نشرت صحيفة “التايمز” تقريرا لمراسلها في الشرق الأوسط ريتشارد سبنسر عن التنافس الأمريكي- الإيراني على كسب عقول وقلوب سكان مواطنيه. وبدأ بالحديث عن بلدة كراملش القريبة من مدنية الموصل وسكانها المسيحيين الذين تجمعوا للصلاة في الكنيسة التي أعيد تجديدها ودهن جدرانها وتركيب الأضواء فيها.
وقال إن البلدة تعيد بناء نفسها بعد ثلاثة أعوام من تحطيمها على يد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والذي ترك آثاره الواضحة عليها.
وأضاف أن شاحنة مساعدة أمريكية كانت تقف أمام الكنيسة وإلى جانبها مبنى يحمل مبنى المنظمة الأمريكية التي قدمت المساعدة. وفي أماكن أخرى من البلدة الصغيرة تظهر الإعلانات والملصقات التي تروج الدعاية للمنظمات المسيحية الإنجيلية مثل “سامريتانز بيرس” المنظمة التبشيرية التي يديرها المبشر فرانكلين غراهام إبن بيلي غراهام الذي كان من أهم داعمي الرئيس دونالد ترامب.
ويقول سبنسر إن إدارة ترامب ضخت حوالي 375 مليون دولاراة في العامين الماضيين إلى شمال العراق لمساعدة الأقليات التي استهدفها تنظيم الدولة. وتعتبر القرى المسيحية هي المستفيد الأول من البرامج التي تقف وراءها جماعات إنجيلية داعمة للرئيس.
وتقول الصحيفة إن مايك بينس، نائب الرئيس الأمريكي هو من يشرف شخصيا على برامج الدعم في سهل نينوى التي لا يزال يعيش فيه معظم السكان المسيحيين في العراق. إلا أن الولايات المتحدة ليست القوة الوحيدة التي تخلط الدين بالسياسة في المنطقة.
ففي بلدة الخزنة التي تبعد خمسة أميال عن البلدة المسيحية أصبحت مدرسة إبتدائية محلا للجدل. وتعيش في الخزنة الأقلية الشيعية المعروفة بالشبك. وتم بناء المدرسة في عام 2013 بتبرع من جمعية خيرية إيرانية مرتبطة بالحكومة. واشترطت الجمعية إطلاق اسم الإمام الخمييني على المدرسة إلا أن المجلس الذي كان مكونا من غالبية سنية قبل دخول تنظيم الدولة رفض تسمية المدرسة على اسم مؤسس الجمهورية الإسلامية.
وعندما وصل الجهاديون التابعون لتنظيم الدولة تم تهشيم المدرسة وعندما تم تنظيفها عثر بداخلها على مفخخات وألغام. وأعيد بناء المدرسة بأموال إيرانية أخرى وتحمل الآن اسم الخميني، خاصة أن الميليشيات الشيعية تسيطر على معظم سهل نينوى ولا توجد سلطة محلية يمكنها وقف التسمية.
ويعلق سبنسر أن قلة خارج سهل نينوى سمعت بالخزنة وكراملش، لكن مصيرها أصبح الوجه الأخير في محاولات السيطرة على الشرق الأوسط بين إيران والولايات المتحدة. والغريب أن أمريكا تصب الدعم رغم أنها تريد سحب كل قواتها من منطقة الشرق الأوسط ولكنها تجد الأعذار للبقاء مثل حماية الأكراد وإسرائيل وإرضاء القاعدة الدينية الداعمة لترامب.
وكان بنس واضحا عندما أكد على البعد الديني في برنامج المساعدات الخارجية الأمريكية. وقال “تتعرض المسيحية لهجوم غير مسبوق في الأراضي القديمة” و”في الوقت الذي تريد الجماعات التي لها سجل وجذور في هذه المجتمعات للمساعدة إلا أنها محرومة من التمويل”.
وبالنسبة للأب ثابت راهب كنيسة القديس عداي إن الكنائس الأربع في القرية شوهت وأشار إلى بيوت عدة لا تزال بحاجة للتجديد وذهب بعيدا للمطالبة بالحماية السياسية. فالميليشيات الشيعية ربما ساعدت على طرد تنظيم الدولة ولكنها تذكير بالطائفية التي أدت لصعود تنظيم الدولة.
وقال إن الكثير من المسيحيين يشعرون بالحاجة لضمانات أمنية. ويريدون إدارة الجيش للمنطقة لا الميليشيات. وأضاف أن ميليشيات الشبك تسيطر على حواحز التفتيش حيث حاولت الحكومة إزالتها لكنهم قاموا باحتجاجات ضد الحكومة وأعادوها.
ويقول سبنسر إن المنطقة لا تزال فقيرة ومدمرة بسبب الحرب لكنها نقطة عبور مهمة لتأثير طهران من حدود إيران الشرقية إلى سوريا إلى الغرب.
وردت الولايات المتحدة بدعم ميليشيات وهي وحدة حماية نينوى والتي تقوم بدوريات في داخل القرى المسيحية. ويقول زعيمها يعقوب ياكو إن الأمل الوحيد لسكان سهل نينوى هو الحكم الذاتي. ولم تحظ الفكرة على دعم من الحكومة المركزية في وقت يستمر فيها تناقص سكان المنطقة المسيحيين.
ولم يعد من سكان البلدة وقراقوش وبارطيلا إلا آقل من النصف مقارنة مع الشبك والمناطق المسلمة الأخرى. ويزيد من تناقص عدد المسيحيين هو نظام منح التأشيرات لهم من الدول الغربية بسبب الضغوط التي تمارسها الجماعات المسيحية المحلية.
وقال ياكو إن لورد كيري، الأسقف السابق لكانتبري قاد الجهود لمنح اللجوء للمسيحيين من الشرق. وقال إن الدول الغربية “تقوم بعمل ما يريده داعش”.
ويقول سبنسر إن معركة جرت داخل إدارة ترامب حول كيفية توزيع الدعم الأمريكي للعراق، حيث طالب البعض بضرورة دعم الموصل لحمايتها من عودة تنظيم الدولة. وفي النهاية تم التوصل لتسوية بجعل المسيحيين المستفيد الأول مع إعانة بقية الأقليات. وبالنسبة لمدرسة الخميني فقد احتج سكان قرية خزنة وقالوا إن الإسم قد يؤدي لعمليات انتقامية ولهذا غير الاسم إلى اسم أحد أبناء القرية الذي قتل في المواجهات مع تنظيم الدولة “داعش”.
القدس العربي