الخارجية الإيرانية وعينها الحولاء

الخارجية الإيرانية وعينها الحولاء

IRAN.Turkey

شنت القوة الجوية التركية في 24تموز/يوليو الحالي ضربات على مواقع تنظيم “الدولة الإسلامية” في شمالي سوريا وحزب العمال الكردستاني في شمالي العراق. وقد جاء ذلك الهجوم نتيجة للتطورات الأمنية التي شهدتها تركيا، ولعل من أهمها وقوع العملية الانتحارية في 20تموز/يوليو الحالي، بالمركز الثقافي مدينة “سوروج” جنوبي شرقي البلاد، وسقط جرائه أكثر من 30 قتيل ومئات الجرحى من أكراد تركيا.

ونظراً لطبيعة هذه العملية التي تحمل بصمات تنظيم “الدولة الإسلامية”، أعلن رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو أن العناصر الأولى للتحقيق تفيد بأن تنظيم الدولة يقف وراء تلك العملية. وتبني بعدها حزب العمال الكردستاني قتل شرطيين تركيين انتقاماً من الحكومة التركية، الذي يلقي على عاتقها مسؤولية العملية الإرهابية، ليتبعه اشتباك القوات الحدود التركية مع عناصر من تنظيم “الدولة الإسلامية”. ولم يتأخر الرد الإيراني على الهجوم الجوي التركي، حيث انتقدت الناطقة الرسمية باسم الخارجية الإيرانية، مرضية آفخم ذلك وطالبت تركيا بحسب قواتها واحترام سيادة الدولة السورية.

وأقل ما يمكن أن يوصف به هذا الانتقاد بأنه يندرج في إطار ما يسمى بالكوميديا السوداء، وفي هذا السياق سنجري اختباراً بسيطاً على مدى احترام إيران لسيادة الدول في المشرق العربي، إذ يرتكز الاختبار في الأساس على السياسات الإيرانية الواقعية وليس على بياناتها الدبلوماسية حيال دول المنطقة. فمنذ الثورة الإيرانية عام1979م، تقوم السياسة الخارجية الإيرانية على التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، حيث اتسع نطاقه لا سيما بعد الاحتلال الأميركي للعراق. وتحديداً منذ عام 2006 م وحتى يومنا هذا، وهي تستحكم على النظام السياسي العراقي بشقيه الحكومي وغير الحكومي، من خلال أدواتها المختلفة سواء كانت أحزاب او حركات سياسية ارتبطت بها ارتباط وثيق مثل حزب الدعوة والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي والتيار الصدري و”حزب الله” فرع العراق، و”الحركة المهدية” و”منظمة العمل الإسلامي” وحركة “ثأر الله”، أو مؤسسات دينية شيعية مثل سيطرتها على الحوزة الدينية في النجف. أو سيطرتها على العديد من هيئات ومؤسسات المجتمع المدني في العراق، حيث تنشط هذه المؤسسات في العاصمة بغداد والمحافظات الجنوبية والفرات الأوسط. ومنها على سبيل المثال: مؤسسة الإمام السجاد الخيرية، ومؤسسة الامام المهدي، ومؤسسة روح الله، مؤسسة الخطيب الثقافية الإسلامية، مؤسسة الخميني الخيرية، وهيئة المرئي والمسموع المرتبطة بمنظمة بدر. لتمسك إيران في العراق بالمجالين السياسي – الديني والمجتمعي. وعليه، لابد لمن يشغل منصب رئيس الوزراء في عراق ما بعد عام 2003م، أن يحظى بموافقة طهران عليه.

وما تطويع نتائج الانتخابات النيابية العراقية التي جرت في صيف عام 2010م، واصرار إيران على أن يكون نوري المالكي رئيس قائمة دولة القانون رئيسا للحكومة العراقية بدلاً من السيد إياد علاوي رئيس القائمة الوطنية العراقية دليلاً على التدخل الإيراني السافر في الشأن العراقي الداخلي، وانتهاك صريح لسيادة العراق الداخلية. ويستكمل هذا الانتهاك حلقاته في بُعده الأمني لتصبح إيران هي من تقود مليشيات “الحشد الشعبي” العراقي بقيادة قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” -الذي يعد أحد تشكيلات القوة بالحرس الثوري الإيراني- في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بالعراق.

