تحت عناوين ومصطلحات مختلفة مثل “صبيان السفارة” و”فريق العملاء”، تتم حملات ترهيب الناشطين والصحافيين في العراق، بشكل متصاعد منذ انطلاق موجة التظاهرات في بغداد وجنوب ووسط البلاد، عبر جيوش إلكترونية دشنت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لهذه الغاية، وبإمكانيات عالية من خلال إعداد مقاطع الفيديو وصور تتناول ناشطين وصحافيين على أنهم عملاء مرةً للاحتلال الإسرائيلي وأخرى للولايات المتحدة “يخططون لتخريب العراق وتهديد أمنه وتارة تتهمهم بنشر العلمانية والإلحاد”، بالتزامن مع تهديدات لعدد كبير منهم وصلتهم على شكل رسائل هاتفية أو شفوية مباشرة من اشخاص مجهولين اقتحموا مقرات عملهم في بغداد، في الوقت الذي سُجلت فيه مغادرة العشرات إلى أربيل بينهم صحافيون وكتاب ومدونون خوفاً على حياتهم جراء حملة التحريض تلك.
وقال مسؤول عراقي رفيع في وزارة الداخلية، لـ”العربي الجديد”، إنّ “أكثر من 100 ناشط وصحافي ومدون وشخصية اجتماعية فاعلة تلقّت تهديدات واتهامات مظللة”، مبيناً أنّ “المعلومات الأولية التي تتشارك بها وزارة الداخلية مع جهاز المخابرات، تشير إلى وقوف جيوش إلكترونية تتبع فصائل مسلّحة قريبة من إيران أبرزها كتائب “حزب الله” و”النجباء” و”سيد الشهداء” وراء حملة التحريض على الناشطين المدنيين التي وصلت الى حد التهديد بالقتل وهناك من يديرها من خارج العراق بدليل أنها استمرت بالنشر والترويج حتى مع انقطاع الإنترنت عن العراق في الفترة الماضية”. وتابع “القصد من ترويج مصطلح “صبيان السفارة”، أو “فريق العملاء” وتكوين وفبركة قصص وهمية هو لوصمهم ضمن خانة العمالة أو التآمر وبالتالي إسقاطهم مجتمعياً وإخراجهم عن دائرة التأثير الاجتماعي في العراق خصوصاً أنّ لهم عشرات آلاف المتابعين وهم من المؤثرين في محيطهم”، وفقاً لقوله.
ويتابع “وفقاً لمعلومات وتفاصيل حصلت عليها أجهزتنا المختصة، فتلك الصفحات غير بعيدة عن الحظيرة الإيرانية”، في إشارةٍ إلى الأحزاب والفصائل المسلحة التي تتبنى الأجندة الإيرانية بالعراق، مؤكداً إغلاق عدد منها كونها تهدد أمن الناشطين المستهدفين “لكن سرعان ما يعاودون لإنشاء أخرى جديدة بنفس المحتوى الذي يشترك في جميع تلك الصفحات بكونه لا صحة له على الإطلاق”. واعتبر أنّ “الدافع هو استهداف المؤثرين بين الشباب من الداعين للدولة اللادينية في العراق”، حسبما قال.
وذكّر المصدر بحملة مماثلة استهدفت قائدا عسكريا عراقيا هو اللواء الركن محمود الفلاحي، قائد الجيش العراقي في الأنبار الذي تم تلفيق تهم التخابر مع الموساد الإسرائيلي والسي آي أي له بعد رفضه التعاون مع مليشيات مرتبطة بإيران تنتشر غربي الأنبار، وانتهى الحال به إلى إقالته من منصبه ثم تواريه عن الأنظار، إضافةً إلى حملة مماثلة على النائب المدني فائق الشيخ علي.
من جانبه، وصف الصحافي والكاتب العراقي مشرق عباس، وهو أحد أبرز الأقلام المؤثرة في الساحة الداخلية العراقية، الاتهامات التي تساق من قبل تلك الجيوش بأنها “غير معقولة ولا منطقية”، مبيناً في حديث مع “العربي الجديد” أنّ “طبيعة اللغة المستخدمة من قبل تلك الجهات تبين أنها ليست عراقية، وفي الغالب هذا العمل (الصفحات ومقاطع الفيديو) أنتج في لبنان وفيها جزء كبيرة من عملية الشيطنة لبعض الناشطين والمدونين، بنفس الطريقة التي كانت تستخدم في لبنان سابقاً تحت مسمى (شيعة السفارة)، ولهذا ابتكروا نموذجا جديدا لمحاولة خلط الأوراق”. وأضاف عباس أنّ “هذه الصفحات منحت لنا صفات نحن لا نستحقها، بأننا من قدنا التظاهرات في العراق، فهذه ميزة، لن نكون جزءا منها، لكن بحسب عملنا الإعلامي فنحن قدمنا الحقائق فقط”.
أما الناشط والمدون العراقي علي وجيه، فقال في اتصال مع “العربي الجديد”، إنّ “قضية “صبيان السفارة” (السفارة الأميركية أو البريطانية) أو “عملاء السفارة”، هو تقليد لنسق لبناني، وتم تكراره في العراق، وهو يشير إلى الأشخاص الذين يرفضون التدخلات الخارجية جميعها داخل العراق، ومن بينها التدخلات الإيرانية”.
وبيّن وجيه أنّ “الشخصيات هذه تم التحريض عليها بطريقة سيئة وبنذالة فائقة، خصوصاً في بلد فيه من الانفلات الأمني الشيء الكبير، والأغرب أن الاشخاص يقفون بالضد من التدخل الخارجي، سواء كان أميركياً او ايرانياً او سعودياً، او اي بلد اخر، بل هم يؤمنون بان العراق يجب ان يمتلك علاقات متوازنة مع كل المنطقة والعالم”. وأضاف “هناك حروب تستدعي خلق عدو، حتى وإن كان العدو ليس مركزياً أو فعلياً، وهذه المنصات تتعامل مع من ينتقد أفكارها ويفندها بالشيطنة، وتهمة العمالة المستمرة منذ 70 عاماً على الأقل، وكل شخص يتحدث بشكل مخالف لما يريدون يطلقون عليه (العميل)”، موضحاً “لكن المفارقة أننا اتهمنا بالعمالة من قبل إعلاميين يتبعون بلداناً أخرى عقائدياً ومالياً وعسكرياً وإعلامياً”.
وأكد الباحث بالشأن السياسي العراقي أحمد الموسوي أنّ “الدولة تتخذ موقف المتفرج على مثل هذا التهديد العلني الذي يستهدف ناشطين ومدونين وصحافيين وقد يكون السبب الوحيد أنها فعلاً تريد أن تتخلص من كل من ينتقدها أو يشخص كوارثها”. وأضاف لـ”العربي الجديد” أنه “للأسف مجموعة شبان وطنيين ليس لهم إلا أقلامهم وأغلبهم لم يغادر العراق يتهمون بصفات قد يكون المتهم هو أقرب من المتهم إليها خاصة فيما يتعلق بالولاء أو العمالة للخارج فهم لم يأتوا على ظهر الدبابة الأميركية ولا تحت حراسة الحرس الثوري الإيراني كما في غالبية القوى السياسية في العراق اليوم”.
العربي الجديد