ولم يكن الخبر الذي أعلنت عنه وزارة الداخلية البحرينية، ليلة السبت الأحد الماضية، عن مصادرة الأسلحة القادمة من إيران، عن طريق البحر، بالجديد حيث سبق وأن تم الكشف عن عمليات كثيرة مشابهة، لكن اللافت في هذه العملية تزامنها مع زيارة خليجية مصغّرة قام بها وزير الخارجية الإيراني، أحمد جواد ظريف، إلى قطر والكويت، بالإضافة إلى العراق، للتودد إلى دول الخليج و”تقوية العلاقات وتطوير التعاون في كل المجالات مع جيران إيران”.
لكن، يبدو أن إيران تتجمّل بهذه الادعاءات لتغطّي على مطامعها في المنطقة، وخصوصا البحرين، والتي يعود تاريخ تآمرها عليها إلى تاريخ قديم تتجدّد ملامحه مع كل تغيير يطرأ على المنطقة.
سبق إعلان إحباط عملية تهريب عن طريق البحر لكمية من المواد المتفجرة شديدة الخطورة، إلى جانب ثمانية أسلحة أوتوماتيكية من نوع كلاشنيكوف و32 مخزنا لطلقات الرشاش كلاشنيكوف وكمية من الطلقات والصواعق، تصريحات مستفزّة من المرشد الأعلى علي خامئني تحدّث فيها عن سوريا واليمن، وأيضا البحرين، حيث قال خامنئي، في خطبة صلاة عيد الفطر بطهران، إن “جمهورية إيران الإسلامية لن تتخلى عن دعم أصدقائها في المنطقة، والشعبين المضطهدين في فلسطين واليمن، والشعبين والحكومتين في سوريا والعراق، والشعب المضطهد في البحرين”.
تصريحات خامنئي، التي لقيت استهجانا دوليا، ليست بالأمر الجديد، بل هي امتداد لتصريحات لطالما تكرّرت حتى من قبل أن يلبس خامنئي عباءة المرشد الأعلى، وبل ومن قبل أن تستبدل القوى الغربية تاج الشاه بعمامة الولي الفقيه، وتأتي بروح الله الخميني من فرنسا وتدعم ثورته “الإسلامية” التي لا تختلف سياستها في بعدها القومي، كثيرا عن سياسة الشاه محمد رضا بهلوي، فكلاهما كان يعتبر البحرين “الإقليم الرابع عشر لإيران”.
ويشير مركز الخليج العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية في هذا السياق إلى أن العلاقات البحرينية الإيرانية محكومة بتاريخ طويل من المطالبات والادعاءات الإيرانية بسيادتها على الجزيرة. وتعود هذه الادعاءات إلى القرن السادس عشر الميلادي عندما خضعت الجزيرة لحكم الإمبراطورية الصفوية، غير أن الأسرة الحاكمة للبحرين سيطرت على الجزيرة منذ عام 1820.
وفي عام 1957، قاد شاه إيران البرلمان لمناقشة تدابير للاستيلاء على البحرين، كما أشار إلى إمكانية تجديد الادعاءات الإيرانية حيال المملكة الخليجية عقب الانسحاب البريطاني من شرق السويس. غير أن استفتاء شعبيا بحرينيا جرى في العام 1971 قرر تأسيس البحرين كدولة مستقلة دون معارضة من الشاه أو البرلمان الإيراني.
وقد جاء الاستفتاء بعد محادثات مع بريطانيا، التي بدأت ترتّب لانسحابها من الخليج العربي في الستينات من القرن الماضي، وقد شملت هذه المحادثات حدود الدولة الإيرانية في الخليج العربي، التي فشلت، في مرجلة أولى، لإصرار إيران على أن تكون البحرين تحت التبعية الإيرانية، ثم وقع الاتفاق على إجراء الاستفتاء، مقابل تسوية مع بريطانيا تقوم على احتلال إيران لجزر الإمارات الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى مقابل غض الطرف عن البحرين. وأجري الاستفتاء تحت رعاية الأمم المتحدة، وجاءت النتيجة لصالح استقلال البحرين بإجماع الشعب البحريني بجميع طوائفه، وبعدها اعترفت إيران الشاه باستقلال البحرين عام 1971 وتبادلت معها السفراء واعتقد أن صفحة سوداء في تاريخ العلاقات الإيرانية البحرينية قد طويت. لكن بعد الثورة الإسلامية، أحيت إيران هذه المطامع وسجّلت محاولات لزعزعة النظام في البحرين منذ ذلك التاريخ وإلى اليوم.
