الفوضى الإيرانية في العراق لا تحصن واشنطن من غضب المحتجين

الفوضى الإيرانية في العراق لا تحصن واشنطن من غضب المحتجين

لندن – تنزل إيران بثقلها في عملية اختيار رئيس وزراء جديد في العراق، حيث تتكثف المشاورات السياسية برعاية طهران التي يتهمها الشارع بأنها عرّابة النظام القائم المتهم بالفساد والمحسوبية، ويشدد على مواصلة احتجاجاته حتى اقتلاعه من جذوره.

ويحذر المراقبون من أن إيران تضرب بعرض الحائط موقف الشارع، لافتين إلى أنها هذه المرة تنفرد في اختيار خليفة عادل عبدالمهدي الذي استقال بعد عام واحد من تسلمه منصبه. ويقول المراقبون إن قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني يشعر بأنه مطلق اليد في اختيار الرئيس الجديد.

ولا يعدّ هذا الجدل الدائر حول تعيين رئيس وزراء للحكومة العراقية أمرا جديدا، وإن أكسبته الاحتجاجات طابعا خاصا هذه المرة. وتروي مجلة نيويوركر الأميركية في تقرير لها (صدر عام 2014) جزءا من فصول أسرار اختيار الحاكم في العراق حيث كشفت المداولات بين السفير الأميركي في بغداد، زلماي خليل زادة، والرئيس جورج دبليو بوش عن صعوبة اختيار بديل لإبراهيم الجعفري عام 2006 والذي حصلت في عهده الحرب الطائفية.

وينقل التقرير عن خليل زادة حيرته التي عبر عنها بقوله “هل يصعب اختيار رئيس للحكومة في بلد تعداده ثلاثون مليون نسمة، ولا يوجد غير سوى رجل ليس باستطاعته اتخاذ قرار وطني (الجعفري) وآخر من أب إيراني (علي الأديب)، أليس هناك شخص آخر؟”. كان السفير الأميركي ينطق بهذه الكلمات أمام ضابط الارتباط في وكالة الاستخبارات الأميركية، الذي رد عليه بالقول “لدي مرشح لك” اسمه نوري المالكي.

بعد مقابلة نوري المالكي لخليل زادة في مقر السفارة الأميركية ببغداد أصبح رئيسا للوزراء. لكن القصة عام 2010 مختلفة حيث كان النفوذ الإيراني هو الأقوى وتم إفشال وصول إياد علاوي إلى السلطة بعد فوزه في الانتخابات واختراع قصة “الكتلة الأكبر” وتمت صفقة استلام نوري المالكي لولاية ثانية بعد استدعاء النظام الإيراني للكتل السياسية العراقية إلى مدينة قم في عطلة عيد الأضحى، وحضروا مأدبة أقامها لهم قائد فيلق القدس قاسم سليماني. أقنع سليماني زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بتقديم الدعم للمالكي مقابل منح كتلته البرلمانية عددا من الوزارات.

ويقول تقرير مجلة نيويوركر إن البيت الأبيض كان على علم باتفاق سليماني حيث حصلت أجهزة المخابرات الأميركية على نص الاتفاق، لكن واشنطن فضلت عدم التدخل أو الاحتجاج على تدخل طهران ثم أعطت موافقتها على تشكيلة الحكومة العراقية بعد شهر من اجتماع قم.

تشير هذه الوقائع إلى صفحة من صفحات تعيين رئيس الوزراء في العراق وتعيد للذاكرة الاتفاق بين واشنطن وطهران على ذلك، قبل أن تتبدل المعادلات، بعد عام 2014، ويصبح النفوذ الإيراني هو المهيمن.

اليوم تغيرت المعادلة مرة أخرى، ولم تعد في صالح الإيرانيين ولا في صالح الأميركيين، حيث يضع العراقيون واشنطن وطهران على الهامش. وقد اعترف بذلك بريت ماكغيرك، المبعوث الأميركي السابق إلى التحالف الدولي ضد داعش، حين قال “تبدو واشنطن على الهامش تماما في حركة الاحتجاج التي يشهدها العراق حاليا، وهذا فيه مخاطرة فالتيار القومي في العراق -يقصد التيار الوطني في التعبير السياسي العربي- مع أنه ضد إيران إلا أنه ليس مع الولايات المتحدة”.

اليوم في ظل الاضطراب السياسي والفوضى الأمنية في العراق يجد المسؤولون الأميركيون أنفسهم أمام أسئلة تتعلق بالتزاماتهم تجاه العراقيين عليهم الإجابة عنها. لكنهم في الوقت ذاته يحمّلون إيران المسؤولية الأولى عما يحدث في كل من لبنان والعراق.

وأقر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بوجود أسباب محلية للاضطرابات التي اجتاحت الشرق الأوسط ومناطق أخرى ووجه أصابع الاتهام إلى إيران. وقال إن “رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي استقال لأن الناس كانوا يطالبونه بالحرية ولأن قوات الأمن قتلت عشرات الأشخاص ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى النفوذ الإيراني”.

أما دوغلاس سليمان، السفير الأميركي السابق في العراق، فقد أكد التزام واشنطن تجاه شعب العراق، خلال شهادته أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي. وقال “إن حكومة الولايات المتحدة لن تترك الشعب العراقي يواجه مستقبلا مجهولا بمفرده، وإن الإعلان عن وجود طبقة سياسية جديدة جاهزة لاستلام الحكم في العراق سيكون رسالة دعم كبيرة للناس بوجه النفوذ الإيراني المتزايد”. وفي السياق ذاته ذهب جوّي هود، مساعد نائب وزير الخارجية الأميركية، الذي دعا إلى ضرورة إجراء إصلاح جدي في العراق. ونبه إلى مخاطر وجود قاسم سليماني في بغداد.

وفي تعليقه على الموقف الأميركي، يرى هيثم الهيتي، الباحث السياسي المقيم في واشنطن، أن في الولايات المتحدة قابلية “لتجديد النقاش السياسي حول السياسة الخارجية، وبعد 16 عاما على احتلال العراق ظهر نوع من الخبراء الذين يلومون نظراءهم الذين أعطوا استشارات لصاحب القرار الأميركي والذي أدى إلى جعل العراق محمية إيرانية تهدد المصالح الأميركية”.

ويشير الهيتي إلى مايكل برجينت، الخبير الأميركي في معهد هدسون، الذي يقدم للنخب الأميركية تصورات جديدة عن عراق آخر. وكثيرا ما حذر من دور الميليشيات وساهم كثيرا في بناء تصورات جديدة تلتقي مع ثورة أكتوبر وفلسفتها. ويرى الهيتي أن المرحلة الراهنة توفر فرصة لبناء مستقبل عراقي مزدهر، لكن على النخب العراقية أن تفتح حوارا بناء بعيدا عن التشنج والتفكير المصلحي وتصحيح التجربة وبناء تحالف بديل، تحالف بين النخبة الوطنية العراقية والولايات المتحدة بديل عن تحالف عملاء إيران.

العرب