لماذا صالح مسلم رئيس «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في سورية؟ الأسباب كثيرة. أولاً لأن ما بعد معركة كوباني (عين العرب) ليس كما قبلها، فالهجوم الذي شنه تنظيم «داعش» لقصم ظهر الأكراد انتهى بانكسار شوكة التنظيم، على الأقل في هذا الجزء من سورية. ثانياً لأن المعركة عززت موقع اللاعب الكردي في حاضر الأزمة ومستقبل البلاد. وثالثاً لأن تصاعد الدور الكردي في المنطقة المحاذية لتركيا أثار قلق أنقرة، خصوصاً في ضوء العلاقة الوثيقة المعروفة بين «الاتحاد الديموقراطي» و «حزب العمال الكردستاني» بزعامة عبد الله أوجلان، الذي يقيم وراء القضبان في تركيا. والسبب الرابع هو التعرف إلى موقف حزب صالح مسلم من النظام السوري، الذي تحاشى في السنوات الماضية الدخول في مواجهة مباشرة مع الأكراد إلى درجة دفعت البعض إلى الحديث عن تنسيق بين الطرفين.
في بروكسيل التقت «الحياة» الزعيم الكردي السوري وأجرت معه حديثاً طويلاً هنا نص الحلقة الأولى منه:
> لماذا حرص تنظيم «داعش» على مهاجمة الأكراد في العراق وسورية بعدما كان متوقعاً أن يعطي الأولوية لمواجهة أطراف أخرى؟
– نحن على اقتناع بأن «داعش» ليس سوى أداة يستخدمها آخرون في مهمة تدميرية لأغراض معينة. حين يطرح تنظيم برنامجاً غير واقعي وغير قابل للتطبيق، فهذا يعني وجود أهداف غير معلنة. أتحدث هنا عن طرح التنظيم لدولة الخلافة التي لا يمكن تطبيقها في القرن الحادي والعشرين. أساليب التنظيم لا تخدم الإسلام ولا الخلافة. «داعش» وإخوته جزء من برنامج يرمي إلى تدمير ما هو قائم لتسهيل بناء شيء آخر لاحقاً على ركام ما تهدم. نعتقد أن «داعش» أداة تدمير. ربما لا يعلم بعض العاملين في التنظيم ذلك، وربما كان بينهم من يعلم. تجربتنا تُظهر أن «داعش» لم يكن يوماً برأس واحد أو بجسد واحد. «داعش» الذي يُستخدم ضد الأكراد يحركه بالضرورة أعداء الأكراد، أي الذين يريدون القضاء على الأكراد أو تحجيمهم أو تغيير ديموغرافية المناطق التي يوجدون فيها. هجماته الأخيرة علينا في روجافا، أي غرب كردستان (داخل الأراضي السورية) تحظى بدعم أو تشجيع ربما من أكثر من جهة.
طرفان رئيسيان يوجهان «داعش» ويدعمانه: الأول الذي يريد تغيير ديموغرافية المناطق الكردية والقضاء على الأكراد وتطلعاتهم، والثاني هو الجهة التي تخاف من التأسيس للحلول الديموقراطية التي تتبلور في مناطق وجود الأكراد في سورية. تجربتنا جديدة على المنطقة، فللمرة الأولى مثلا يُعترف بالمساواة بين الرجل والمرأة، وللمرة الأولى هناك ثلاث لغات رسمية تُستخدم على قدم المساواة في مدارس روجافا، وهي الكردية والعربية والسريانية. هذا جديد على المنطقة، وهذه المكونات موجودة في العديد من الدول. الأكراد والسريان موجودون أيضاً في العراق وتركيا. هذا النموذج الديموقراطي يثير مخاوف لدى من يرفضون الاعتراف بحقوق المكونات وحقها في التعبير عن نفسها. نحن لدينا العقد الاجتماعي، أي نوع من الدستور بين المكونات، وهو متقدم. بعض الدول الأوروبية قال إنه أكثر تقدماً من تشريعات معمول بها في بعض دول الاتحاد الأوروبي. دول الشرق الأوسط غير معتادة على فكرة التعايش بين المكونات على قاعدة الاعتراف المتبادل والحقوق والشراكة الكاملة.