ولعل التصريح الذي أدلى به علي يونسي نائب الرئيس الإيراني حسن وحاني ومستشاره للشؤون الدينية والأقليات في 11أذار/مارس من هذا العام، يُجمل توجهات السياسة الإيرانية تجاه العراق ونواياها الاستعمارية، إذ صرّح:”إن إيران أصبحت الآن امبراطورية، كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا، وهي”أي بغداد” مركز حضارتنا وثقافتنا كما كانت في الماضي”. إذ استفز التصريح من جانب المشاعر العربية لما انطوى عليه عجرفة واستعلاء، ومن جانب آخر، مثّل تعديا واضحا على قواعد القانون الدبلوماسي.

وفي الحالة السورية، ولأجل الحفاظ على مصالحها هناك، أرسل الحرس الثوري الإيراني مليشيات “حزب الله” اللبناني لتقاتل إلى جانب بشار الأسد، في مواجهة تطلعات الشعب السوري في التحول الديمقراطي والتخلص من قهر الحكم الشمولي، وعندما أدركت طهران بأن تلك الميليشيات ليس بوسعها منفردة من مجابهة الشعب السوري، قامت بتدريب ميليشيات شيعية غير منتمية لـ”حزب الله” وزجها في المعارك بين بشار الأسد وقوى المعارضة، حيث تشكلت عدة ألوية لتلك المهمة ومن جنسيات مختلفة، تابعة للحرس الثوري الإيراني ومن هذه الألوية على سبيل المثال لواء “أبو الفضل العباس” وعناصره من العراقيين اللاجئين المقيمين في سوريا، ولواء “حيدر الكرار” وهو الفرع السوري لعصائب ميليشيات أهل الحق العراقية. ولواء “فاطميون” الذي يضم مجندين أفغان من الهزارة، وهي مجموعة سكانية من أصول مغولية تتركز في وسط أفغانستان، ولها امتدادات في باكستان وتتكلم الفارسية إلى جانب لغة محلية، كما تنتمي فقهيا للمذهب الإثني عشري. ولواء “الزينبيون” يتكون من مئات الشباب الباكستانيين الشيعة من أبناء غرب باكستان خاصة القبيلتين “توري” و”بنجش”.

وفي هذا الإطار، يمكن القول بأن الدولة الإيرانية التي تتخذ من مبادىء الشريعة الإسلامية أساسا ناظما لمسألة الحكم، تتصرف بمفارقة واضحة عندما تستغل حاجة الشباب الشيعي في باكستان وأفغانستان، ليقوم الحرس الثوري الإيراني بتوظيف معاناتهم الاقتصادية والاجتماعية، وإقناعهم بأن القتال في سوريا هو السبيل لخروجهم من دائرة الفقر والتهميش وتحقيق الحياة الكريمة.

وفي ذات السياق، ولأنها حرب إيران للإبقاء على مصالحها ونفوذها عبر سوريا قام الحرس الثوري الإيراني باستدعاء مقاتلين من جماعة الحوثيين اليمنية للمشاركة في القتال إلى جانبها في سوريا، فمصالحهما متطابقة هناك، فالحوثيون يرون في سقوط حكم بشار الأسد الشمولي، اضعافا لمشروعهم في اليمن، لأنه سيقطع عليهم اتصالهم بلبنان وطهران، لذا يمثل استمرار الأسد بالحكم واحدا من أسمى أهداف الحوثيين في سوريا.

أما في الحالة الحوثية، استغلت إيران انشغال الدول العربية بخلافاتها البينية العميقة التي نجمت عن أحداث الربيع العربي، موظفة هشاشة الوضع اليمني بمختلف مستوياته لتقديم الدعم المالي والعسكري لجماعة الحوثيين، وصولا لإحكام سيطرتها على كامل التراب اليمني، وذلك لتعزيز الوجود الجيوستراتيجي الإيراني عند مضيق باب المندب على البحر الأحمر. ولتحقيق ذلك استطاع الحوثيون بالتعاون مع الثورة المضادة التي تزعمها الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في 21أيلول/سبتمبر عام2014م، من السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء، وقد علّق علي رضا زاكاني النائب في البرلمان الإيراني وهو الشخص المقرب من مرشد الثورة الإيراني علي خامئني على تلك السيطرة بالقول: “أن العاصمة اليمنية صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التابعة لإيران بعد بيروت وبغداد ودمشق” واعتبر زاكاني أن”الثورة اليمنية امتداد طبيعي للثورة الإيرانية”. وأضاف قائلاً “بالتأكيد فإن الثورة اليمنية لن تقتصر على اليمن وحدها، وسوف تمتد بعد نجاحها إلى داخل الأراضي السعودية، وإن الحدود اليمنية السعودية الواسعة سوف تساعد في تسريع وصولها إلى العمق السعودي”.

