هل أنهى الثأر الإيراني لسليماني كابوس الحرب الكبرى

هل أنهى الثأر الإيراني لسليماني كابوس الحرب الكبرى

تباينت الرؤى والقراءات السياسية لما أقدمت عليه طهران في ما أسمته بالرد على مقتل قاسم سليماني بعد قصف قاعدتين في العراق. وفيما يذهب البعض إلى التأكيد على أن هذا الرد سيكون البداية الحقيقية لاندلاع الحرب العسكرية الكبرى في الشرق الأوسط، فإن هذه الخطوة قوبلت أيضا بنوع من الارتياح لدى قادة أوروبيين يعتبرون أن الأزمة قد تكون خرجت من عنق الزجاجة، لكن ينتابهم في الوقت نفسه توجسّ كبير ممّا يخطط له الرئيس الأميركي دونالد ترامب لكسر شوكة طهران.

باريس – تُبدي قيادات أوروبية ارتياحا إلى الأجواء التي توحي بأن الأزمة الأميركية الإيرانية قد تكون خرجت من عنق الزجاجة بعد إعلان إيران أنها ردّت على اغتيال الجنرال قاسم سليماني بقصف قاعدتين أميركيتين في العراق.

وبغضّ النظر عن ظروف هذا الرد وحيثياته والطريقة التي رتّب بها دوليا، فإن العواصم الأوروبية تعتبر أن كابوس الحرب الكبرى قد ابتعد نسبيا، إلا أنها تنظر من جديد بعين الريية إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ما يزيد من الامتعاض الذي تكنّه أوروبا لهذا الرجل من دخوله البيت الأبيض.

ويسهل للمراقب أن يلاحظ أن الاتحاد الأوروبي سعى بصعوبة هذه المرة للحفاظ على مسافة واحدة بين واشنطن وطهران، وأن ما صدر عن العواصم الأوروبية أوحى بالقرب من الولايات المتحدة وتبرير قرارها بتصفية سليماني الذي وصف في أوروبا بأنه رجل خطير عمل على زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط والعالم. حتى أن الصحف البريطانية كشفت أن لندن كانت بصدد اغتياله قبل سنوات إلا أن تدخّل وزير الخارجية البريطاني آنذاك ديفيد ميليبند منع العملية لتعارضها مع المصالح العليا لبريطانيا.

غير أن أوروبا حافظت على خطوط تواصل مع إيران ساعية إلى نزع فتيل الانفجار، وربما متوسطة لإيجاد صيغة الرد المثلى التي تُرضي طهران ولا ترد عليه واشنطن.

وعلى الرغم من عدم وجود معلومات حتى الآن تكشف كواليس المداولات الدولية التي أفضت إلى واقعة الرد الصاروخي الإيراني ضد قاعدتي عين الأسد وأربيل الأميركيتين، إلا أن قنوات التواصل المفتوحة بين واشنطن وطهران، من خلال سلطنة عمان وسويسرا كما الاتصال الهاتفي لمدة ساعة الذي أجراه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع نظيره الإيراني حسن روحاني، قد تكون قد رسمت خطوط خارطة طريق معقدة سيتم الكشف عن جوانب إضافية أخرى لها خلال الأيام المقبلة.

إلا أن الحدث أجّج غضبا داخل كواليس القرار في أوروبا. فالقرار الذي اتخذه الرئيس ترامب باغتيال سليماني اتخذ دون أي تشاور مع الحلفاء في أوروبا وحلف شمال الأطلسي ووضع العواصم الأوروبية أمام الأمر الواقع. وتزيد هذه المسألة من ملفات التأزم بين ضفتي الأطلسي منذ اتخاذ الرئيس الأميركي قراراته الشهيرة بالانسحاب من اتفاق باريس للمناخ والصفقة النووية الإيرانية أو فرض تعريفة على الصلب الأوروبي أو رفع جدران جمركية أمام منتجات أوروبية.

بعد إعلان إيران أنها قصفت قاعدتين أميركيتين في العراق، تعتقد بعض الدول الأوروبية أن الأزمة خرجت من عنق الزجاجة

يعتبر الأوروبيون أن ترامب يلعب بأمنهم واستقرارهم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي من خلال قرارات كقتل سليماني من شأنها إشعال حرب مدمرة كبرى تدفع أوروبا ثمنا كبيرا لها بسبب القرب الجغرافي من المنطقة.

ويرى الأوروبيون أن بلدانهم اُصيبت مباشرة بشظايا الإرهاب الذي انتشر في الشرق الأوسط، خصوصا منذ ظهور تنظيم داعش، واُصيبت بشظايا الحرب في سوريا من خلال التدفق الصاعق للاجئين، وهو أمر هدّد الأركان السياسية لبلدان الاتحاد الأوروبي ورفع من أسهم التيارات الشعبوية العنصرية المهددة للإنجاز الديمقراطي الذي تحقق بعد الحرب العالمية الثانية.