> هناك من يتحدث عن خيط تركي يحرك «داعش» ضد الأكراد في العراق وسورية.
– نعم. لدينا شكوك كبيرة في هذا الموضوع، ولدينا دلائل كثيرة، خصوصاً لدى قيام التنظيم بغزو كوباني. لقد ظهرت دلائل عبر مراقبة الحدود، حيث كان هناك من يعبر الحدود للانضمام إلى صفوف التنظيم، وكانت هناك اجتماعات عند الحدود بين جنود أتراك و «داعش»، وإمداد «داعش» بالأسلحة عبر الحدود. كانت منطقة تل أبيض هي المعبر الرئيس بين تركيا و «داعش» في الرقة.
> أريد كلاماً واضحاً. أنت كمسؤول كردي، هل تتهم جهات في تركيا بدعم «داعش»؟
– إنه ليس مجرد اتهام، هناك حقائق موجودة، وقد طرحناها أمام الأتراك لدى اجتماعنا بهم، وكان ردهم: هذه الأمور إن حدثت فإن ذلك من دون علمنا، فالحدود طويلة، نحو 900 كيلومتر، ونحن لا نستطيع التحكم بها تماماً. هذا جائز، لكن الدعم عبر الحدود التركية كان مؤكداً. أنا لا أستطيع القول إن ذلك هو نتيجة قرار رسمي في المؤسسات التركية. ربما من يقوم بالعمل أطراف موجودة في تركيا سابقاً وراهناً، ولا أدري إلى أي درجة تورطت الدولة التركية في ذلك. يجب التحقيق في هذه المسائل.
> أنت تقول إذاً إن «جهات» تركية تدعم «داعش» وتشارك في مطبخه وتساهم في توجيهه؟
– نعم هذا ما نفكر فيه.
> هل يمكن أن تطلعنا على الخطوط العريضة للمشهد العسكري في مناطقكم حالياً؟
– المناطق الساخنة حالياً هي الحسكة. وهناك اشتباكات جنوب تل أبيض، وخصوصاً وسط الطريق بين تل أبيض والرقة، أي في مناطق عين عيسى وجوارها. وكذلك في جنوب منطقة كوباني هناك كر وفر واشتباكات، لكن بحجم أقل من السابق. «داعش» متحصن في بعض المواقع في صرين وجوارها وينطلق منها لشن هجمات.
أستطيع اليوم القول إننا كسرنا شوكة «داعش». «وحدات حماية الشعب» التي تواجههم مشكّلة من الأكراد وتضم مقاتلين من العرب والسريان والتركمان أيضاً. وآخر الأخبار التي بلغتنا تؤكد استخدام «داعش» أسلحة كيماوية في الحسكة ومنطقة تلبراك. صدر بيان يدعو الجهات الدولية إلى التحقيق في الأمر وفحص العينات الموجودة.
> في الحسكة عمليات كر وفر، وقد نجح الأكراد في استعادة أحياء تعذر على النظام استعادتها، ما السبب؟
– السبب واضح. الجيوش النظامية لا تستطيع محاربة «داعش». الجيش النظامي هُزم أمام «داعش» في الرقة وفي عين عيسى تحديداً وفي الحسكة. الجيش العراقي واجه الوضع نفسه في الموصل ومدن أخرى. «وحدات حماية الشعب» بتركيبتها الأيديولوجية وخبراتها القتالية والدوافع التي تحركها، تملك من تكتيكات الحرب ما يفوق «داعش». عناصر التنظيم غُسلت أدمغتهم. يريدون الذهاب إلى الجنة بعدما وعدوا بالحوريات، أي أنهم يريدون الاستشهاد أو الموت. طبعاً هذا دافع، لكن «وحدات حماية الشعب» تتفوق عليهم في التكتيكات القتالية. هذه الوحدات تملك مرونة لا تتوافر في الجيوش النظامية. ماذا تفعل نقطة ثابتة للنظام أمام هجوم بسيارة مفخخة بعشرة أطنان من المتفجرات؟
> كيف تقوّم وضع الجيش السوري في المواجهات الحالية؟
– وضع الجيش السوري مزرٍ جداً. آخر ما رأيناه كان في الحسكة. هناك في الحسكة ثلاث قوى: «وحدات حماية الشعب» تسيطر على بعض المناطق، والنظام كان موجوداً في مناطق أخرى، وهناك «داعش» الذي يشن هجمات. كانت هناك ميليشيا مؤيدة للنظام لكن قسماً منها انشق والتحق بـ «داعش» وهُزم القسم الآخر. لا تستطيع مواجهة تنظيم متطرف بمسلحين يبحثون عن المال والمغانم. الجيش السوري أيضاً لم يتمكن من الاحتفاظ بمواقع استراتيجية حول الحسكة. طبعاً لدى الجيش السوري سلاح جوي وأسلحة ثقيلة، لكن الجندي النظامي لا يستطيع الصمود أمام «داعش» في حالات كثيرة.
