مثل الهجوم الذي تعرض له منزل الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي يرعى كتلة “سائرون” البرلمانية، بسبب أَمْرِه بحماية المتظاهرين، فصلا جديدا من فصول الانشقاق والتصدع الذي أصاب الطبقة السياسية الشيعية في العراق، حيث هدد فصيل “سرايا السلام” المنضوي تحت الحشد الشعبي كل من تورط في استهداف منزل الصدر، واصفا ما حدث بـ”الخطر بعينه”.
بغداد – يبرز استهداف منزل الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في مدينة النجف العراقية حجم التصدع الذي يضرب البيت السياسي الشيعي في العراق.
وقال صالح محمد العراقي، المعروف بقربه الشديد من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إن مقر إقامة الأخير في منطقة الحنانة بمدينة النجف، تعرض لهجوم نفذته طائرة مسيرة، وذلك على خلفية منع مسلحين ينتمون إلى ميليشيات موالية لإيران من تصفية المتظاهرين في ساحة الخلاني المجاورة لساحة التحرير وسط بغداد في وقت متأخر من مساء الجمعة.
وأكد العراقي أن طائرة مسيرة هاجمت مقر إقامة الصدر فجر السبت “ردا على الأوامر التي صدرت من سماحته (للقبعات الزرق) بحماية الثوار ليلة البارحة في بغداد والنجف سابقا”.
من جهته، هدد فصيل سرايا السلام الموالي لمقتدى الصدر برد “غير متوقع”، ضد من يثبت تورطه في استهداف مكان إقامة الصدر بمدينة النجف.
وقال فصيل سرايا السلام، في بيان السبت، إن استهداف مقر إقامة الصدر “سابقةٌ خطيرة جدا لا تُنذر بخطر، بل هي الخطر بعينه”. وأضاف الفصيل، الذي يندرج ضمن الحشد الشعبي، أن هذا الهجوم يأتي على خلفية مساع لإجراء إصلاحات في البلد، ومحاولة وقف أعمال العنف ضد المتظاهرين.
وأشار إلى وجود تحقيقات جارية بشأن الحدث، وسيكون لها “رد لا يتوقعه أحد” حال ثبوت تورط أي جهة مهما كانت.
والقبعات الزرق هو مصطلح يطلقه الصدر على أنصاره المنتشرين مع المتظاهرين في بغداد وعدد من المحافظات.
محاولة ميليشيات إيران السيطرة على ساحات التظاهر في هذا التوقيت بالذات ترتبط بملف اختيار رئيس وزراء جديد
وقال شهود عيان إن أنصار الصدر تصدوا الجمعة لهجوم واسع نفذته كتائب حزب الله، أحد فصائل الحشد الشعبي العراقي، على ساحة الخلاني التي يتجمع فيها المتظاهرون منذ مطلع أكتوبر الماضي، فيما ذكرت تقارير أمنية أن العناصر الميليشياوية التي نفذت الهجوم استعانت بأسلحة متوسطة وقاذفات الصواريخ، ما تسبب في سقوط سبعة قتلى بين صفوف المتظاهرين، بينهم ثلاثة من أنصار الصدر.
ومنع الصدر أتباعه من استخدام السلاح للرد على الهجوم، داعيا إياهم إلى مواجهة المهاجمين بصدور عارية.
وأكد متظاهرون أن أتباع الصدر شكلوا حاجزا بشريا لمنع المهاجمين من تجاوز ساحة الخلاني إلى ساحة التحرير، حيث يقع تجمع المتظاهرين الرئيسي في العاصمة العراقية.
ونال أصحاب القبعات الزرق تعاطفا شعبيا لمساهمتهم في حماية المتظاهرين، فيما تم تشييع أحد أنصار الصدر في ساحة التحرير فجر السبت.
واستخدم صالح العراقي، خلال حديثه عن هجوم الطائرة المسيرة في النجف، وسم “الشعب والقائد في خطر”، في إشارة إلى استمرار توتر الأوضاع.
وتحاول ميليشيات عراقية موالية لإيران اختراق التظاهرات في ساحة التحرير منذ الأسبوع الماضي، باستخدام أساليب مختلفة، بينها الزج بمتظاهرين حزبيين للاعتداء على المحتجين المعتصمين.
وسبب هجوم الجمعة حالة من الهلع في بغداد، فيما قال المتحدث العسكري باسم رئيس الوزراء العراقي عبدالكريم خلف إن المتظاهرين اقتتلوا في ما بينهم في ساحة الخلاني بزجاجات المولوتوف، ما تسبب في اندلاع حرائق، وهي تعليقات أثارت السخرية في أوساط المتظاهرين.
وكشفت أحداث الجمعة عجزَ المؤسسة العسكرية عن مواجهة ميليشيات منفلتة تتحرك بسلاحها على مرأى ومسمع من الجميع وسط العاصمة العراقية، دون أن تتعرض إلى أدنى سؤال.
وتقول مصادر سياسية مطلعة في بغداد إن محاولة الميليشيات الإيرانية السيطرة على ساحات التظاهر في بغداد، في هذا التوقيت بالذات، ترتبط بملف اختيار رئيس وزراء جديد، خلفا للمستقيل عادل عبدالمهدي، في ظل رفض المحتجين أن يكون البديل هو أركان الطبقة السياسية الحاكمة.
وكتب مدونون عراقيون بارزون أن حلفاء إيران يحاولون صناعة موقع احتجاج مواز لساحة التحرير، للتشويش على أصوات متظاهري أكتوبر، الذين يطالبون بتغيير النظام الخاضع للهيمنة الإيرانية، بالتزامن مع حراك لتكليف شخصية ما بتشكيل الحكومة الجديدة.
ولم تقترب خيارات الطبقة السياسية في هذا الإطار من ملامسة مطالب المحتجين، إذ رشحت شخصيات مستهلكة لترؤس الحكومة الجديدة، بينها وزير النفط الأسبق إبراهيم بحر العلوم ووزير الرياضة السابق عبدالحسين عبطان، ما يكرس مفهوم القطيعة بين الشارع والسلطات الحاكمة.
وتقول مصادر مطلعة في بغداد إن استقالة حكومة عبدالمهدي ما زالت أمرا شكليا، إذ أن رئيس الوزراء يتحكم حتى الآن في القوات المسلحة والخزينة العامة، ما يمكنه من الاستمرار في مشروعه الذي يرتكز على تفكيك حركة الاحتجاج.
وتضيف المصادر أن التعاطف الدولي الكبير مع الاحتجاجات، وضع الطبقة السياسية في زاوية حرجة، وعزز فرص خروج منصب رئيس الوزراء من تحت سيطرتها، ما يفسر السلوك العنيف الذي بدأت ميليشيات إيران في تطبيقه مباشرة، بعد أن كانت تديره من خلف الكواليس، خلال الشهرين الماضيين.
العرب