كان قاسم سليماني أمير الإرهاب الإيراني. وحتى أيامه الأخيرة، بقي قريباً من المرشد الأعلى وتولى إدارة “فيلق الشيعة الأجنبي” الفعال الذي يُعتبر نتاجاً إيرانياً [بحتاً] ويستخدم مقاتلين من العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها من البلدان. وبالفعل، تقول السلطات الأمريكية إن قرار تصفية سليماني كان نتيجة لمعلومات استخباراتية فريدة كشفت أنه كان يجوب أرجاء المنطقة لتنسيق مجموعة وشيكة من الهجمات التي تستهدف أهدافاً أمريكية في العراق وسوريا ولبنان وغيرها من دول المنطقة. و إذا كانت هناك حقاً حالة مفادها أن التخلص من رجل واحد يمكن أن يخلّف تبعات وخيمة فعلاً على منظمة ما، فستكون هذه هي الحالة.
ولكن على الرغم من خسارة مثل هذا الوجود المسيطر، يبقى «فيلق القدس» الذي كان يرأسه سليماني منظمة كبيرة ومحترفة. فقد كان له العديد من الوكلاء الذين يتمتعون بسنوات من الخبرة. وبالتالي، سيستمر «فيلق القدس» ووكلاؤه، وخاصة «حزب الله»، في تشكيل تهديد عملياتي نافذ للغاية – فسليماني لم يكن الشخص الذي ينفذ شخصياً العمليات. وقد تواجه الولايات المتحدة تهديداً مباشراً على نحو أكبر من هذه الجماعات نتيجة الضربة الجوية الأمريكية الناجحة التي استهدفت سليماني في بغداد، على الرغم من أن الرد الأكثر ترجيحاً على المدى القصير سيكون في المنطقة وسينطوي على تأجيج النار في العراق.
وكان تقييم المعلومات الاستخبارية أن إيران ووكلاءها لن ينفذوا هجمات داخل الولايات المتحدة ما لم تستهدف هذه الأخيرة إيران بشكل مباشر. ومن شأن اغتيال سليماني أن يندرج حتماً ضمن هذه الفئة.
وتؤكّد إحدى الحالات في مدينة نيويورك على احتمال قيام الوكلاء الإيرانيين بهجوم انتقامي إرهابي. وفي هذا السياق، أُدين علي كوراني، وهو مهاجر لبناني إلى الولايات المتحدة، بقيادة خلية نائمة تابعة لـ «حركة الجهاد الإسلامي»، جناح «حزب الله» المسؤول عن العمليات الهجومية خارج لبنان، بشكل سري. وقال كوراني، الذي حُكم عليه في كانون الأول/ديسمبر بالسجن 40 عاماً، إنه كان سيُطلب منه على الأرجح تنفيذ هجوم إذا أقدمت الولايات المتحدة على اتخاذ نوعاً من الإجراءات ضد إيران، أو «حزب الله» أو قادته. وبعد إلقاء القبض على كوراني، صرّح مدير “المركز الوطني لمكافحة الإرهاب” في الولايات المتحدة نيكولاس راسموسن أمام المراسلين في تشرين الأول/أكتوبر 2017 بأن «حزب الله» كان “مصمماً على منح نفسه خياراً محتملاً في الأراضي الأمريكية كعنصر حاسم من أجندته الإرهابية”، مضيفاً أن “هذا أمر نأخذه نحن في مجتمع مكافحة الإرهاب على محمل الجدّ بشكل كبير”.
كما تمّ اعتقال رجلين آخرين يُدّعى أنهما مرتبطان بـ «حركة الجهاد الإسلامي» في منطقة نيويورك، لكن لم تتم محاكمتهما بعد. ورغم أن هذين الرجلين وكوراني كانوا يقيمون في الولايات المتحدة، إلا أنهم كانوا متورّطين في أنشطة في كافة أنحاء العالم، مما يدل على مدى الانتشار العالمي للمنظمة. وفي تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، اعترف إيرانيان آخران بالتجسس على منشقين عن “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية” في نيويورك وواشنطن. ونفذا أيضاً عملية مراقبة لمؤسسات يهودية في شيكاغو.
وأحد الأسباب التي تبرر بالضرورة عدم انحسار التهديد بهجوم مدعوم من إيران بموت قائد «فيلق القدس» هو أن المؤسسة الأمنية الإيرانية لديها تقليد بمكافأة حتى المبادرة السافرة. وكان ذلك أحد التفسيرات المحتملة لمؤامرة مدبرة عام 2011 لاغتيال السفير السعودي آنذاك في الأمم المتحدة عادل الجبير، وقد تمّ إحباطها فقط بفضل الحظ.
يُذكر أن طهران ترسل عملاء منذ عقود إلى أوروبا من أجل تنفيذ عمليات اغتيال تستهدف معارضي النظام وغيرها من أعمال الإرهاب. وينتظر دبلوماسي إيراني في فيينا محاكمته في بلجيكا بتهمة محاولة سافرة لتفجير تجمع كان سينظمه “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية” في باريس. وكان من بين الحضور محامي دونالد ترامب رودولف جولياني ورئيس مجلس النواب الأمريكي السابق نيوت غينغريتش. وكان هذا مثال آخر على مدى نشاط عملاء المخابرات الإيرانية في القارة.
لكن ثمة أيضاً رسالة حول ما سيكون عليه التأثير الرادع على أولئك المتهمين بتنفيذ هجمات خارج إيران. فالكثيرون اعتقدوا أن سليماني كان محصّناً ولا يمكن المسّ به. وقد تردد سابقاً أن الولايات المتحدة وحلفاءها كانوا يراقبونه في عدة مناسبات وقرروا عدم اتخاذ أي إجراء. ويُعتبر مقتله الآن شهادة براعة للمخابرات الأمريكية والجيش الأمريكي، كما يوجّه رسالة مفادها أنه لا يوجد أحد في مأمن من هجمات محتملة. فحين تكون في حالة من الارتياب طوال الوقت – وأنت تدرك أنك غير محصّن – فذلك يؤثّر على قدرتك على العمل.
معهد واشنطن