> هل لمستم أي مشاركة من «حزب الله» أو الميليشيات العراقية في القتال إلى جانب الجيش السوري في مناطقكم؟
– لم نلمس مشاركة من هذا النوع. ربما يقتصر الأمر على وجود بعض الخبراء.
> ما هي طبيعة علاقتكم بالجيش النظامي في مناطقكم وقربها، هل هناك تنسيق ميداني؟
– ليس هناك تنسيق. هناك تأجيل للموضوع. «وحدات حماية الشعب» هي قوات دفاعية تقاتل إذا استهدفت المناطق والمكونات. بالمناسبة، في 19 تموز (يوليو) الجاري تصادف الذكرى الثالثة لتحرير كوباني من قوات النظام. تم تطويق المراكز العسكرية والأمنية للنظام وحصلت اشتباكات فاضطرت القوات النظامية إلى الرحيل، وتبع ذلك تحرير عفرين وديريك (المالكية). لم يستهدف النظام القوات الكردية، حصلت أحياناً اشتباكات وتسببت بسقوط ضحايا. حدثت اشتباكات في منطقة الحسكة، حين هاجمت «قوات الدفاع الوطني» التابعة للنظام بعض المناطق ودارت مواجهات سقط لنا خلالها 18 شهيداً.
كانت «وحدات حماية الشعب» منتشرة على ثلاث جبهات في الحسكة، والجبهة الرابعة، وهي في الجهة الجنوبية وطولها نحو عشرة كيلومترات، كانت متروكة للنظام. سادت حال من عدم الاعتداء بين الجانبين، وحين هاجم «داعش» دافعْنا في الجبهات الثلاث التي ننتشر فيها، وهناك من لامنا لأننا لم نشارك في الدفاع عن الجبهة الجنوبية. صحيح أننا نواجه عدواً واحداً، لكننا لا يمكن أن نكون في صف واحد مع النظام الذي لا يعترف بوجودنا أو حقوقنا حتى الآن.
الجيش انسحب عنوة
> هناك من قال إن النظام انسحب من بعض المناطق طوعاً كي تتسلموها أنتم؟
– هذا غير صحيح على الإطلاق. أجرى النظام إعادة تقويم لأولوياته: أين ينتشر؟ وأين يواجه؟ هناك مسألة يجب أن يعرفها الناس، أن الجيش السوري لم يكن موجوداً فعلياً في مناطقنا، وذلك بموجب اتفاق معقود مع تركيا في 1952 يمنع وجود مراكز فعلية للجيش على مسافة ما يزيد عن 25 كيلومتراً من الحدود بين البلدين. الوجود الفعلي في مناطقنا كان للأمن والمخابرات على أنواعها، الجوية والعسكرية وأمن الدولة. كان وجود الأمن كثيفاً. مثلاً وجود 300 عنصر من الأمن في كوباني كان كافياً لكتم أنفاس الناس. في 19 تموز (يوليو) 2012 حاصر الناس مقرات الأجهزة الأمنية وطالبوا عناصرها بالرحيل بعد بعض الاشتباكات. ولم يكن أمام عناصر الأمن غير الرحيل.
> أفهم أنك تنفي أن يكون النظام سلمكم هذه المناطق؟
– نعم أنفي، وأوكد أن عناصر النظام انسحبوا عنوة.
