كيف بدت مضائق هرمز سبباً أمريكياً لاغتيال سليماني؟

كيف بدت مضائق هرمز سبباً أمريكياً لاغتيال سليماني؟

التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران خرج هذا الأسبوع عن الخطوط المعروفة، وأصبح لأول مرة منذ دخل الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مواجهة مكشوفة، مباشرة وغير منفية بين القوة العظمى العالمية والجمهورية الإسلامية. فتصفية قاسم سليماني، والتهديد الإيراني الفظ بالثأر، وأخيراً الهجوم الصاروخي للحرس الثوري على قاعدتي الجيش الأمريكي في العراق، كشفت كم هما قريبتان، واشنطن وطهران، من اشتعال محتم في المنطقة كلها.

ولكن بينما صعدت منظومة الصواريخ الباليستية والصواريخ الجوالة لدى طهران إلى العناوين الرئيسة في أعقاب الهجوم فجر الأربعاء، فإن أفق الرد الأكثر هدماً لدى إيران، سواء للقوات الأمريكية في الخليج الفارسي أم للاقتصاد العالمي، هو عملية عسكرية بحرية في الخليج الفارسي. من يدرك طبيعة التهديد جيداً هي الولايات المتحدة نفسها، التي أصدرت تحذيراً استثنائياً للسفن التي تبحر في البحر المتوسط والخليج الفارسي من سيطرة إيرانية كرد محتمل على تصفية سليماني.

التحذير ليس نظرياً: فإيران سيطرت في السنة الماضية على بضع سفن، أبرزها الناقلة البريطانية “ستينا أمبيرو”، كرد على خطوة مشابهة من بريطانيا ضد سفن إيرانية نقلت النفط إلى سوريا. وحسب الادعاءات في الغرب، فإن إيران تقف أيضاً خلف الهجوم على ميناء الفجيرة، أحد موانئ النفط الأهم في الإمارات، وضرب ناقلات نفط في قلب البحر. لم تأخذ طهران المسؤولية عن ذلك، ولكن الولايات المتحدة نشرت أدلة تدين القوة البحرية التابعة للحرس الثوري بالعودة إلى ساحة الحدث. وكانت ذروة النشاط القتالي الإيراني في المجال البحري في اعتراض مسيرة أمريكية متطورة فوق المياه الدولية في شهر حزيران.

تكفي ضربة واحدة

في ضوء الأسلوب المختلف للهجمات الإيرانية في الساحة البحرية، يبدو تعاظم قوة إيران في المجال مشوشة بالأساس. فإلى جانب بناء أسلحة متطورة مثل سفن الصواريخ والغواصات، يحوز الإيرانيون أسطولاً هائلاً من القوارب الصغيرة التي يستخدمونها بشكل سري. ويشرح عيدو جلعاد، الباحث في مركز بحوث السياسة والاستراتيجية البحرية ومدرسة حايكين للجغرافيا الاستراتيجية، فيقول: “ما هو مهم أن نفهمه حول القوة البحرية الإيرانية أنها في واقع الأمر قوتان منفصلتان تماماً. فإلى جانب سلاح البحرية الإيراني الرسمي، الذي يحوز كمية كبيرة، حتى وإن كانت قديمة في قسم منها، من السفن، فثمة قوة بحرية للحرس الثوري أيضاً. هذه قوة سرية، وفي أساسها تحوز أسطولاً كبيراً ومجهولاً من القوارب الصغيرة والغواصات وتستهدف تنفيذ أعمال هي “على حافة السياسية أو في واقع الأمر الإرهابية”.

هذه هي أحد الأفكار التي تميز بها الرجل الذي صفي هذا الأسبوع، قاسم سليماني، بالعمل في عدة ساحات على مستوى عال وذكي، والسماح لأنواع كثيرة من ردود الفعل والأعمال. وبالفعل، فإن القوة البحرية للحرس الثوري تقف، أغلب الظن، خلف معظم العمليات الإرهابية البحرية لإيران في السنة الأخيرة. وتستخدم إيران هذه القوة بشكل متواصل لإطلاق التهديدات نحو الولايات المتحدة. في العام 2015 أجرى رجال التنظيم مناورة عسكرية تشبه هجوماً وسيطرة على حاملة طائرات أمريكية، تهديد لا يمكن تأويله بوجهين على أحد الذخائر العسكرية الأهم للولايات المتحدة.

