على الرغم من هزيمة داعش الإرهابي عسكريا في العراق وسوريا وخسارته جميع مناطق سيطرته نهاية مارس/اذار الماضي، الا ان تهديداته لا تزال قائمة في العراق وسوريا. واذا كانت حرب السنوات الأربع على التنظيم قد أدت إلى خسارته معظم قيادات الصف الأول والثاني أعداد كبيرة غير معروفة، فان اعداد من تبقى من مقاتليه أو خلاياه المتخفية بين السكان سواء في العراق أو في سوريا لا يزال غير معروف أيضا بشكل يقيني.
وعلى ما يبدو فثمة مبالغة في تقدير اعداد مقاتلي التنظيم في البلدين العراق وسوريا. ومع حقيقة هزيمة تنظيم داعش عسكريا وخسارته أعدادا كبيرة من مقاتليه وقيادييه ومعداته القتالية، لكن التنظيم حافظ إلى حد ما على أعداد مهمة من مقاتليه كما يشير تقرير وزارة الدفاع الامريكية إلى ما بين 14 إلى 18 الف مقاتل في العراق وسوريا فقط، من بينهم نحو 3000 مقاتل اجنبي.وتتباين التقديرات لاعداد مقاتلي التنظيم على الرغم من استيلاء القوات الأمنية العراقية على المزيد من الوثائق الخاصة بالتنظيم.
لكن معظم التقديرات تقول 30 الفا، السقف الأعلى لاعداد التنظيم، وهي قد تكون اعتمدت على تقديرات أمريكية سابقة تحدثت بعد أحداث الموصل 2014 عن ان هناك ما بين 21 إلى 30 الف مقاتل ينتمون لتنظيم داعش في العراق وسوريا.
الأزمة السياسية الحالية في العراق، يمكن أن تكون أحد أسباب عودة التنظيمات الإرهابية في ظل إنشغال الدولة بالشأن الداخلي…أم أن الجهات الأمنية والعسكرية اتخذت التدابير الكفيلة بعدم تكرار سيناريو احتلال “داعش” للمحافظات العراقية 2014. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق هل يمكن لتنظيم داعش معاودة الظهور في العراق؟
يرى المتابعون للشأن العراقي نفوا صحة تقاريراستخباراتية عراقية وغربية جديدة من احتمال عودة نشاط تنظيم “الدولة” في العراق مجددا بآلاف العناصر لمهاجمة المدن التي خسرها لصالح القوات الأمنية النظامية العراقية. وأكدوا أن التنظيم الإرهابي بات مفككا ومطاردا وعاجزا، وأن قدرته العسكرية على تنفيذ هجمات مباغتة تضاءلت ولا تشكل خطرا، وذلك لفقدانه السيطرة على الولايات وخسارته الفادحة للحاضنة السُنية التي كان يكتسب قوّته منها للانطلاق والتخطيط في شن عملياته النوعية، بالإضافة إلى خسارته لأبرز قادة التنظيم وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي ومعاونوه المرشحين لخلافته بسبب الضربات الجوية الأمريكية الدقيقة.
وأضافوا أن عودة التنظيم مجددا لممارسة نشاطه أصبح أمرا بالغ التعقيد، وإن حصل فإنه يحتاج إلى سنوات لإعادة بناء نفسه من خلال نسج خيوطه جيدا واستقطاب مقاتلين جدد، وتهريب قادته من السجون العراقية على غرار ما حصل في سجن أبو غريب في فترة حكم نوري المالكي.
وأشاروا إلى أن التنظيم الإرهابي لم يعد له وجود على أرض الواقع وأن قدراته على شن هجمات في عموم العراق باتت صعبة لفقدانه شبكاته المالية والتجارية لتجهيز عملياته، والدليل أنه لوكان هناك نشاط مسلّح لمقاتلي التنظيم الارهابي في بغداد لاستغلوا الاحتجاجات الشعبية والانفلات الأمني والسياسي الذي تعيشه العاصمة، وشنوا تفجيرات بسيارة مفخخة وأحزمة ناسفة تستهدف التجمعات المدنية والأسواق بهدف خلق فجوة بين المواطنين والحكومة العراقية.
وأشاروا إلى أن تنظيم “داعش” تلقى ضربات كبيرة بمقتل زعيمه والمتحدث الرسمي باسم التنظيم “أبو حسن المهاجر”، تلك الضربات أحدثت وهنا وضعفا لدى التنظيم في تلك المرحلة والتي فقد فيها تلك الأراضي الشاسعة، ولا يعتقدون أن التنظيم سوف يقوم بأية عمليات في العراق في ظل هذه الظروف، لأن هناك وعيا من الجهات الأمنية بعيدا عن التظاهرات وموقف الحكومة.
وحول التهديد الذي يشكله التنظيم في الوقت الراهن قالوا، رغم الضربات الاستباقية الأمنية من جانب القوات العراقية والتحالف، إلا أن التنظيم مازال يشكل تهديدا في سوريا والعراق وفي مناطق أخرى، حيث ينشط التنظيم حتى الآن في سوريا وفي بعض المناطق الغربية من العراق.