يشير ناصر الشيخ عبدالله الفضالة، عضو مجلس النواب السابق مملكة البحرين(1)، أنه بعد نجاح ثورة الخميني، انقلبت الأوضاع رأسا على عقب في البحرين. وقام الشيعة، الموالون لإيران، على مدى ثلاثة عقود، بثلاث محاولات تخريبية لزعزة استقرار البحرين:
◄ المحاولة الأولى كانت بداية الثمانينات، وكان التيار الشيرازي هو المسؤول عنها. وقد كانت محاولة لقلب الأوضاع في البلد عن طريق إدخال أسلحة ومتدربين (تدربوا في معسكرات خاصة في إيران). وقد تمكنت السلطة من ضرب المخططين للمحاولة.
◄ المحاولة الثانية كانت في أواسط التسعينات (1994 – 1996)، حيث قاد هذه المحاولة هذه المرة الفرع البحريني لحزب الدعوة، وقادة هذا الحزب هم الذين شكلوا فيما بعد (جمعية الوفاق)، أكبر الجمعيات السياسية الشيعية. واعتمدت هذه المحاولة على إحداث البلبلة والفوضى وإشعال الحرائق، لتحفيز الشيعة على القيام بثورة شاملة، محاكاة لثورة الخميني.
◄ المحاولة الثالثة: بدأت يوم 14 فبراير 2011، في محاولة واضحة لمحاكاة ثورات الربيع العربي. وكان العامل الرئيس في فشل هذه المحاولة، تصدي النصف الآخر من الشعب (السنّة) لهذه المحاولة ذات البعد الطائفي الواضح، ثم دخول قوات درع الجزيرة للبحرين في مارس 2011.
لماذا البحرين
السياق التاريخي والجيوسياسي مهم لفهم أسباب اختيار إيران للبحرين بالذات لتكون بروفة لما سيقع في المنطقة الشرقية الخليجية، ومن ثمّة المنطقة الخليجية الكبرى، وإقامة “وطن قومي خاص للشيعة في الخليج”، وفق ما جاء في حديث لياسر الحبيب، شبّه فيه الشيعة باليهود المبعثرين في عدّة دول ثمّ وحّدوا كلمتهم و”طلبوا من الإمبراطورية البريطانية التي كانت مهيمنة آنذاك وطنا قوميّا لهم يجمع شتاتهم”.
وبناء على هذا المثال تساءل الحبيب “لماذا لا ينتفض كلّ الشيعة في الخليج مطالبين لهم بدولة في المنطقة”؛ وهذه الدولة هي “دولة البحرين الكبرى” (2) وزعم أن هذه “الدولة” تشمل “البحرين الصغرى، وكل الساحل الشرقي للخليج، من أعالي الكويت إلى أطراف الإمارات وقطر، مرورا بالإحساء والقطيف (السعودية)”.
ومثلما وثّق اليهود خططهم في ما يعرف بـ”برتوكولات حكماء صهيون”، وثّق آيات قم مؤامراتهم في وثيقة حملت اسم “الخطة الخمسينية”، وهي الخطّة التي تحدّث عنها هادف الشمري في كتابه “الخطة الخمسينية (الإيرانية) وإسقاطاتها في مملكة البحرين”. ويذكر الشمري في كتابه أن أسبابا عديدة تجعل البحرين غير محصّنة من الخطة الخمسينية، منها أن البحرين دولة صغيرة في مساحتها وفي عدد سكانها، وجزء منهم من الشيعة، وولاء بعضهم لإيران، التي احتلت البحرين فيما سبق، وما زالت لليوم تحاول ضمّها كما يعلن ذلك المسؤولون الإيرانيون من حين لآخر”.
ويضيف الشمّري أن “هذا الخطر هو نتاج تخطيط محكم وعمل دؤوب من زمن بعيد. ويتجدّد هذا التخطيط مع تغيّر المعطيات والأوضاع.
ومن هذه الخطط ما عرف بالخطة الخمسينية التي ترجمها من الفارية عبدالرحيم البلوشي ليطّلع عليها أبناء العروبة والإسلام وليأخذوا حذرهم من خطط ومؤامرات الصفويين الجدد وبروتوكولات آيات قم وخططهم السرية”. وهذه البروتوكولات تشمل العراق واليمن ودول الخليج العربي، انطلاقا من البحرين، ودول عربية أخرى، بدأت مع تجربة حزب الله في لبنان، وتتواصل مع محاولات مستميتة لإيجاد موطئ قدم في مصر ودول المغرب العربي ودول إسلامية على غرار باكستان وأفغانستان.