أما في الخليج العربي فإن إيران تدعم المعارضة العسكرية في دول الخليج العربي وخاصة في المملكة العربية السعودية والبحرين، لتأسيس كتائب مسلحة تعمل على زعزعة استقرار البلدين. ففي 8 حزيران/يونيو الماضي أحبطت وزارة الداخلية البحرينية مخططاً إرهابياً للمعارضة البحرينية، لتنفيذ سلسلة من الأعمال ضد مؤسسات ومسؤولين في الدولة. وذكرت وكالة أنباء البحرين أن الوزارة تمكنت من تحديد هوية عدد من أعضاء ما يسمى تنظيم “سرايا الأشتر” الجناح البحريني، واعتقلت قياديين ميدانيين بالتنظيم متورطين في ارتكاب سلسلة من “الجرائم الإرهابية” الخطيرة. ونشرت الوكالة ذاتها أسماء 14 متهما بالانتماء إليها.

وقال رئيس الأمن العام البحريني اللواء طارق الحسن، في اتصال أجراه مع قناة العربية إنه “بدأ تشكيل هذا التنظيم في أواخر عام 2012 بهدف استهداف رجال الأمن، وقد تدربت هذه المجموعة الإرهابية في معسكرات تابعة لما يسمى بكتائب “حزب الله” العراقي، وتتلقى الدعم والقيادة من عناصر موجودة في إيران”، مشيراً إلى أنه” تم تدريبهم في العراق، ويوجد عناصر في العراق وإيران هي التي تدعم هذا التنظيم سواء كان بالتدريب أو بالمواد المتفجرة والسلاح والذخيرة”.

وكان مجلس الوزراء البحريني قد أعلن في الرابع من آذار/مارس 2014 تنظيم “سرايا الأشتر” منظمة “إرهابية” وقد سبق أن تبنى التنظيم عدة هجمات على رجال الأمن. وفي هذا الصدد كتب وزير الخارجية البحريني، الشيخ خالد بن أحمد، تغريدتين على حسابه على موقع “تويتر” قائلاً:” سرايا الأشتر تلقوا التعليمات من إيران وتدربوا في معسكرات في العراق… وقبض عليهم قبل تنفيذ إرهابهم في البحرين”. وقال في تغريدة أخرى: ” العراق الذي نشارك في حربه على الإرهاب الداعشي، ونذهب إلى أقصى الدنيا للدفاع عنه، نتوقع منه وقفة جادة مع من يدرّب ويهرّب الإرهاب للبحرين.

بناء على ما تقدم ، وأمام هذه المعلومات المشار إليها آنفاً، فانه لا يحق للمتحدثة باسم الخارجية الإيرانية أن تطلب من تركيا احترام سيادة الدولة السورية، بينما تنتهك دولتها من خلال أجهزتها الأمنية والعسكرية المختلفة ومليشياتها العابرة للحدود الوطنية سيادة الدول العربية الأخرى. فعلى إيران قبل أن توجه نقد لسلوك أي دولة، عليها أن تراجع سلوك سياساتها  الخارجية، وتعمل على تقييم خطابها الدبلوماسي؛ لتعرف حجم الفجوة المضطردة بين القول والفعل.

خلاصة القول، إن غارات المقاتلات الجوية التركية كانت غايتها الدفاع عن الدولة، وهذا حق نص عليه أحكام قواعد القانون الدولي العام، وليس الهدف منها انتهاك سيادة السورية. فإيران تعلم علم اليقين من الذي وأد السيادة السورية ويتطلع للإنقضاض على غيرها خدمة لمشروعه القومي.

ولما كانت لغة المصالح هي الموجه للسياسة ومفاعيلها، فان المصلحة التركية العليا تقتضي بصيانة حدودها، ومنع التسلل إلى الداخل البلاد للقيام بعمليات ارهابية،  والسؤال الذي يطرح هنا حول ازدواجية الموقف الايراني، الذي انتقد تركيا في لحظة معينة لعدم انخراطها في مقاتلة تنظيم “الدولة الاسلامية”، وهو الان يعتبرها تنتهك السيادة السورية، بعد توجيه ضرباتها الجوية للتنظيم. حقا انها السياسة الخارجية الايرانية التي تنظر الى مواقف غير بعين مصالحها الحولاء.

د.معمر فيصل خولي

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية