تضاربت الروايات بشأن السبب الفعلي لإقدام الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على تصفية قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني. عمل غير متوقع، وشكّل مفاجأة كبيرة للأوساط كافة، كون سليماني لم يكن على لائحة المطلوبين لواشنطن، وهذا ما يفسّر تنقلاته العلنية في المنطقة ومن دون حرس. والأرجح أن سليماني هدّد المصالح الأميركية في الآونة الأخيرة، ما جعل ترامب يتخذ هذا القرار الصعب بكل المواصفات، لكن اختيار الزمان والمكان لا يخلو من رمزيةٍ تفكّك قسطا لا يستهان به من ألغاز العملية، ويجلو بعض الغموض السائد حولها. وكما بات معروفا، انتقل سليماني من بيروت الى دمشق، ومنها توجّه إلى بغداد، في لحظة تشهد توترا بين إيران والولايات المتحدة، بسبب قصف كتائب حزب الله العراقي قاعدة K1 في كركوك التي تستقبل قوات أميركية، الأمر الذي أدّى إلى مقتل متعاقد أميركي، وهو ما دفع واشنطن للانتقام من الكتائب، وكانت القشّة التي قصمت ظهر البعير محاولة اقتحام السفارة الأميركية في بغداد التي يبدو أن سليماني لعب دورا أساسيا فيها، وبنى عليها خطةً لفتح مواجهة مع الوجود الأميركي في العراق، تقوم على إعادة توجيه الحراك الشعبي العراقي ضد إيران باتجاهٍ مضادٍّ للولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه، القيام بأعمال ترهيب للقوات الأميركية. وربما هذا يلخص تصريح ترامب بقوله إن قرار قتل سليماني هو لمنع وقوع الحرب.
ومن الواضح أن القرار الأميركي تصفية سليماني شأنٌ لا يتعلق بسورية، وللوضع العراقي الحصّة الأكبر منه. ومع ذلك، جاء القسط الأكبر من ردود الفعل على العملية من السوريين الذين تعاملوا مع مسألة القتل بوصفها قضيةً تخصّهم بالدرجة الأولى، وذلك بسبب الدور الكبير الذي لعبه سليماني على الساحة السورية في سنوات الثورة، فهو الذي أخذ على عاتقه مسؤولية الدفاع عن بشار الأسد في بداية الثورة، حين كانت القيادة الإيرانية العليا تفكّر بالتخلي عنه، والبحث عن تسوية مع الحراك الشعبي. وعندما فشلت طهران في تثبيت الأسد، وكان على وشك السقوط في خريف 2015، سارع سليماني إلى إقناع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بنجدة الأسد عسكريا. وعلى هذا، من الطبيعي أن تكون للسوريين ثارات مع سليماني، عدا عن أن هناك قناعة عامة بأن أمر تصفيته سوف ينعكس سلبا على المشروع الإيراني في عموم العالم العربي الذي برع سليماني في تفريخ مليشيات طائفية في بعض بلدانه، وخصوصا في سورية.
سيبقى حدث مقتل سليماني الأبرز في المدى المتوسط، كونه نقل المنطقة إلى مستوىً جديد من التوتر. وإلى أن يحصل ما يغيّر المعادلة يمكن أن نستنتج أن القوة الوحيدة القادرة على لجم إيران هي القوة الأميركية، ولكن هذا العمل مكلف، ويتطلب شنّ حرب واسعة في المنطقة، ومن هنا يمكن فهم طبيعة رد إيران المباشر على اغتيال سليماني صباح الأربعاء، والذي لم يرقَ إلى مكانة جنرال الحرس، ركنا من أركان النظام وليس مجرد قائد عسكري. والأمر الثاني سقوط أسطورة التهديد الإيراني القائم على “محو إسرائيل من الخارطة”، فكل التهديدات الإيرانية والصادرة عن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، اكتفت بإخراج القوات الأميركية من المنطقة.
والملاحظ أن الرد على عملية سليماني جاء من إيران مباشرة، ولم يقم به أنصارها العرب، على عكس التصريحات الإيرانية. ولذا يبقى العراق الساحة المرشّحة أكثر من غيرها لتصفية الحسابات بين الطرفين. ومهما كان حجم الرد الإيراني، فإن هناك معطى مهما جاء نتيجةً لعملية قتل سليماني، وهو انكشاف إيران تماما، وقد تتلقى ضرباتٍ أقسى من ضربة سليماني، وهذا يتوقف على شكل إدارة المعركة مع الولايات المتحدة.
بشير البكر
العربي الجديد