> إذاً تقول إن ليس هناك أي تنسيق مع النظام؟
– سياسياً قطعاً، هذا التنسيق غير موجود. أحياناً على الأرض تحدث أشياء عبر طرف ثالث. مثلاً اللواء 93 الذي كان مرابطاً في عين عيسى. كانت الفرقة 17 التابعة للجيش السوري سقطت، والمسافة بينها وبين اللواء 93 ليست كبيرة، وكان «داعش» يستعد للتقدم إليه. عبر وسطاء قال الأكراد للقوة السورية هناك أعطونا الأسلحة التي في حوزتكم كي لا تسقط في يد «داعش»، لكنهم لم يتجاوبوا، فجاء «داعش» واستولى على الأسلحة، وبينها دبابات استخدمها في الهجوم على كوباني. أحيانا تراود المرء بعض الشكوك، وبينها: هل كان قائد تلك القوة متفقاً مع «داعش» على تسليمه الأسلحة؟
> هل تعتقد أن جهات في الجيش السوري تعمدت تسليم «داعش» أسلحة؟
– لا شك في ذلك. اللواء 93 دليل والفرقة 17 قبله.
> هل تقصد أن ضباطاً ضلعوا في ذلك؟
– لا أعرف ما إذا كانوا ضباطاً. لكن هناك من سهّل استيلاء «داعش» على أسلحة. ماذا حصل في تدمر؟ وماذا حصل في مناطق أخرى؟ ما استولى عليه التنظيم في تدمر يكفي الجيش السوري ليحارب على مدى شهور. لولا الحصول على مساعدة لما استولى «داعش» على كل هذه الأسلحة. هناك غموض. الأمر الغريب نفسه حصل في الموصل. هذه المسائل تحتاج إلى توضيح.
> ما هو الوضع حالياً في كوباني؟
– استمرت المعارك أربعة أشهر وأربعة أيام. وأخيراً حصلت المجزرة في 25 حزيران (يونيو) الماضي حين عاد «داعش» واستهدف المدنيين وقتل ما يزيد على 250 شخصاً. كوباني تداوي الآن جروحها ولا يزال هناك بعض المعارك إلى الجنوب منها.
> كم هو عدد ضحايا المعارك في كوباني؟
– المعركة التي استمرت أكثر من أربعة أشهر أدت إلى سقوط أكثر من 500 قتيل من «وحدات حماية الشعب» عدا عن المدنيين الذين كانوا في حدود الستين.
> وخسائر «داعش»؟
– الرقم التقريبي هو ستة آلاف قتيل.
> ما هي العناصر التي حسمت معركة كوباني؟ فلنقل أولاً كفاءة مقاتلي «وحدات حماية الشعب»، ما هو العنصر الثاني؟ هل هي غارات التحالف الدولي؟
– العنصر الأساسي هو صمود كوباني كلاًّ. الشعب كان منظماً. الذين حاربوا هم أبناء كوباني. الشعب المنظم يستطيع أن يفعل كل شيء، ثم الإيمان بالقضية، وهذا كان موجوداً لدى «وحدات حماية الشعب»، ومساعدة كل الشعب الكردي. بين من استشهدوا أكراد جاؤوا من تركيا وإيران والعراق. طبعاً ساهمت قوات التحالف في قصف «داعش»، خصوصاً بعدما تأكدوا أن كوباني لن تسقط، فقدموا مساعدة كبيرة وفعالة. وهناك قدوم مقاتلي البيشمركة من كردستان العراق الذين جاؤوا بأسلحة ثقيلة وكان لهم دور في الإسناد الناري، فضلاً عن الجانب المعنوي لمشاركتهم. شارك حوالي 158 عنصراً من البيشمركة.
> كيف سمحت تركيا لعناصر البيشمركة بالعبور والوصول؟
– أعتقد نتيجة لضغط أميركي. ربما كانوا يريدون المسألة على نحو مختلف، لكن هذا ما حصل.
> هل تلمح إلى أن الأتراك كانوا يريدون نتيجة مختلفة لمعركة كوباني؟
– كانوا يراهنون على سقوط كوباني. السلطة التركية راهنت على سقوط كوباني. وقف رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وقال: إذا لم تسقط كوباني اليوم ستسقط غداً. وكما يقول إخواننا المصريون، قالها بعظمة لسانه.
> هل صحيح أن الأميركيين أنزلوا جواً أسلحة للأكراد للضغط على تركيا؟
– نعم. أنزلوا أسلحة قدمها إقليم كردستان العراق.
