تدخل شركات النفط الأجنبية، وتحديداً الأميركية، العاملة في العراق على خط كل الأزمات في كل مرة، وبالعادة يكون الطرف الآخر هو المليشيات العراقية المرتبطة بإيران، رغم محاولات حثيثة وسابقة للشركات الأميركية وحتى البريطانية والأوروبية منها للابتعاد عن أي حسابات سياسية في العراق.
وحسب مصادر عراقية مسؤولة، فإن هذه الشركات تقع حالياً تحت مرمى وتهديد عدة فصائل مسلحة لوحت بأنها ستستهدف المصالح الأميركية دون تمييز أو تحديد نوع تلك المصالح، وذلك بعد سلسلة الأحداث المتسارعة، عقب استهداف قاعدة عسكرية أميركية في كركوك، أعقبها ردٌ أميركي على مجاميع من مليشيا كتائب حزب الله في منطقة عراقية على الحدود مع سورية، ثم اقتحام السفارة الأميركية ببغداد من أتباع ذات الكتائب.
ولا تبدو الأوضاع هادئة بعد اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني ببغداد، برفقة القيادي بالحشد أبو مهدي المهندس.
وأعلنت أخيراً، شركة “شيفرون كورب” الأميركية للنفط (تنتج أقل من 200 ألف برميل نفط يومياً) أنها أجلت موظفيها الأجانب من إقليم كردستان كإجراء احترازي.
وبلك تنضم “شيفرون” إلى غيرها من الشركات النفطية الكبرى التي سحبت موظفيها في جنوب العراق، التي انسحب بعض من موظفيها والعاملين فيها، بسبب التهديدات المتصاعدة، ومحاصرة أنصار الحشد الشعبي للشركات التي تجري منذ أيام وتحديداً شركة “إكسون موبيل” الأميركية بالبصرة، حيث يتظاهر عشرات من عناصر الحشد، رافعين راية منددة بالضربة الأميركية التي قتل فيها سليماني وأبو مهدي المهندس، وحذر المتظاهرون، بحسب وسائل إعلام عراقية، العاملين في الشركة الأميركية من أن “قادتهم قتلوا وعلى الأميركيين أن يرحلوا من العراق”.
وكان مسؤولون أميركيون دعوا مواطني بلدهم الأسبوع الماضي إلى مغادرة العراق بعدما أودت ضربة بطائرة مسيرة سليماني والمهندس، وهو ما سيؤثر على العلاقات العراقية مع الخارج، خصوصاً أن الشركات ترتبط بالبعثات الدبلوماسية والسفارات وشركات النفط الغربية، والتي يتكفل برنامج تابع للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بتوفير الحماية لها، بحسب مسؤولين عراقيين أفادوا بذلك لـ”العربي الجديد”.
ولا تشعر بلدان العالم التي لديها موظفون بالراحة لما يحدث في العراق، فقد أعلنت حكومة كوريا الجنوبية تعزيز الحماية لنحو 1900 كوري جنوبي في العراق وإيران، وأنها تتوقع أزمة متصاعدة في العراق قد تؤدي في النهاية إلى إخلاء بلاد الرافدين من الكوريين.
وتتشارك الصين مع وجهة نظر كوريا، كما هو الأمر مع دول آسيوية مثل الفيليبين، أن أمر رئيسها رودريغو دوتيرتي، الجيش بالإعداد لنشر طائراته وسفنه “في أي لحظة” لإجلاء الآلاف من العمال الفيليبينيين الذين يقدر عددهم في العراق وإيران، بأكثر من 7 آلاف عامل فيليبيني، ومنهم من يعمل في منشآت أميركية وأجنبية ومؤسسات تجارية في بغداد.
في السياق، قال مسؤول من وزارة النفط العراقي غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام، تحدَّث مع مراسل “العربي الجديد”، إن “رئيس الوزراء عادل عبد المهدي اجتمع مع وزير النفط ثامر الغضبان، أخيراً، وقد اتفقا على أهمية إلزام الفصائل المسلحة وجماهيرها بأن تكون بعيدة عن المنشآت النفطية والعاملين الأجانب فيها.
وكان عبد المهدي قد وعد الغضبان بإصدار أوامر شخصية للفصائل والحشد الشعبي، لكن بعد الاجتماع بيومٍ واحد انطلقت احتجاجات في البصرة لأتباع الحشد الشعبي وقد طوقوا شركات نفطية أميركية”؛ مبيناً أن “خسارة العاملين الأجانب وعدم تعويضهم بعمال محليين يعنيان أن تأثيرات سلبية كثيرة ستلحق بالشركات، لا سيما وأن الحكومة العراقية الحالية لا تملك صلاحيات كثيرة وهي باقية في سبيل تصريف الأعمال لا أكثر”.
واستبعد المسؤول أن “تستهدف المليشيات أي مصالح أميركية في العراق، عدا الأهداف العسكرية المرتبطة بالوجود في القواعد التي تنتشر في بغداد وشمال البلاد؛ وبالتالي فإن استهداف العاملين قد يكون في خطوة ثانية تستخدمها الفصائل في سبيل الضغط على الحكومات الأجنبية وأبرزها واشنطن من أجل سحب قواتها”.
