الطبقة السياسية العراقية تناور لحماية مصالحها رغم تصاعد الاحتجاجات

الطبقة السياسية العراقية تناور لحماية مصالحها رغم تصاعد الاحتجاجات

عجز الطبقة السياسية في العراق عن اختيار شخصية توافقية لخلافة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي، وتعثّر إقرار قانون جديد للانتخابات يقطع مع هيمنة الأحزاب الكبرى على السلطة ويسدّ الطريق على تزوير إرادة الناخبين، يكشفان عدم قدرة النظام القائم في العراق على التجدّد وإصلاح نفسه من الداخل، الأمر الذي يفتح الباب لمزيد من التصعيد في الاحتجاجات القائمة منذ أكتوبر الماضي، ويضفي وجاهة ومشروعية على مطلب إسقاط النظام المرفوع في ساحات التظاهر والاعتصام.

بغداد – أثبت البرلمان العراقي بعده عن تحسّس نبض الشارع، عندما ضرب مطالب المحتجين المرابطين في الساحات العامة منذ مطلع أكتوبر الماضي، عرض الحائط، وأجّل النظر في قانون الانتخابات الذي يريد المتظاهرون أن يضمن حق الترشح الفردي بعيدا عن الأحزاب ونظام الاقتراع وفق الدوائر المتعددة في المحافظة الواحدة.

وتحوّلت عملية البحث في وضع القانون المنشود وإقراره، إلى بحث حزبي عن الطريقة التي يتم من خلالها ضمان الحفاظ على مكاسب الأحزاب السياسية والمادية وحمايتها من أيّ ضرر قد يطالها بموجب أيّ قانون انتخابي جديد.

ولم تخرج عملية البحث عن شخصية تخلف عادل عبدالمهدي المستقيل من رئاسة الحكومة، عن هذا السياق، حيث حاولت الشخصيات والأحزاب الممسكة بزمام السلطة الدفع بمن يضمن مصالحها ويكفل الحفاظ على نفوذ النظام الإيراني الذي تدين له بالولاء، بعيدا عن مطالب الشارع.

وأفضى ذلك إلى حدوث فراغ بعد أن انقضت الخميس المهلة الزمنية الممنوحة بموجب الدستور لتعيين خليفة لرئيس الوزراء المستقيل والذي يتولى حاليا تصريف الأعمال.

وتقابل جمودَ الطبقة السياسية وعجزها حركيةُ الشارع وتحفّزه للتصعيد، حيث وصف المحتجّون في بيان أصدروه الخميس ما يقوم به السياسيون بالمناورة، معتبرين “ما يحدث في أروقة الطبقة السياسية لا يتماشى أبدا مع ما مر به الشعب وجماهيره المعترضة من أجل حياة كريمة”.

كما حذّر المحتجّون في ذات البيان من أن “تتخذ الاحتجاجات خطوات تصعيدية من شأنها الضغط وبشكل فعال ومغاير على السلطات التنفيذية والتشريعية”.

وخلال الأسابيع القليلة الماضية، لم يبق نائب في البرلمان إلاّ وخرج عبر وسائل الإعلام ليعد المتظاهرين بالعمل على تشريع قانون انتخابات عادل، يسمح بوصول المستقلين إلى مجلس النواب. لكن وعود النواب، تبيّن مساء الأربعاء أنها مجرّد هواء في شبك، وذلك عندما اتفقوا أن هناك فقرتين في مشروع القانون الانتخابي المطروح بحاجة إلى إعادة نظر.

وحاول النواب التكتم على الفقرتين المذكورتين بعد جلسة مغلقة للبرلمان استمرت حتى وقت متأخر من ليل الأربعاء، لكنهما انكشفتا بعد حين، ليتبين أن الأولى تتعلق بحق الترشح الفردي لجميع العراقيين من دون شرط الانضمام إلى أيّ حزب، فيما تنص الثانية على أن لكل مقعد في البرلمان دائرة انتخابية واحدة.

ولا يسمح قانون الانتخابات النافذ في العراق بالترشح الفردي، كما ينص على أن المحافظة هي دائرة انتخابية واحدة، حتى إذا كانت تضم عشرات المقاعد، ما يضمن للأحزاب مرور جميع نواب البرلمان عبرها، فضلا عن حاجة المرشحين لهذه الأحزاب كي تموّل حملاتهم الدعائية التي يجب أن تغطي المساحة الكلية للدائرة التي يترشحون عنها، إذ في العادة لا يملك هؤلاء المال الكافي، الذي تملك الأحزاب الكثير منه، إلى جانب امتلاكها النفوذ والسلطة.