ما هي الخطة الخمسينية
تذكر المراجع أن الخطة الخمسينية، التي ظهرت في أواخر التسعينات، هي خطة سريّة أعدّها مجلس شورى الثورة الثقافية الإيرانية ووجّهها إلى المحافظين في الولايات الإيرانية، وتهدف الخطة، المشتملة على خمس مراحل، مدّة كل منها عشر سنوات، إلى تصدير الثورة، لكن بأساليب أقل حدّة عمّا اتبعه آية الله الخميني، للوصول إلى الهدف ذاته وهو السيطرة على المنطقة.
ولئن كانت حقيقة وجود الخطة الخمسينية من عدمها غير مؤكدة، على غرار بروتوكولات حكماء صهيون، إلا أن شواهد عديدة وكثيرة مطبقة على أرض الواقع في البحرين، وغيرها من الدول المستهدفة، تثبت أن ما جاء في هذه الخطة حقيقي ويجري العمل به، ونذكر من ذلك 4 وسائل/أسلحة من جملة ما ورد في كتاب هادف الشمري:
◄ ضرورة تصدير الثورة الإيرانية: نصّت الخطة على أن تصدير الثورة واجب، وعلى رأس الأولويات، ولتحقيق هذا الهدف، تأسست عدة أحزاب في الخارج تابعة للنظام الإيراني، من بينها حزب الله البحريني، الذي تأسس سنة 1985. وتقول تقارير استخباراتية إنه يعمل بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني الذي يتولّى مدّه بالسلاح والمال، على غرار حزب الله اللبناني، الذي وقف بكل قوة، مع المعارضة المدعومة من إيران خلال أحداث 2011، التي حاولت استلهام نموذج “الربيع العربي” وسخر قناة (المنار) لمحاولة دعم تصدير ما جرى في ذلك الوقت في تونس واليمن ومصر وليبيا وسوريا إلى البحرين.
◄ السعي لامتلاك القوة والسلاح: بحسب المؤلف، فإن شيعة البحرين يقيمون منذ سبعينات القرن المنصرم المعسكرات التدريبية في مزارعهم وحسينياتهم، على استخدام السلاح بأنواعه المختلفة، كما أن إيران فتحت أراضيها ومعسكراتها لتدريبهم..
◄ السيطرة على الأراضي: دعت الخطةُ العملاءَ إلى شراء الأراضي والبيوت والشقق، وإيجاد العمل ومتطلبات الحياة وإمكانياتها لأبناء مذهبهم ليعيشوا في تلك البيوت ويزيدوا عدد السكان، وقد جاء في الخطة القول “ويجب أن نهيئ الجو في المدن التي يسكنها 90 إلى 100 بالمئة من السُنّة حتى يتم ترحيل أعداد كبيرة من الشيعة من المدن والقرى الداخلية إليها، ويقيمون فيها إلى الأبد للسكني والعمل والتجارة”. وفي شهر سبتمبر سنة 2006، اكتشفت الحكومة قضية سعي الشيعة من ذوي الأصول الإيرانية إلى شراء مناطق وأحياء بأكملها في مدينة المحرّق.
◄الإنجاب السياسي أو التفريخ السكاني: لتحقيق هدفهم السياسي الطائفي عمل الشيعة على زيادة معدل الإنجاب من خلال تعدد الزوجات، والتوسع في زواج المتعة، وإصدار الفتاوى لذلك.
ولعب تجنيس الشيعة خلال عقود مضت دورا في تكثير أعداد الشيعة الذين لم تكن نسبتهم تتجاوز 30 بالمئة من إجمالي السكان في أوائل العشرينات من القرن العشرين. يضاف إلى ذلك أنه في الوقت الذي كان الشيعة الإيرانيون يأتون إلى البحرين، ويحصلون على جنسيتها، كانت بعض القبائل العربية السنيّة تهاجر من البحرين باتجاه قطر والإمارات، بسبب الضغوط الاستعمارية البريطانية على القبائل العربية.
وتعمل هذه الخطط وغيرها على دعم المشروع الإيراني في الخليج. وهذا التركيز على البحرين، والخليج عموما، مردّه وفق الباحث عمر خليفة رشيد، مؤلف كتاب “أضواء على المشروع الصفوي الإيراني” أن الدائرة الخليجية هي البطن الرخوة مقارنة بغيرها من المناطق الأخرى المحيطة بإيران، والتي تحدّ من طموحاتها التوسعية كالكتلة التركية في الشمال الغربي، والكتلة الباكستانية والأفغانية في الشرق، والكتلة الروسية في الشمال، ومن ثمة فالممر الأقرب لممارسة النفوذ الإيراني ذي النزعة التوسعية الشيعية الفارسية دائما ما يقع باتجاه العراق ومنطقة الخليج العربي، التي تعتبرها إيران بمثابة المجال الحيوي الاستراتيجي لها.
صحيفة العرب اللندنية