من يقف وراء اغتيال وخطف الناشطين في كربلاء؟

من يقف وراء اغتيال وخطف الناشطين في كربلاء؟

في تمام الساعة الحادية عشرة صباحا وعندما كان خارجا من محكمة الاستئناف في كربلاء جنوب بغداد، كان الناشط المدني والتربوي حسن البنا الحسيني، يحلم بأن يأخذ حقه ممن قاموا قبل أيام بضربه وحرق خيم المتظاهرين في ساحة الأحرار (التربية سابقا)، حيث أدلى بشهادته في القضية التي رفعها على محافظ المدينة ومجموعة من القيادات الأمنية.

لكن الحال انقلبت وكان ضحية للاختطاف والتعذيب والرمي في الشارع بين الحياة والموت، لتشهد المدينة بعدها أسبوعا من عمليات الترهيب ضد ناشطين راح ضحيتها أحدهم بدم بارد وإصابة وملاحقة آخرين، دون رد فعل واضح من الشرطة لحمايتهم.

الحسيني يروي حكاية اختطافه للجزيرة نت، بأنه كان موجودا في ساحة الأحرار في يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني وتعرض للضرب وأصيب بخلع في كتفه، فرفع قضية وطالب القضاء بإجراء تحقيق بالحادث، مستدركا “لكن عند توجهي إلى المحكمة يوم 24 من الشهر ذاته فوجئت باعتراض سيارتي من مجموعة مسلحة وتم اختطافي تحت تهديد السلاح إلى مكان مجهول. وهناك وضعوني في براد (ثلاجة) يستخدم لحفظ الفاكهة بعد أن جردوني من كل ملابسي حتى الداخلية منها، فوصلت لمرحلة التجمد وفقدت الوعي بعدها”.

وتابع أنه بعد عودة الوعي واستقرار حالته وفتح هاتفه الجوال عن طريق بصمة أصابعه، استوقفتهم (المجموعة المسلحة) صورة الأمر القضائي للدعوة التي رفعها عند حرق الخيم، “ليتركوني بعدها وهم مذعورون بعد أن كانوا سابقا يبحثون في هاتفي عن فيديو للحادثة لمعرفة ما إذا كان وجوه من قاموا بحرق الخيم ظاهرة أم لا”، مشيرا إلى أنهم رموه بعد ذلك قرب سيارته مع حلول الظلام.

دوافع الاختطاف
من جهته، قال الناشط المدني وعضو تنسيقية كربلاء للحراك المدني المستقل أحمد البنا، الأخ الأكبر للمختطف، للجزيرة نت إن عملية الاختطاف دامت عدة ساعات بعد أن أدلى شقيقه بشهادته في القضية التي رفعها على القيادات الأمنية في كربلاء والمحافظ، جراء ما حصل من أحداث حرق خيم المتظاهرين، والاعتداء بالضرب عليه وعلى مجموعة من الناشطين.

وتابع أن “الاعتقاد السائد لدينا كان أنه قد قتل بعد أن فقدنا الاتصال به، وذلك بعد أن قاموا بتهديده بسبب الشكوى حيث ساوموه بالأموال ولكنه رفض أن يغير أقواله ويسحب الدعوى”.

واتهم البنا محافظ كربلاء وقائد الشرطة وآمر قوات فض الشغب في المحافظة بالوقوف وراء عملية الاختطاف بسبب الدعوى القضائية المرفوعة ضدهم، موضحا أن “المحافظ هو المسؤول الأمني الأعلى ورئيس اللجنة الأمنية العليا. وحماية المتظاهرين من واجبه، وقد أبلغناه هو ومدير مكتبه ولأكثر من مرة أن أخي تم تهديده بسبب الشكوى، لكن لم تتم محاسبة أي أحد”.

تلك الحادثة أشعرت الناشطين بالخطر، ليستمر مسلسل الاستهداف ويشمل مجموعة من أعضاء تنسيقية كربلاء للحراك المدني المستقل التي تعد المحرك الرئيسي للمظاهرات في المدينة منذ عام 2011.
اعلان

وبالفعل تم استهداف منزل الناشط والشاعر محمد الكعبي بقنبلة صوتية، ثم الدكتور مهند الكعبي بعبوة لاصقة في سيارته لتنفجر وينقل على إثرها للمستشفى، وصولا إلى اغتيال الناشط فاهم الطائي بأسلحة كاتمة للصوت وفي منطقة تعد من أكثر المناطق أمانا حيث لا تبعد عن المراقد الدينية في المدينة سوى خمسمئة متر.