وحسب مسؤول وزارة النفط العراقي، فإن “معلومات كثيرة وردت إلى وزارة النفط ولجنة النفط في البرلمان العراقي، تفيد بأن فصائل مسلحة منها “النجباء وسيد الشهداء وحزب الله” خططت خلال اليومين الماضيين لاختطاف عاملين أجانب من الحقول النفطية وشركات الطاقة، وقد تم تبليغ رئيس الحكومة بذلك، وأمر بتوفير فوجين من جهاز مكافحة الإرهاب لتأمين الحقول في جنوب البلاد”.
إلا أن المسؤول النفطي أكد أن التطمينات التي وجهتها الحكومة بشكل مباشر لشركات أميركية عاملة في مجال الطاقة اليومين الماضيين لم تسهم في تهدئة مخاوف موظفيها، حيث تم فعلا نقل عدد من الموظفين والمهندسين الأميركيين العاملين في تلك الشركات بالبصرة ومناطق أخرى جنوب وشمال البلاد إلى الإمارات أو الأردن تحسبا من عمليات انتقامية تنفذها فصائل مسلحة”.
وردا على سؤال من “العربي الجديد” حول إمكانية ملء الكوادر النفطية العراقية الفراغ الأجنبي في حال الانسحاب، شدد المسؤول على أن العراق قادر على تعويض أي فقدان في الإنتاج من خلال كوادره المحلية التابعة لوزارة النفط، لكن من المبكر الحديث عن ذلك الآن.
أما عضو مجلس النواب العراقي، عن تحالف “الفتح” المدعوم من إيران عامر الفايز، فقال إن “الحكومة العراقية تمنع أي اعتداء على الشركات الأجنبية العاملة في البلاد، وتحديداً المرتبطة بقطاعي النفط والطاقة”.
وأضوح الفايز لـ”العربي الجديد”، أن “الحالة العامة في العراق مضطربة، وهناك تظاهرات لكل شرائح المجتمع، وأكبرها الاحتجاجات التي يقودها الشباب في ساحة التحرير ببغداد وبقية المدن في الوسط والجنوب، وهي تطالب بإجلاء الموظفين الأجانب وفق ترتيب معين واستبدالهم بالمحليين من الخريجين، وهذا ما تعمل الوزارات المعنية عليه منذ أشهر، تقابل ذلك تظاهرات غاضبة لجماهير الحشد الشعبي التي باتت لا تريد أي وجود أجنبي على أراضي العراق وتحديداً بعد مقتل سليماني والمهندس، لكن هذا لا يعني الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة والشركات، وإنما هي حالة غضب شعبية قد تصعب السيطرة عليها”.
من جهته، بيَّن غانم المنصوري، وهو مسؤول محلي من البصرة، أن “الفصائل المسلحة التي تريد الثأر لسليماني والمهندس تريد قصف وضرب المصالح الأميركية، ومنها الشركات النفطية والعاملة بمجال الطاقة في الجنوب، لأن الفصائل تعتبر هذه الشركات جزءاً من خراب العراق وسرقة أمواله، ولكن هذا الحديث ترفضه الحكومة ويرفضه أيضاً بعض قادة الحشد الشعبي الذين تتوجه أنظارهم إلى القواعد العسكرية والطيران الحربي للتحالف الدولي أكثر”.
وحسب تأكيدات غانم المنصوري لـ”العربي الجديد”، فإن “اللجوء إلى ضرب الشركات النفطية سيؤثر كثيراً على الاقتصاد العراقي الذي لا يملك غير النفط في توفير أموال رواتب الموظفين. وبطبيعة الحال، لن تسمح الحكومة ولا العشائر في الجنوب أن يتم استهداف الشركات، أما انسحاب الموظفين من بعض الشركات، فهو من الإجراءات الاحترازية التي ستنتهي حين تهدأ الأوضاع في البلاد”.
ويعتقد بعض قادة المليشيات، بحسب تصريحات سابقة لهم، بأن “الشركات النفطية في العراق، لا يقتصر دورها على النفط واستخراجه وتصديره، إنما تدور فيها عمليات تجسسية على العراق وقواته وأمنه”.
وكانت الخارجية الأميركية قد دعت رعاياها إلى مغادرة العراق “فوراً” بعد ساعات من مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي و8 أشخاص آخرين كانوا برفقتهما في قصف صاروخي استهدف سيارتين كانا يستقلانها على طريق مطار بغداد بعد منتصف ليل الخميس-الجمعة.
والأحد، هدد الرئيس ترامب، بقصف 52 “هدفًا هامًا” لإيران حال استهدفت طهران أي مواقع تابعة للولايات المتحدة، ردًا على تصريحات مسؤولين إيرانيين بـ”الانتقام” على خلفية مقتل سليماني.
والعراق، ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” بعد السعودية، بمتوسط إنتاج 4.5 ملايين برميل يومياً ويعتمد على إيرادات النفط لتمويل ما يصل إلى 95 في المائة من نفقات الدولة.
العربي الجديد