> من أجل الدقة، ماذا كان موقف حكومة أردوغان من معركة كوباني؟
– كما قلت، كانوا يراهنون على سقوط كوباني. حين صمدت انقلبت حساباتهم رأساً على عقب.
> لماذا يريدون سقوط كوباني؟ لإنهاء الموضوع الكردي في سورية؟
– أعتقد أنهم، وبموجب سياساتهم التي لا ندرك كل مداها، يريدون تغيير الديموغرافيا في المنطقة الكردية كلاًّ. كوباني هي عصب رئيسي ومنطقة فاصلة (في المنطقة الكردية داخل سورية). ربما يفضلون قيام دولة سُنية في المستقبل على حدودهم ومن ضمن خرائط الشرق الأوسط التي ينوون تغييرها.
> ما هي مساهمة «الجيش السوري الحر» في معركة كوباني ومجمل القتال؟
– «الجيش الحر» كان موجوداً عبر «بركان الفرات» و «ثوار الرقة» و «شمس الشمال»، وهم من إخواننا العرب وبعض التركمان. كانوا وحدات صغيرة تقاتل إلى جانب «وحدات حماية الشعب» وقدموا عشرين شهيداً خلال المعارك.
> ما هي طبيعة العلاقة بين «الجيش الحر» والمقاتلين الأكراد داخل حلب حالياً؟
– هناك اتفاق محلي عسكري يقضي بعدم الاعتداء. طبعاً هناك من يحاول خرق ذلك وحصلت اشتباكات أوقفها تدخل العقلاء. هناك بعض التوتر ولكن ليس هناك اشتباكات.
> كيف تصف الوضع في منطقة عفرين؟
– الوضع جيد. «وحدات الحماية» اتخذت تدابيرها لحماية المناطق، وهي متأهبة لأن الحرب تدور على أطراف عفرين في إدلب وأعزاز حيث تدور معارك ضارية بين التنظيمات الإسلامية.
> كم تبلغ نسبة الدمار في كوباني؟
– نحو 80 في المئة من المدينة.
> هل تنوون إعادة إعمارها؟
– هناك بحث في إعادة الإعمار. الدمار في القرى المحيطة أقل، لهذا رجع إليها السكان. وهناك مخيم لمن ينتظرون إعادة تأهيل منازلهم. عقد مؤتمر في آمد في ديار بكر في أيار (مايو) الماضي. شُكلت لجان لإعادة إعمار كوباني. وعقد مؤتمر في البرلمان الأوروبي في الأول من تموز (يوليو). يجري حالياً إعداد مخططات، ونحن مصممون على إعادة بناء كوباني في شكل جديد.
> هل تسعون إلى ربط المناطق الكردية الثلاث، خصوصاً بعد معركة تل أبيض؟
– نحن أعلنا ثلاثة كانتونات في الجزيرة وكوباني وعفرين اضطرارياً. لماذا اضطرارياً؟ بعد تحرير كوباني في 2012 اجتمع ممثلو المكونات، أي الأكراد والعرب والسريان والتركمان، وقرروا في 2013 تشكيل كانتونات. لم يكن هناك تصور إلى أين تتجه الأوضاع في سورية. والمناطق الممتدة من ديريك (المالكية) إلى عفرين كانت كلها مهملة. لم يكن أمام الناس غير الاهتمام بشؤونهم. في تل أبيض (غريسيبي) لا نعرف ماذا سيقرر أهلها. شكلوا مجلس أعيان وسيوسعونه ليكون العدد أكبر والتمثيل أوسع. نحن نحترم ما يقرره الأهالي ويتفقون عليه. إذا قرروا الانضمام نحترم رغبتهم، وكذلك إذا اتخذوا قراراً آخر. شعب هذه المنطقة كان مكتوم الأنفاس في ظل «داعش». الآن استعاد حريته وله أن يقرر. بالأمس اتصلت بهم في تل أبيض. العرب والأكراد يتبادلون الدعوات لمناسبة العيد ويتبادلون التهاني بالانتصارات. نحن نثق بالناس وقرارهم.
> هناك اتهامات لكم بممارسة التطهير العرقي ضد العرب السُنّة، خصوصاً بعدما رفضتم استقبال لجنة تقصي الحقائق التابعة لـ «الائتلاف الوطني» المعارض؟
– الاتهامات موجودة مذ خلقنا الله، لذلك لن نرد عليها.