وقال محمد الكعبي -أحد الذين تم استهدافهم للجزيرة نت- “بعد محاولة تفجير منزلي وقتلي وعائلتي من خلال التفجير، باتت الوجوه مكشوفة، ومن هنا أقول لمن يحاول خلط الأوراق وزرع الفتن إننا نعرف جيدا غاياتكم المشوهة، لكننا لن نتراجع عن أهدافنا السامية في تحقيق التغيير المنشود”.

وأضاف أن محاولات الاعتداء المتكررة واستهداف الناشطين يأتيان ممن وصفهم بذيول الأحزاب الفاسدة لخلط الأوراق، لكنهم سيفوتون عليهم الفرصة وأن مظاهراتهم ستبقى سلمية لحين تحقيق أهدافهم.

من جانبه، قال الناشط المدني حسين صبري إن الناشطين بدؤوا ينزلون إلى ساحات الاحتجاج والعودة للمنازل على شكل جماعات بسبب الخشية من الاعتداء والتصفية.

وتابع أن “أمن المتظاهرين والناشطين تتحمله الجهات الأمنية والمحافظ، والغريب أننا عندما نسألهم من يقوم بالاعتداء على الناشطين يقولون إنهم لا يعلمون، ما يجعلنا نخشى على أنفسنا وأهلنا”، مشيرا إلى أن هناك من يقتل الناشطين بدم بارد، لأنهم يطالبون بحقوقهم وبطرق سلمية.

الرد الحكومي
وتعليقا على ذلك، وعد محافظ كربلاء نصيف الخطابي في بيان ذوي الناشط المدني فاهم الطائي الذي اغتيل قبل أيام والمتظاهرين المعتدى عليهم، بكشف الجناة بأسرع وقت ممكن وتقديمهم للعدالة وكشف من يقف وراءهم.

وأشار إلى أنه عقد عدة اجتماعات مع القادة الأمنيين في المحافظة وتابع مع مديرية الشرطة وقيادة العمليات ومواقع التحقيق الأخرى ومجريات التحقيقات، مبينا أنه أمر قادة الأجهزة الأمنية بحجز جميع الضباط والمنتسبين الذين تقع ضمن مسؤوليتهم المناطق التي حصلت فيها جريمة اغتيال الناشط فاهم الطائي وكذلك الاعتداء الذي وقع على منزل الشاعر محمد الكعبي.

من جانبها، قالت قيادة شرطة كربلاء في بيان لها إنها شكلت فريقا من كبار ضباط التحقيق وبإشراف قائد الشرطة لكشف ملابسات حادثة اغتيال فاهم الطائي، وأكدت أنها ستقدم المجرمين القتلة إلى العدالة بأسرع وقت ممكن من خلال كشف خيوط الجريمة وهي تعمل عليها منذ الساعة الأولى لوقوع الحادث.

وفي الإطار نفسه، كشفت مصادر أمنية للجزيرة نت أن هناك جماعات مسلحة تتحرك بهويات رسمية تقف وراء الاعتداءات على الناشطين، مشيرة إلى أن التحقيقات الأولية تظهر بشكل واضح وجود ترابط بين هذه الأحداث وأن من يقف وراءها جهة واحدة.

وأضافت أنه عند خطف الناشط الحسيني تم إبراز هويات حكومية قد تكون مزورة، وعند استهداف محمد الكعبي كان تحرك المنفذين بسهولة من النقاط الأمنية، أما مقتل الناشط فاهم الطائي فكان داخل المدينة القديمة المحصنة أمنيا، التي لا يسمح بحمل السلاح فيها ولا يتم الدخول لها إلا بهويات خاصة مسجلة، مرجحة أن يكون هناك تواطؤ مع القتلة الذين ينتمون لجماعات نافذة بالمدينة.

المصدر : الجزيرة