في الوقت الذي شارك فيه مئات آلاف الإيرانيين في جنازة الجنرال قاسم سليمان، وضع السكرتير العام لحزب الله في بيروت، حسن نصر الله، قواعد لعب إقليمية للفترة القريبة المقبلة. وفي خطاب شديد اللهجة له، عرض نصر الله أهداف محور المقاومة برئاسة إيران: ضرب أهداف أمريكية في الشرق الأوسط بهدف إخراج القوات الأمريكية من هناك. وإسرائيل بصورة استثنائية، تقريباً، لم يتم ذكرها. سيكون الصراع -كما يتبين من أقواله- لكل المحور، وسيركز على المس بالأهداف العسكرية وممثلين أمريكيين رسميين في أرجاء الشرق الأوسط.
تتناسب أقوال نصر الله مع تقديرات سمعت فور إصابة الصواريخ الأمريكية قافلة سليماني، قائد “فيلق القدس” في حرس الثورة، عند هبوطه في بغداد ليلة الخميس. طهران والتنظيمات التابعة لها تريد استغلال الغضب على تصفية سليماني المفاجئة ثم تحويله إلى ضغط منسق، في محاولة لإبعاد الأمريكيين عن المنطقة. في البرلمان العراقي تم إعادة بحث المطالبة بإبعاد الـ 5 آلاف جندي أمريكي عن العراق. وما زال هناك وجود عسكري قليل للولايات المتحدة أيضاً في سوريا. يعد اتجاه الحركة في هذه الأثناء معاكساً: واشنطن تزيد قواتها في المنطقة على خلفية التحذير من تنفيذ عمليات انتقامية. التقدير السائد في أوساط رجال الأمن وخبراء في الشؤون الإيرانية، في إسرائيل والغرب، هو أن الإيرانيين سيرون أنفسهم ملزمين بالرد، سواء بسبب مكانة سليماني الرفيعة، الذي اعتبر نفسه بالخطأ محصناً من الإصابة، أو لالتزامهم بشكل علني المرة تلو الأخرى مؤخراً. ولكن ستضطر طهران كما يبدو إلى العثور على رد يبقي الأحداث في المنطقة تحت مستوى الحرب، على ضوء الفجوة الكبيرة بين القدرات العسكرية للدولتين، وبسبب الخوف الذي يثيره السلوك غير المتوقع للرئيس الأمريكي ترامب.
ترامب معني بمواصلة الحفاظ على صورة المستعد للذهاب بعيداً لردع العدو. السبت، وبعد التهديدات الإيرانية غرد ترامب في صفحته عبر “تويتر” بتهديد مضاد: إذا مست إيران بحياة أمريكيين آخرين فإن الولايات المتحدة قد حددت 52 هدفاً في إيران، منها مواقع حكومية ومراكز ثقافية لرد مضاد. وبعد تصفية سليماني فإن هذا التهديد يجب على إيران أخذه على محمل الجد.
ما زالت خطوات ترامب تثير تساؤلات كثيرة، كما يذكر منتقدوه في الداخل. المس بمواقع ثقافية وتراثية يخالف القانون الدولي. أما الادعاء بأن التصفية كانت مركزة وتهدف إلى منع قتل الأمريكيين فلم يتم تدعيمه حتى الآن ببينات حقيقية، وليس من الواضح إلى أي درجة استعدت الإدارة الأمريكية لسيناريوهات التصعيد التي يمكن أن تحدث في أعقاب تصفية سليماني.
اعتبارات جديدة
إسرائيل في هذه الأثناء خارج اللعبة. واتخذ الجيش مزيداً من الأمن بحجم محدود، لزيادة استعداد الدفاع جهة الشمال والجنوب. الانطباع هو أن الإيرانيين يركزون على القواعد العسكرية الأمريكية وليس على إسرائيل. مصدر رفيع سابق في حرس الثورة الإيراني، اقتبس وهو يهدد بالهجوم على حيفا، لكن الحديث يدور عن شخص لا يشغل منذ سنوات أي منصب رسمي. في الأسابيع التي سبقت اغتيال سليماني أكثرت شخصيات إسرائيلية رفيعة من التطرق لاحتمالية تعاظم المواجهة العسكرية مع إيران في سوريا والعراق. والآن يمكن لاعتبارات أخرى أن تدخل إلى المعادلة. في قمة الهرم السياسي والأمني سيضطرون إلى فحص إذا ما كان هجوم آخر لمنع تهريب السلاح لحزب الله أو إحباط تمركز عسكري إيراني في سوريا، يبرر صب الزيت على النار الإقليمية في الوقت الحالي.
أمس الأحد، أعلنت طهران بأنها لم تعد تعتبر نفسها ملتزمة بالاتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه في العام 2015. وهذا رد إيراني آخر على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق وعلى فرض العقوبات الشديدة من قبل إدارة ترامب. يقول الإيرانيون بأنهم سيخصبون اليورانيوم بالكمية التي يطلبونها، لكنهم لا يعطون تفاصيل.
قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي في أيار 2018 يبدو، بأثر رجعي، خطوة هزت الساحة الإقليمية وأدت بشكل غير مباشر إلى سلسلة الأحداث الحالية. ومهما كانت ثغرات هذا الاتفاق، فقد حافظ على إطار فرض على الطرفين قواعد سلوك ملزمة. وأصبح الآن كل شيء مفتوحاً، حتى لو كان على الإيرانيين الأخذ في الحسبان أن ترامب يستطيع، في الحالات القصوى، فحص القيام بعمليات ضد المنشآت النووية.
القدس العربي