> هل تنفي حصول تطهير؟
– قلت لك إن العرب والأكراد في تل أبيض يتبادلون الدعوات. ننفي هذا الكلام قطعاً. المؤسسات التي زارت المنطقة اكتشفت ألا أساس لهذه الاتهامات. أنتم كصحيفة تستطيعون زيارة المنطقة والتأكد بأنفسكم. التطهير العرقي غير وارد على الإطلاق. الشعب هو من سيقرر ماذا يريد.
قصة لجنة تقصي الحقائق مختلفة. معروف أن «الائتلاف» كان يؤيد «داعش». كلما انكسر «داعش» في منطقة كانوا يسارعون إلى الولولة قبله. الآن «داعش» ينكسر في الحسكة. غداً ستسمعهم يولولون ويبكون على المدنيين. هناك خط في «الائتلاف» مؤيد لـ «داعش». راجع البيانات والاتهامات بالتطهير العرقي. اللجنة التي شكلها «الائتلاف» أصدرت بيانها قبل القيام بزيارة. بعد ساعات من إطلاق أردوغان اتهاماته، جاءت اتهامات «الائتلاف». حين حاولت (اللجنة) الذهاب إلى تل أبيض قيل لهم إنكم أصدرتم حكمكم سلفاً، إما أن تتنكروا لما قلتموه وإلا فلن تكونوا مقبولين. جاءت منظمات أخرى وأعطت تقاريرها.
> هل تعتقد جدياً بوجود فريق في الائتلاف يؤيد «داعش»؟
– راجع البيانات التي يصدرها سالم المسلط المتحدث باسم «الائتلاف» الذي يضطر أحياناً إلى التوضيح والاستدراك.
> هل تعتقد أن الخيط الذي تقول إنه يربط بعض «الائتلاف» بـ «داعش» يمر في إسطنبول؟
– هذا ما نعتقده. «الائتلاف» لن يكون حراً في رأيه إذا بقي في إسطنبول. وحين يخرج يكون هناك بحث آخر.
التعريب القسري
> هل يمكن أن يكون هناك فريق من الأكراد يحاول الإفادة من التطورات للثأر مما كان يسميه التعريب القسري في المناطق الكردية؟
– الموضوع ليس بهذا الشكل. نحن نعتقد أن أخطاء فظيعة ارتكبت في منطقتنا في بداية القرن العشرين في حوض نهر الفرات وحوض نهر دجلة وحولهما. أعتقد أن القرن الحادي والعشرين جاء ليصحح هذه الأخطاء. هناك مجازر الأرمن والأشوريين التي حدثت قبل سايكس بيكو الذي رسم الحدود بغض النظر عن إرادة بعض المكونات. أظن أن المرحلة الحالية تشهد تصحيحاً أو معالجة للأخطاء القديمة، بما فيها سياسة التعريب التي كانت جائرة طبعاً. قلنا لإخواننا العرب أنتم تعرضتم للظلم أيضاً حين أخرجتم من أراضيكم وجيء بكم إلى المناطق الكردية. وظلموا الأكراد حين استولوا على أراضيهم وهجروهم. الظلم لحق بالطرفين.
الحقيقة أن حزب «البعث» نفذ حتى اندلاع الأحداث في 2011 سياسة ترتكز على دراسة أعدها في 1962 ضابط صغير يدعى محمد طلب هلال. اقترحت الدراسة عملية استيطان في المنطقة الكردية، أي شيئاً مشابهاً للمستعمرات التي تنشئها إسرائيل، وهو أشار إلى ذلك تحديداً. هذه السياسة ألحقت ظلماً فادحاً بالعلاقات التاريخية بين العرب والأكراد. أعتقد أن القرن الحادي والعشرين يعطي فرصة لمعالجة هذه الأخطاء.
