركز بجين-السادات للأبحاث والدراسات، سببا آخر لتقييد حزب الله لحدّة رده ينبش في عمق الحزب.
يتحدث المركز عن أزمة ديمغرافية تضرب حزب الله. يلفت معد الدراسة هلال فريسش النظر إلى الأرقام التي تتحدث عن تراجع مستوى الولادات في المجتمع الشيعي بشكل عام، ويركز أساسا على لبنان وإيران باعتبارهما القاعدة الجماهرية التي يخاطبها حزب الله.
تعتبر العلاقات التي تجمع الحزب مع جل الطوائف المسيحية والدرزية متوترة بنفس القدر، على الرغم من نجاح حزب الله في التحالف مع الرئيس الماروني ميشال عون ومؤيديه
ويقول فريسش “لا يعتبر المجتمع الشيعي صغيرا فحسب (بين مليون و1.5 مليون شخص)، لكنه يعاني من انخفاض سريع في معدلات الولادات مثل إيران، وهي الدولة الكبيرة الوحيدة ذات الأغلبية الشيعية”.
وانخفض معدل المواليد بين الشيعة من خمسة وستة أطفال لكل امرأة في سن الإنجاب في الثمانينات إلى أقل من 2.05، وهو المعدل اللازم للحفاظ على نسبة السكان الحاليين بعد مرور خمس وعشرين سنة.
بطبيعة الحال، يحمل ذلك العديد من المخلفات. ويشرح فريسش ذلك من خلال فكرة التجنيد، مشيرا إلى أن الأسر ستصبح مترددة في التضحية بابنها الوحيد في مجتمع أصبح فيه عدد الأطفال لا يتجاوز 2 أكثرها أهمية بالنسبة لحزب الله.
وكان لمشاركة حزب الله في الحرب الدائرة في سوريا ومقتل عدد كبير من المجندين الشباب أثر كبير في نفوس العائلات في لبنان، خاصة وأن حمل التكفل بمصاريف عائلات هؤلاء المجندين أصبح يثقل كاهل الحزب.
ويقول فريسش إن حزب الله ضحى بالشيعة لـ37 عاما، وتوقف لفترة قصيرة دامت خمس سنوات وامتدت بين حرب لبنان سنة 2006 (حرب تموز) واندلاع الحرب الأهلية السورية سنة 2011. ويضيف أن الدائرة الضيقة لحزب الله والمقتصرة على الشيعة تضيق عليه الخناق وتجعل من الأزمة الديمغرافية مأزقا.
ولطالما كان حزب الله على خلاف، يصل أحيانا إلى درجة العنف، مع الجالية السنية في لبنان وخاصة في مدينة طرابلس، حيث ساند حزب الله الأقلية العلوية الصغيرة المدعومة من سوريا ضد الأغلبية السنية بناء على طلب من النظام السوري منذ سنة 1984.
واتسعت الفوهة التي تفصل بين حزب الله والسنة مع قمع المنظمات الأصولية والحركات السياسية السنية. وتوج هذا الصراع باغتيال رئيس الوزراء السني رفيق الحريري سنة 2005.
وتعتبر العلاقات التي تجمع الحزب مع جل الطوائف المسيحية والدرزية متوترة بنفس القدر، على الرغم من نجاح حزب الله في التحالف مع الرئيس الماروني ميشال عون ومؤيديه. يعني كل ذلك اقتصار خطط التجنيد التي يعتمدها حزب الله على جذب المجتمع الشيعي في لبنان.
في المقابل، تبدو إسرائيل أفضل في هذا الجانب، ففي كل سنة، يحدد جيش الدفاع الإسرائيلي المدارس الثانوية التي سجّلت أعلى نسب من الخريجين الذكور الذين يمكن أن يتطوعوا في الجيش. ويتمثّل القاسم المشترك بين المجندين في أن هؤلاء ينتمون إلى أسر كبيرة. وعادة ما تكون المدارس دينية.
أما بالنسبة لحزب الله فتصعب مواصلة الاستراتيجيات القائمة على التضحية. وأصبح يتعين على إيران العمل لإقناع الشيعة من غير الإيرانيين بخوض معاركها بعد خسارة مئات الآلاف من أبنائها في حربها الطويلة مع العراق التي اندلعت منذ أكثر من ثلاثين عاما. ويشبه هذا ما شهده الإسرائيليون في 1973.
ويواجه حزب الله مشكلة مماثلة، ولا يستطيع مواجهتها بسهولة حيث يعتبر انخفاض عدد المواليد من نتائج التحضر. اليوم، يعيش معظم الشيعة اللبنانيين في المباني السكنية متعددة الطوابق في الضاحية الجنوبية، ولم يعودوا متمركزين في القرى والبلدات الصغيرة التي خرجوا منها في الانتخابات للتصويت لحزب الله.
في المدينة، لم يعد الأطفال يساعدون في مزارع عائلاتهم، وأصبحوا مستهلكين مما قلص نسبة المنتجين. يريد آباؤهم أن يكونوا متعلمين، ويفضلون رؤيتهم في كندا أو أستراليا بدلا من إرسالهم لخوض حروب إيران في سوريا والعراق واليمن.
كما يعلم الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أن خزان المجندين المتراجع أصبح مطلوبا أكثر في الجبهة الداخلية. ويخلص فريسش إلى القول إن حزب الله دفع دماء مقاتليه ثمنا لدعم النظام السوري. وأصبح يواجه مستقبلا أكثر غموضا في لبنان نفسه نتيجة لتحركاته في الحرب الأهلية السورية. وفي مثل هذه الظروف، يعدّ التحفظ وضبط النفس استجابة معقولة.
العرب