الانحياز لطهران يضع العراق على طريق إيران ولبنان

الانحياز لطهران يضع العراق على طريق إيران ولبنان

بغداد – يخشى كثيرون في العراق أن يؤدي اندفاع الأحزاب الشيعية نحو حالة العداء الصريح مع الولايات المتحدة تلبية لرغبات إيران، إلى تورط البلاد في عقوبات اقتصادية، سبق أن اختبرتها في تسعينات القرن الماضي، وتعرف حجم الضرر الذي تسببه.

وتعزز هذا الشعور، عندما كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بصراحة عن خطط بلاده، في حال استجابت الحكومة لقرار البرلمان القاضي بإخراج جميع القوات الأجنبية من العراق.

وهدد ترامب بعقوبات غير مسبوقة على العراق، مشيرا إلى أن بلاده أنشأت قواعد عسكرية بمليارات الدولارات في هذا البلد، ولن تغادره ما لم تحصل على ما أنفقته عليه.

وستضع العقوبات الأميركية إن فرضت من قبل الولايات المتحدة العراق على طريق إيران ولبنان بمحاصرة النظام المصرفي والضغط على الحكومة وفرض شروط على تشكيلها ومنع أي من أعضاء الأحزاب المصنفة في قائمة الإرهاب الأميركية من المشاركة فيها.

وبعيدا عن تهديدات إدارة ترامب التي لا يمكن ضبط مزاجها أو وضعها في سياق واضح، فإن إجبار القوات الأميركية على مغادرة العراق ستكون أضراره جسيمة.

وتتمثل أخطر هذه الأضرار في إمكانية وضع الولايات المتحدة يدها على الصندوق العراقي لعوائد النفط الخام، الذي تشرف عليه واشنطن، ما يعني حرمان بغداد من موردها المالي الوحيد تقريبا.

وسبق للولايات المتحدة أن حذرت العراق من أن أموال النفط التي يجب أن تتجمع في واشنطن ثم تتدفق تدريجيا على بغداد قد تكون في خطر، إذا استمرت بغداد في سياستها المداهنة إزاء إيران.

32 مليار دولار ديون بغداد لواشنطن ثمنا لتسليح الجيش العراقي

وقد يندرج تحت هذا البند، تخلي الولايات المتحدة عن حماية الدينار العراقي، الذي مر بمرحلة طويلة من الاستقرار، على مستوى سعره أمام العملات الأخرى، بسبب ترتيبات أميركية معقدة مع دول ومصارف عربية وأجنبية.

كما أن الولايات المتحدة ستتخلى عن التزاماتها في برامج الأمم المتحدة لدعم العراق، التي تتكلف مليارات الدولارات سنويا.

ولولا هذه البرامج، لما تمكن قرابة 4 ملايين نازح سني من العودة إلى مناطقهم بعد استعادتها من تنظيم داعش بين 2016 و2018، إذ كانت مدمرة وتفتقر إلى أبسط وسائل العيش. وفي تلك اللحظة، كانت خزانة الحكومة العراقية خالية تقريبا، بسبب كلف الحرب على داعش، فما كان لها إلا الاعتماد على برامج قادتها الأمم المتحدة بدعم مباشر وكبير من واشنطن، لإعمار البنى التحتية وتعويض السكان الذين تضررت ممتلكاتهم.

وفي ملف آخر، تقول مصادر عراقية مطلعة إن بغداد مدينة لواشنطن بمبلغ قدره نحو 32 مليار دولار عن عمليات تسليح مستمرة منذ العام 2004.

وقدمت الولايات المتحدة السلاح للقوات العراقية طيلة هذه الأعوام لمساعدة العراق في مواجهة تحديات عديدة، لكن بإمكانها أن تطالب بمستحقاتها المالية متى شاءت، ولديها ما يثبت من الوثائق، وفقا لخبراء.

وفي هذا السياق أيضا، ستتوقف جميع المساعدات وبرامج التدريب الداخلي والخارجي للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية التابعة للحكومة العراقية.

وتشير إحصاءات غير رسمية إلى أن الولايات المتحدة أنفقت قرابة 4 مليارات دولار على تمويل برامج تدريبية لرفع جاهزية القوات العراقية المسلحة، من دون أن تتحمل بغداد سنتا واحدا منها.

وفي حال نفذت الأحزاب الشيعية خطة إخراج القوات الأميركية، فإن الاستثناءات التي منحتها الولايات المتحدة للحكومة العراقية بشأن استيراد الغاز من إيران، ستلغى، ما يعني أزمة جديدة في قطاع الطاقة، أو الذهاب مع طهران نحو مواجهة عقوبات أقسى.

وقالت مصادر سياسية إن العراق مهدد بخوض تجربة الحصار الاقتصادي التي اختبرها في تسعينات القرن الماضي، وأدت إلى تفكك الدولة وشيوع الرشوة في المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية، وخلقت جيلا ناقما على السلطة.

ويبرز أمام الميليشيات الشيعية الموالية لإيران تحد يتعلق بالشارع العراقي المنتفض، الذي خرج في الأساس احتجاجا على التحكم الإيراني في القرار السياسي للبلاد، فيما يطرح مراقبون أسئلة بشأن موقف الشارع من توجه الأحزاب والميليشيات الشيعية إلى تنفيذ الرؤية الإيرانية في العراق بعيدا عن مصالح شعبه، بعد أن هددت كتائب حزب الله العراقي، باستهداف صادرات نفط دول الخليج العربي المتوجهة إلى الولايات المتحدة في حال فرضت الأخيرة عقوبات على العراق.

وإذا كانت الميليشيات الشيعية قد استعملت الرسائل النصية لتهديد النواب العراقيين الذين لم يشاؤوا التصويت على قرار إخراج القوات الأميركية من العراق، فإنها عادت وهدأت قليلا من لهجتها، بالتزامن مع تلويح الرئيس الأميركي بالعقوبات.

وجاء موقف رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الذي حذر من شن هجمات على مصالح الولايات المتحدة “الآن” متغافلا عن دعوته قبل أيام ميليشيا جيش المهدي إلى الاستعداد، على خلفية مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس.

واعتبر مراقبون موقف الصدر مؤشرا على تراجع مستوى التهديدات العراقية لمصالح الولايات المتحدة، بانتظار الموقف الإيراني.

في غضون ذلك شدد رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبدالمهدي، الاثنين، على رفض العراق أن يصبح ساحة لـ”تصفية الحسابات” بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران.

ونقل بيان عن عبدالمهدي خلال استقبال سفير الصين لدى العراق تشانغ تاو قوله إن “واشنطن ساهمت مع العراق في الحرب ضد داعش، ولا نريد أن نصبح طرفا في أي صراع، ولا نقبل أن يصبح العراق ساحة لتصفية الحسابات”.

وأضاف أن “الولايات المتحدة موجودة بقرار عراقي، وانسحاب قواتها قرار عراقي أيضا، ومن مصلحتها أن تكون الحكومة العراقية قوية وليس العكس”.

العرب