> ولو أدى ذلك إلى تغيير في الخرائط؟
– الخرائط التي رسمت في حينه لم تكن تعبر بدقة عن الواقع. «داعش» أسقط الحدود. الخرائط لا تعبر عن الواقع في سورية ولا في العراق ولا في أماكن أخرى. لا يهمنا أن تتغير الخرائط أو لا تتغير. يهمنا أن تحترم إرادة المجموعات وتطلعاتها. إذا تغيرت العقليات تمكن الاستعاضة عن تغيير الحدود. على سبيل المثال، الحدود السورية-التركية قسمت الشعب الكردي. قلت لك إن أكراداً من إيران سقطوا شهداء في كوباني. ثمة أكراد من تركيا جاؤوا واستشهدوا في كوباني. أكراد كردستان العراق جاؤوا واستشهد عدد منهم. حين يستشهد شبان من الأجزاء الأربعة من كردستان في معركة كوباني، ماذا يبقى من معنى الحدود؟ لن يغير شيئاً بقاء الحدود أو تَغَيّرها. المهم هو العلاقات بين المكونات. أنا أريد العيش مع إخواني العرب، سواء أكنت على حدودهم أو لا. نحن حالياً نسعى إلى تعزيز العلاقات مع مصر مثلاً. نحن حريصون على العلاقات الكردية-العربية.
> ألا تثير فكرة الإدارات المحلية قلق العرب؟
– المفروض ألا تثير. هذا المشروع لا يخص الأكراد وحدهم. إنه مشروع مستقبلي بالنسبة إلى كل سورية. نحن نعتقد أنه لو طبق أهالي درعا واللاذقية ودمشق ما فعلناه نحن في مناطقنا، لتخلصت سورية من الاستبداد ولما كان هناك مكان لـ «داعش»، ولكانوا تخلصوا من أجهزة النظام ولما تمكن المتطرفون من تحقيق ما حققوه.
> هناك من يقول إن لديكم دستوراً وتجنيداً إلزامياً ومكتب علاقات خارجية. ألا يشكل ذلك كياناً كردياً مقنعاً على أنقاض سورية الموحدة؟
– لا، لكننا أرغمنا على اتخاذ خطوات ونحن نسعى إلى تعميمها في كل سورية. نحن مرغمون على إقامة العلاقات التي تشير إليها. لا النظام السوري يعترف بنا ولا تركيا تعترف. نحن نقول مشروعنا لكل سورية ولكل السوريين. نحن نحاول اليوم عقد مؤتمر لكل أطراف المعارضة السورية، وليعقد في مناطقنا بدلاً من موسكو وجنيف وإسطنبول.
> هل أفهم أنكم لا تريدون تقليد نموذج إقليم كردستان العراق؟
– بالتأكيد لا. ظروفنا مختلفة عن ظروفهم.
> هل الأكراد أكثرية في ما تسميه روجافا (غرب كردستان)؟
– نعم، إنهم الأكثرية. نعتقد أن أكثر من 90 في المئة في كوباني هم من الأكراد وأكثر من 70 في المئة في الحسكة.
> كم هي نسبة الأكراد في سورية بمجملها؟
– استناداً إلى إحصاءات بريطانية في 1926، يتبين أن الأكراد كانوا يشكلون 15 في المئة من السكان.
> وهل لا تزال النسبة نفسها؟
– إذا لم تكن أكثر فهي ليست أقل.
> ونسبة العلويين؟
– لا أعلم بدقة، كان يقال إنهم بين 10 و12 في المئة، أي أن الأكراد أكثر.
> ومع ذلك لا تريدون إقليماً على نمط كردستان العراق؟
– نحن حين نقول روجافا لا نتحدث عن حدود جغرافية معينة. الأمر ذاته بالنسبة إلى الجزيرة. نحن نقصد منطقة جغرافية لها تسمية معينة. ليس المقصود رسم حدود رسمية.
> ما هي الأسايش لديكم؟
– إنها قوات الشرطة، أي الأمن الداخلي.
> كم يبلغ عدد أفراد «وحدات حماية الشعب»؟
– حوالى 50 ألفاً.
> والشرطة؟
– بالآلاف أيضاً.
> كم يبلغ عدد المقاتلين الأجانب لديكم؟
– هذا موضوع رمزي. إنهم حفنة من البريطانيين والأميركيين والأستراليين والأتراك اليساريين. وجودهم رمزي.
حوار صحفي
أجرى الحوار- غسان شربل
الضيف- صالح مسلم:رئيس حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا
نشر- صحيفة الحياة اللندنية