وكان واضحا أن الأوروبيين لن يتحيزوا لإيران على حساب حلفهم التاريخي مع الولايات المتحدة، لكنهم في نفس الوقت لن يقطعوا الحبل مع إيران ولن يذهبوا إلى الانخراط سريعا في حرب ترامب المحتملة ضد إيران. لكن ما امتلكته العواصم الأوروبية من معطيات من خطط أميركية جادّة بشأن احتمال الحرب، أخاف الأوروبيين الذين نقلوا تلك المخاوف إلى الجانب الإيراني بدقة.

ولطالما اعتبرت بريطانيا أنها أكثر الدول التي تمتلك قربا تاريخيا مع الولايات المتحدة. حتى أن لندن بعد البريكست صارت أقرب إلى واشنطن منها إلى جيرانها الأوروبيين، وأن مسارعة لندن إلى تحريك قطع عسكرية صوب المنطقة أوحى بجاهزية بريطانيا إلى الالتحاق سريعا بما تقرره واشنطن بشأن إيران. والظاهر أن تحذير وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب من “حرب مدمرة” مقبلة إذا لم يتم خفض التصعيد متأسس على ما تملكه لندن من معطيات في هذا الصدد.

غير أن أوروبا التي أصدرت مواقف متشددة محذرة إيران من التخلي عن التزاماتها داخل الاتفاق النووي مطالبة طهران بعدم الرد ومفاقمة التأزم الحالي، وفق تصريحات وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، استمرت في فتح أبواب أوروبا لإيران.

فقد دعا جوزيف بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى محادثات في بروكسل، وهو أمر اعتبر رد اعتبار للرجل الذي رفضت واشنطن منحه تأشيرة لزيارة الأمم المتحدة في نيويورك.

واللافت في الموقف الأوروبي ما دعت إليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لعقد “اجتماع عمل” في وقت لاحق من في موسكو، على نحو بعث بإشارة واضحة إلى واشنطن أن زيارة موسكو في هذه الفترة هي أهم من زيارة واشنطن، وأن التعاون الأوروبي مع روسيا هو أكثر نجاعة من السعي إلى ترميم خطوط التنسيق المفقودة بين الحلفاء التاريخيين على ضفتي الأطلسي.

وينبغي ملاحظة الموقف الحاد الذي اتخذته القيادة الجديدة للديمقراطيين الاشتراكيين الألمان، شركاء ميركل في التحالف الحكومي، بمطالبة الولايات المتحدة بإزالة ترسانتها النووية من البلاد.

وعلى الرغم من أن مسؤولين بارزين آخرين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، بمن فيهم رئيس البرلمان الأوروبي السابق مارتن شولز، قد أيدوا مثل هذه الخطوة في الماضي، إلا أن توقيت الطلب الأخير أكد على درجة عدم الارتياح الألماني بشأن مسار ترامب. حتى أن نوربرت والتر بورجان، أحد قادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، قال الثلاثاء إن العلاقة بين الأطلسي “قد تغيرت بشكل جذري”.

وكان بوريل، الذي كان وزيراً للخارجية الإسبانية قبل تولي حقيبة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، قد وصف العام الماضي علاقة أوروبا بالولايات المتحدة على الشكل التالي “أينما نظرتم، هناك خلاف كامل بين الولايات المتحدة وأوروبا”. “إنه طلاق في القيم”.

ويتحدث مراقبون عن مشاعر كره تنتاب الأوروبيين حيال الرئيس ترامب، وهو أمر دفع سفير فرنسا السابق في الولايات المتحدة، جيرار أرود، إلى تحذير الأوروبيين من ألا يعميهم كرههم لترامب ويغفل عنهم القضايا الأساسية المطروحة. وأشار هذا الأسبوع إلى أن أوروبا لديها نفس المخاوف التي لدى الولايات المتحدة بشأن إيران، من دعمها للإرهاب إلى طموحاتها النووية. وقال إنه “بغض النظر عن رأينا في ترامب وموقفنا من اغتيال سليماني، فإن الحقيقة الأساسية التي تسبق إدانة الموقف الأميركي من الاتفاق النووي هو إدانة السلوك العدواني لإيران”.

ولا يبدو أن الحدث الحالي قد أصلح من حال التوتر في علاقة واشنطن مع الأوروبيين. فحتى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لاحظ ذلك جيداً ورأى أنه “بصراحة، لم يكن الأوروبيون مساعدين كما كنت أتمنى أن يكونوا كذلك”، مضيفا أن “البريطانيين والفرنسيين والألمان يحتاجون جميعا إلى فهم أن ما فعلناه، ما فعله الأميركيون، أنقذوا الأرواح في أوروبا أيضا”.

العرب