بات في حكم المؤكد أن رئيس الوزراء العراقي المقبل لن يكون خياراً إيرانياً صريحاً، كما كان يحدث خلال الدورات السابقة، إذ إن الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، غيرت جميع المعادلات السياسية في البلاد.
عندما كان العراق يقع تحت سلطة الاحتلال الأميركية رسمياً بعد العام 2003، كانت الولايات المتحدة هي من تسمي شاغلي المناصب العليا في البلاد.
تغير الأمر قليلاً في 2005، عندما تقدم حزب الدعوة الإسلامية صفوف القوى الشيعية في العراق، بتشجيع إيراني، ليطرح نفسه رأساً في تمثيل الطائفة التي تمثل أغلبية السكان في البلاد.
استمرت الشراكة بين الولايات المتحدة وإيران في اختيار رئيس الوزراء العراقي حتى مجيء حيدر العبادي العام 2014، ليمثل الدخول الأول من قبل المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، على خط الحراك السياسي بشكل صريح ومباشر، على غير العادة.
لم يكن العبادي عدواً للأميركيين ولا صديقاً للإيرانيين، ولكنه كان دليلاً على كسر القطبية الثنائية (إيران- أميركا) التي تتحكم في القرار السياسي العراقي، لتصبح ثلاثية، بعد دخول السيستاني.
طرد إيران
اختلف الأمر كثيراً خلال ولاية رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، إذ انفردت إيران بالمشهد السياسي، وأقصت الأميركيين وحجمت السيستاني، إذ أدار حلفاؤها خطة لتسمية رئيس برلمان موال لطهران، ثم تكليف رئيس وزراء بدرجة موظف مطيع، بعد أن انتخب رئيس جمهورية يرتبط حزبه بعلاقات وثيقة مع الجارة الشرقية للعراق.
خلال العام الذي أمضاه عبد المهدي على رأس السلطة في العراق، توقف معظم عمليات التنافس الإقليمي والدولي في الملف العراقي، وأمسكت إيران بجميع الخيوط، ولكن هذا التحول ربما هو الذي عجل بسقوطها بعد شهور.
عندما اندلعت الاحتجاجات العراقية مطلع أكتوبر، أصيب الساسة والمتابعون بالدهشة، لأن الجماهير التي خرجت، تركت كل الشعارات التي تتعلق بنقص الخدمات وتفشي الفساد وفشل الدولة وراء ظهرها، وأمسكت بشعار رئيسي يدعو إلى طرد إيران من العراق فوراً.
كتب المتظاهرون هذا الشعار على لافتات كبيرة ورددوه في بغداد والمحافظات، حتى أنهم أحرقوا صور المرشد الإيراني الأعلى عي خامنئي ووصفوه برأس الشر، وداسوا على صور مبعوثه إلى العراق، الجنرال قاسم سليماني.
لم يصمد عبد المهدي كثيراً أمام المتظاهرين، فكان أول رئيس وزراء يسقطه الشارع في العراق منذ 2003، لكن هذا لم يكن مهما بالنسبة إلى الإيرانيين، فالمهم هو كيفية الحفاظ على دورهم في تأسيس الحكومة الجديدة.
المتظاهرون طرف رابع
بعد أيام قليلة من سقوط عبد المهدي، بدا أن كل ما صنعته إيران خلال العام المنصرم في العراق، يضيع في الهواء، فلا رئيس الوزراء المطيع صمد، ولا رئيس البرلمان الموالي قادر على اقتراح اسم مرشح لمنصب رئيس الحكومة مدعوم من طهران، ولا رئيس الجمهورية قادر على تجاهل ضغط الاحتجاجات.
سرعان ما تجسدت خشية الإيرانيين على الأرض السياسية في العراق، إذ هاجم المتظاهرون بشدة جميع أسماء المرشحين لخلافة عبد المهدي بسبب صلاتهم الشخصية أو صلات أحزابهم بطهران، وآخرهم محمد شياع السوداني مرشح حزب الدعوة الإسلامية، الذي كاد يحصل على تكليف تشكيل الحكومة، لولا ردة فعل المحتجين القوية، التي أرغمت داعميه على التخلي عنه.
حرق المرشحين
يقول مراقبون إن ربط اسم أي مرشح حالياً بطهران هو أسرع وسيلة لحرقه، إذ لن يجرؤ رئيس الجمهورية ولا البرلمان على تحدي رغبات الشارع الغاضب، مع الإشارة إلى أن الحراك العراقي يؤكد أن معادلة السياسة تتغير من جديد، بدخول المتظاهرين طرفاً رابعاً فيها.
الآن، يبدو أن الأقرب إلى الواقع، هو تخلي إيران، ولو بشكل مؤقت، عن حق تسمية رئيس الوزراء العراقي، وإلا فإن المهلة الدستورية لرئيس الجمهورية ستمضي من دون تكليف أحد بتشكيل الحكومة الجديدة، وهو خرق يفتح الباب على حسابات معقدة.
كان القانونيون انقسموا في تحديد الإطار الزمني للمهلة الدستورية، فقال فريق إنها انتهت بانتهاء يوم الاثنين 16 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، فيما قال آخرون إنها تنتهي يوم الجمعة 20 ديسمبر، وفي النهاية جرى اعتماد التاريخ الثاني، ما يعني أن أمام رئيس الجمهورية ثلاثة أيام فقط لحسم خياراته.
اندبندت العربي