وأوضحوا ، أن الحديث يدور اليوم حول الوضع في سوريا والأزمة الكبيرة في ظل العملية العسكرية التركية تجاه قوات سوريا الديمقراطية والانسحاب الأمريكي وكثرة التحالفات، كل تلك الأمور قد يستغلها التنظيم للقيام بعمليات في سوريا وبعض مناطق الحدود. وأكدوا، أن التهديد الذي تخشاه البلاد ليس من الداخل العراقي وإنما من سوريا نظرا للوضع السياسي والأمني المعقد وهو ما قد يؤثر على الساحة العراقية.
لكن هناك من المتابعون من يرون بأن المليشيات المسلحة لا تقل خطرًا من تنظيم داعش الإرهابي، فلم يعد سرًا على أحد وجود ما يزيد عن 67 ميليشيا طائفية شيعية مسلحة، تمتلك منها إيران 41 ميليشيا وتتوزع الميلشيات الأخرى على عدد آخر من الأحزاب الإسلامية السياسية العراقي . وأكثر المليشيات عدداً وتسلحاً وقدرات مالية ونفوذاً سياسياً واجتماعياً، وأشدها خطورة على العراق ومستقبله هي تلك التي ترتبط مباشرة بإيران وبالمرجعية الدينية والسياسية الإيرانية، أي كلها خاضعة للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، السيد علي خامنئي.
كما ترتبط بممثل المرشد والحرس الثوري الإيراني وجيش القدس الجنرال الإيراني قاسم سليماني وتخضع لقيادته وإرادته وتوجيهاته، وهي من إرادة وتوجيهات الخامنئي والدولة الإيرانية. أما المليشيات الشيعية الأخرى، فمهما كان نفوذها العراقي وحجم عددها وتسلحها، فهي في المحصلة النهائية غير قادرة على الزوغان الفعلي عن إرادة أو مصالح إيران في العراق، وتُجبر بهذا القدر أو ذاك على التعاون مع المليشيات العراقية-الإيرانية، ولاسيما الرئيسية منها.
سياسيا، عملت مليشيات على ترجمة شعبيتها التي حصدها جراء انتصارها على التنظيم إلى مكاسب سياسية خلال الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مايو عام 2018، وعلى الجانب الاقتصادي، عمل وكلاء إيران في العراق على فرض نفوذهم الاقتصادي في العراق بهدف السيطرة على الدولة العراقية والتخفيف من حدة العقوبات الأمريكية. فبعد تطبيق المرحلة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران، عمدت الأخيرة إلى إتباع نهج اقتصادي جديد في العراق يعتمد التوسع في العلاقات الاقتصادية بين البلدين بغية التخفيف من الحصار الأمريكي على إيران. ومن الجدير بالذكر أن أول المتضررين من تلك العقوبات التي شملت وقف تصدير النفط ومصادر الطاقة لإيران، هو العراق الذي يستورد الغاز والطاقة الكهربائية من إيران بكميات كبيرة لسد احتياجاته. وخلال عام 2017، أصبح الشركات الإيرانية تقدم 80 في المئة من الخدمات التقنية والهندسية في العراق. كما أسس أيضا وكلاء إيران عدد من البنوك وشركات عقارية لتحويل الأموال وشراء العقارات من المهجرين بأرخص الأسعار تحت التهديد والتهجير.
وقد تجلى هذا النفوذ في التحويلات المالية التي تمت بين العراق وإيران بعد دخول كتائب حزب الله ووكلاء ايران لمدينة جرف الصخر شمال مدينة بابل أثناء القتال مع تنظيم “داعش” ، حيث حولوا المدينة لمركز اقتصادي للحرس الثوري الإيراني ، واستغلوا مصفاة نفطية طور الإنشاء بنسبة 35% ونسقوا مع وزارة النفط العراقية لاستثمار النفط وحولوا ضفتي نهر الفرات مواقع لتربية الأسماك، وصادروا 100.000 دونم زراعي من بساتين عشائر الجنابين ،وحولوها لمشاريع زراعية تمول الوكلاء واستوردوا الأبقار ومعمل البان إيراني ومشروع للدواجن لتمويل هذه المليشيات حيث تم تحويل مدينة جرف الصخر إلى مدينة يعتمد اقتصادها تمامًا على إيران. ومن الضروري أن نلاحظ أيضا أنه في مدينة جرف الصخر، كان وكلاء إيران، أي (كتائب حزب الله) هم أكثر المستفيدين من هذه المكاسب، حيث تدير هذه القوات شبكة من السجون وتتمتع بتأثير كبير في المنطقة. وتمثل تلك الخصوصية ضررا كبيرا بالنسبة للولايات المتحدة التي أدرجت كتائب حزب الله في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية بالولايات المتحدة، ومن بين أكثر المجموعات التي تسيطر عليها إيران بشكل مباشر.
صارت القبضة المالية والسياسية التي تفرضها إيران على قطاعات كبيرة من الشعب العراقي كبيرة للغاية. ونتيجة لهذا الواقع، فإن الجهود المبذولة لدمج الميليشيات التي تدعمها إيران في الجيش العراقي ستثبت في النهاية عدم فاعليتها. ومن غير المحتمل أن يتمكن العراق من كبح جماح العديد من الميليشيات بسبب الولاءات المتضاربة لقيادته وأتباعه.
وعليه يرى المتابعون للشأن العراقي أن الخطر الحقيقي على استقرار العراق على المدى الطويل يأتي من ميليشيات المدعومة من إيران، وليس فقط من تنظيم داعش الارهابي.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية