سجال سياسي صاخب اندلع منذ اغتيال قاسم سليماني، فجر الجمعة الماضي، ولا تزال وتيرته ترتفع على خلفية “الحرارة” الكبيرة التي أبدتها حركة “حماس” في نعي قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني، وهو ما لاقى انتقادات عنيفة من أوساط فلسطينية وأخرى عربية، سورية خصوصاً، نظراً إلى الدور الذي أدّاه سليماني تحديداً في الحرب السورية والمجازر التي أودت بحياة عشرات الآلاف هناك، وقادتها إيران، وتحديداً سليماني. وشارك وفد ضمّ أركان المكتب السياسي في الحركة في التشييع الذي أقيم في طهران. وأحدث وصف رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية لسليماني بـ”شهيد القدس” حالة من الجدل والاستنكار لدى أوساط عدة، خصوصاً من قبل مناصري الحركة والمقاومة، ومن غير المنتمين سياسياً وأيديولوجياً إلى “حماس”.
”
تركّز الانتقاد على المبالغة في النعي وإقامة بيت عزاء
“وإنّ كان “مفهوماً” أنّ تنعى “حماس” وذراعها العسكري “كتائب القسام” سليماني بصفته المسؤول المباشر عن إمدادها بالدعم، إلا أنّ الانتقاد تركز على المبالغة في النعي وإقامة بيت عزاء في غزة. وتُرجم في تغريدات وتدوينات على موقعي “تويتر” و”فيسبوك”، خصوصاً بعد استحضار منصات التواصل الاجتماعي دور سليماني في قمع الشعبين السوري والعراقي. وهاجمت فاطمة السويركي، في تغريدة، موقف حركة “حماس”. وكتبت “ألا تتابع قيادة حماس ردود أفعال حاضنتها الشعبية أولاً بأول، من بيان إلى بيان، إلى بيت عزاء إلى تشييع جنازة، إلى خطاب بائس”. أما الناشط أحمد عدوان فبرّر موقف الحركة، وكتب في تغريدة أن “الذي ينتقد حماس كالذي يطالب مريضاً يعيش على الأوكسجين الصناعي أن ينزعه لأنه صنع في إيران. هات أوكسجيناً صنع في بلاد العرب لينزعه المريض، وإلا فأنت تريد قتله”. كذلك استغلت وسائل الإعلام المحسوبة على السعودية والإمارات ووسائل إعلام سورية معارضة المبالغة في نعي سليماني، والأوصاف التي أطلقت عليه، للتحريض على “حماس” وتأليب الرأي العام عليها، ونفي صفة المقاومة عنها واتهامها بـ”الانحدار الأخلاقي”، الأمر الذي بدا واضحاً أنه أقرب إلى “تصفية” حسابات مع الحركة.
وفي محاولة لتجاوز حالة الجدل الداخلية “المتباينة” على بيانات النعي، سارع هنية إلى إصدار تعميم داخلي لقواعد وقيادات “حماس” يطلب الالتزام بما يصدر من مواقف من قيادة الحركة فقط في ما يخص سليماني. ومن غير المتوقع أن تحدث أزمة داخل “حماس”، وسيكون من السهل على قيادة الحركة احتواء أي حالة تذمر وغضب عليها، لكن الحركة ستكون أمام مهمة “صعبة” في إقناع مناصريها في الخارج، من غير المنتمين تنظيمياً لها، بصوابية مواقفها. وتتجه الأنظار إلى مصر، التي سمحت لهنية بالسفر عبرها، لمعرفة ما إذا كانت ستبدي موقفاً سلبياً من زيارة رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” إلى إيران ومشاركته في التشييع. وهو ما قد يظهر من خلال عرقلة عودة هنية إلى القطاع، إلا إذا تطورت مباحثات التهدئة التي تجريها حالياً، وحينها سيكون من مصلحتها مساعدته على العودة واتخاذ القرار الداعم لوساطتها.
”
“المبالغة” تأتي في ظل أزمة مالية تعيشها حركة حماس
“واللافت في كل ذلك أنّ “المبالغة” في الوقوف إلى جانب إيران هذه المرة من قبل “حماس” تأتي في ظل أزمة مالية خانقة تعيشها الحركة، وتسببت طهران بجزء كبير منها، بعد وقف دعمها للحركة عقب خروجها من سورية ودعمها الأخلاقي لثورة الشعب السوري. ووفق مصادر في “حماس”، تحدثت لـ”العربي الجديد”، فإنّ إيران، رغم عودة العلاقة مع “حماس” لم تعد تقدم الكثير من المال والسلاح للحركة، وأنها باتت تقدم دعماً محدوداً للغاية ويقتصر على “كتائب القسام” دون غيرها. وتشير المصادر إلى أنّ هذا الدعم لم يعد يصل كذلك بانتظام كما في السابق، كما أنه أقل من 10 في المائة مما كانت طهران تقدمه للحركة وذراعها العسكري في أوقات سابقة. وتجزم المصادر أنّ “حماس” ومعها حركة “الجهاد الإسلامي” لن تشاركا في الرد الإيراني المتوقّع على اغتيال سليماني، إلا إذا تطورت المواجهة وأصبحت حرباً شاملة يشارك فيها “حزب الله” وتتوسع لتطاول إسرائيل، وهو أمر غير مرجح.
العربي الجديد