ويقول خبراء في العمليات الانتخابية إن تشريع قانون انتخابات يتضمن هاتين الفقرتين، يعني كنس الجزء الأكبر من أحزاب السلطة الحاكمة في العراق حاليا، التي كونت قوّتها عبر عمليات انتخابية مشوهة تعتمد على نظام القائمة الحزبية المغلقة والمفتوحة للمرشحين، فيما تكون المحافظة دائرة واحدة لجميع المقاعد المخصصة لها، ما يفسر تكرار فوز الأحزاب نفسها خلال الانتخابات المتكررة التي شهدتها البلاد منذ 2005.

ويصر المتظاهرون على اعتماد الترشيح الفردي خلال الانتخابات المقبلة، بينما تريد الأحزاب السياسية أن تواصل احتكار نوافذ الوصول إلى البرلمان.

وخلال العمليات الانتخابية السابقة، انتقت الأحزاب الشيعية والسنية والكردية المؤثرة مرشحيها بدقة، ليتطابقوا مع معايير العمل في صفوفها فحسب، من دون النظر إلى احتياجات الجمهور والبلاد.

ولا يتوقّع متابعون للشأن العراقي أن يقر النواب قانون انتخابات لا يضمن لهم الاستمرار في مناصبهم في الدورة المقبلة. وحتى لو أراد البعض منهم ذلك فإن الأحزاب التي تقف وراءهم ستمنعهم من القيام بذلك.

غير أن الخوف من تفاقم الوضع والتصعيد المحتمل من قبل المحتجين سيجعل الأمور كلها في حالة من الضبابية التي يمكن من خلالها إقرار القانون مع عمل تعديلات يمكن أن تضع شروطا تزيد من عبء الترشيح بالنسبة إلى المستقلين.

وكما يبدو فإن المتظاهرين على وشك أن ينجزوا نصرا جديدا على النظام بعد نصرهم المتمثل بسقوط الحكومة، فسقوط قانون الانتخابات المعمول به حاليا والذي كان سببا في هيمنة الأحزاب على السلطة يمثل خطوة مهمة قبل حل مجلس النواب.

وتضع الأحزاب هذه المحاذير في حساباتها وهي تسعى إلى عدّ نقاط الربح والخسارة في صراعها مع المحتجين. وحتى الآن يبدو أن المحتجين غير مقتنعين بأن استبدال رئيس وزراء برئيس وزراء آخر يمثل حلا للأزمة المتمثلة من وجهة نظرهم بالنظام الطائفي الذي تهيمن عليه أحزاب دينية يقف وجودها حائلا دون قيام دولة المواطنة.

وعمل مجلس النواب طوال السنوات الماضية على خدمة الهيمنة الحزبية على الدولة من خلال القوانين التي سنّها. لذلك فإن أيّ قانون جديد للانتخابات يكون من شأنه أن يسمح بالترشح الفردي على أساس تقسيم المحافظة الواحدة إلى دوائر انتخابية سيواجه بالرفض من قبل الأحزاب. وحسب تعبير هادي العامري زعيم ميليشيا بدر الذي يقود تحالف الفتح، فإن السلطة التي “ناضلوا” أربعين سنة من أجل الحصول عليها لن يمنحوها للآخرين.

ويعكس هذا الإصرار الحزبي على الاحتفاظ بالسلطة حالة اللامبالاة التي تتعامل بها القوى السياسية العراقية مع الشارع المنتفض، الذي فقد حتى الآن نحو 25 ألف ضحية بين قتيل وجريح خلال الاحتجاجات، ولم يحصل على شيء من حقوقه تقريبا، باستثناء استقالة رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي، الذي ما يزال يمارس أعماله بشكل طبيعي حتى الآن.

ولوّح محتجون بتصعيد شعبي، قد يتضمّن اقتحام مبنى البرلمان في المنطقة الخضراء وسط بغداد في حال لم يجر تشريع قانون الانتخابات وفق الملاحظات التي أعلنت في ساحات التظاهرات.

العرب