تفادى الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله توجيه أي رسالة تهديد غير اعتيادية لـ”الشيطان الأكبر” كرد على عملية اغتيال قاسم سليماني. ففي الخطاب الذي ألقاه في احتفال أعدّ للمناسبة، بقي نصرالله ضمن الحدود التي اعتاد اعتمادها في خطابه قبل حدث الاغتيال الذي شهدته بغداد فجر الجمعة، وإذ كان أشار إلى تهديد مباشر للجيش الأميركي، فهو إلى كونه تهديدا تقليديا لمن يصفه بجيش عدو، أحال إلى القيادة الإيرانية عملية الرد على اغتيال سليماني.
وفيما تفادى توجيه أي تهديد يمكن أن يُسجّلَ في خانة الموقف المستجد له من الناحية الأمنية أو العسكرية تجاه أميركا أو إسرائيل، أعفى القيادة الإيرانية وعلى رأسها الولي الفقيه وقائد المحور الذي ينتسب له نصرالله، من أي مسؤولية تجاه أي عملية قد يقوم بها أحد أطراف المحور، مشيرا إلى أن إيران تركت لهم حرية تقدير الموقف دون أن تطلب أو تفرض عليهم القيام برد.
الخطاب الذي ألقاه نصرالله، رغم محاولات تحميله من مؤيديه أو بعض خصومه أبعادا إستراتيجية تجاه واشنطن، إلا أن واقع الحال يقول إن نصرالله الذي أجّل كلمة كان سُرِّب للإعلام من قبل حزبه بأنه سيلقيها يوم الجمعة، أي غداة اغتيال سليماني، إلى يومين أي الأحد الماضي، كشف أنه لم يكن لديه ما يقوله أو يفعله كرد يترقبه أنصاره على هذه العملية.
غير أن تفادي نصرالله القيام بأي رد أو خطوة عسكرية ضد ما اعتبره جريمة أميركية، عُوّضَ عن ذلك بالقول إن حذاء سليماني أهم من رأس الرئيس الأميركي وكل المسؤولين الأميركيين، وبذلك أشبع إلى حدّ ما غريزة الانتقام ولو لفظيا. ما يمكن أن يُشار إليه بعد هدوء نصرالله تجاه الرد العسكري، أنه كان يدرك أن المواجهة التي اختارها الأميركيون هي في العراق، وشدد على ذلك في تفسير معنى المكان الذي جرى فيه الاغتيال، لذا كان يطالب الحكومة العراقية والبرلمان بالرد على الاغتيال بإعلان البراءة من الوجود الأميركي وهو ما سماه “أضعف الإيمان”.
العراق ساحة المواجهة التي تدرك إيران أنها أساس في الهلال الشيعي، وبالتالي تسعى إيران لاستثمار اغتيال سليماني بما يزيل الكوابيس التي أطلقتها الانتفاضة العراقية تجاه إيران، إذ أن شعار “إيران برا برا” هو الشعار الذي صدح به المنتفضون في مدن العراق ولاسيما ذات الرمزية الشيعية، ومشهد حرق القنصليات الإيرانية هو العنوان الذي وسم هذه الانتفاضة التي زعزعت النفوذ الإيراني وهددت وجوده. ما تريده إيران هو طي هذه الصفحة وإلغائها من الوجود، وهو أقصى ما تطمح إليه في تحقيقه وتريد لاغتيال سليماني أن يكون وسيلة لقلب المشهد من عراقيين يطالبون بإخراج إيران، إلى مشهد عراقيين يطالبون بإخراج القوات الأميركية.
الرد الإيراني على عملية الاغتيال، يندرج في سياق أن الرد الفعلي سيؤدي إلى حرب لا تريدها إيران، وعدم الرد هو هزيمة معنوية لن يتحملها النظام الإيراني، وبالتالي فإن الحسابات الإيرانية تنطوي على مخاطر لكونها تتصل بهيبة أميركا ومصالحها من جهة، وبحرص إيراني على الاستفادة من الانقسام الأميركي الداخلي وبرغبة إيران في استخدام الرد في منع وصول ترامب إلى الرئاسة مجددا من جهة ثانية.
فيما يشكل تمدد إيران ونفوذها حجر الرحى في الحسابات الإستراتيجية، وبالتالي فإن الرد يجب ألا يخل بهذا المسار الذي تحاول إيران من خلاله أن تفرض في معادلة الصراع القائمة في المنطقة مقولة أن لا وجود في المنطقة إلا لمشروعين، واحد أميركي إسرائيلي والثاني تقوده إيران، وعلى الجميع في المنطقة إما أن يكونوا مع مشروع إيران أو كما سماه مشروع الحرية والسيادة والاستقلال، أو مع المشروع الأميركي.
وهو في ذلك، كما إيران، يمهد لإنهاء مشهد الانتفاضة في العراق وفي لبنان، انطلاقا من أن المعركة الوجودية أمام الخطر الأميركي والإسرائيلي تتطلب إزاحة كل العناوين السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية جانبا، والاصطفاف لمواجهة الهيمنة الأميركية.
هذه حسابات طهران، يبقى أن الدول التي تشكل المحور الإيراني باتت في وضعية يصعب أن تستجيب لهذا المطلب وسط حال من التحلل السياسي والاقتصادي بات فيه الحديث عن وجود دولة سواء في لبنان أو العراق صعبا إلا إذا أضيف على توصيف دولة كلمة معبرة، لتصبح دولة فاشلة.
العرب