“حاملات الطائرات الأمريكية تعد أهدافاً سهلة الإغراق”، وفي حينه تبجح قائد القوة البحرية للحرس الثوري، الأدميرال علي فدابي، وأضاف: “هي مليئة بالصواريخ، والذخيرة، ووقود الطائرات والطوربيدات، وتكفي ضربة واحدة لإثارة موجة انفجارات فرعية”. ومنذئذ، كررت إيران مرات عديدة التهديد ضد حاملات الطائرات الأمريكية.

“من الصعب جداً ضرب حاملة طائرات أمريكية، وبالفعل هنا يكمن بعد السيادة”، يوضح البروفيسور شاؤول حورب، رئيس مركز بحوث السياسة والاستراتيجية البحرية في جامعة حيفا. “سفينة كهذه، فضلاً عن قوة النار لديها، والطائرات والمروحيات عليها، محمية من مجموعة مهام كاملة من الغواصات والسفن والقوارب الصغيرة. كل هذا لا يلغي التهديد البحري للحرس الثوري. تحوز الولايات المتحدة أسطولاً هائلاً، والأسطول الإيراني لا يوازنه على الإطلاق، ولكن الفكرة التي تقف خلف مفهوم الحرس الثوري هي جباية ثمن الإيلام والردع من المواجهة والتصعيد. تكتيكاتهم، مثل استخدام قوارب صغيرة مسلحة بالصواريخ للتشويش والضرب لوسائل بحرية أكبر، واستخدام كبير لصواريخ شاطئ بحر، والسيطرة على أدوات بحرية مثلما فعلوا لسفينة الدورية الأمريكية، وهذه عمليات تكوي الوعي وتجبي ثمناً من العدو.

لا نريد إيقاظ العملاق

إن مواجهة بحرية بأي حجم مع إيران في الخليج الفارسي وحول مضائق هرمز ليست مسألة عسكرية أو مسألة مكانة بين إيران والولايات المتحدة فحسب، فمضائق هرمز بوابة لعبور أكثر من 20 مليون برميل نفط في اليوم، لكل الأسواق العالمية. وليس فقط اقتصاد دول المنطقة، بما فيها السعودية، والكويت، والبحرين، وقطر واتحاد الإمارات، متعلقة بمداخيل النفط، بل وأيضاً سوق الطاقة العالمية كلها، ما يجعل المواجهة -حتى أصغرها نسبياً في الخليج- حدثاً عالمياً.

رغم ذلك، يعتقد البروفيسور حورب بأن هناك احتمالاً حقيقياً في أن تختار إيران الرد، بالذات في منطقة العمل هذه، بسبب انكشافها العالي. فهو يقول إن “إمكانية سد مضائق هرمز أو الضرب الجزئي في النقليات فيها، هي بالتأكيد في مخزون ردود فعل طهران. يحتمل أن يقيدوا حجم الإغلاق أو يفعلوا هذا بذريعة مختلفة أو من خلال قوة غير مباشرة ودون إعلان رسمي، مثلما فعلوا في الماضي عندما سيطروا على الأدوات البحرية. ليس مؤكداً أن لدى الولايات المتحدة وسيلة للتصدي لمثل هذا الأمر.

بالمقابل، يعتقد جلعاد بأن عملية مركبة لإغلاق مضائق هرمز، حتى لو مؤقتاً، ستكون بالنسبة للإيرانيين مثابة “علي وعلى أعدائي يا رب”. وعلى حد قوله، فإن إيران نفسها متعلقة في مداخلها المتقلصة بالنفط الذي يمر في المضائق، ومواجهة في الخليج حتى بقوة محدودة، هي الأمر الأخير الذي تحتاجه. أما جلعاد فيختار بالذات النظر إلى أعمال إيران بشكل مختلف.

ويحذر جلعاد بأن “المناورة البحرية التي أجرتها إيران مع الصين وروسيا قبل نحو أسبوعين، وأثارت عاصفة في العالم، لم تكن تستهدف فقط الإظهار بأنها ليست منعزلة دبلوماسياً، بل لتوضح بأنها إلى جانب تحالف من الدول الأجنبية التي لها مصلحة واضحة في المنطقة مثل الهند وروسيا والصين، فإنها قادرة على أن تضمن حرية الملاحة في الخليج. فهم ليسوا معنيين بأن يوقفوا العملاق الأمريكي في هذه المرحلة”.

وسواء بحثت طهران في هذه المرحلة عن تهدئة الخواطر في الخليج أم تستعد لاستئناف العمليات الإرهابية في الخليج، فإن خطر برميل البارود المتفجر الذي في مياه خليج هرمز ينبغي أن يقلق زعماء العالم بشكل عام وحكام المنطقة بشكل خاص.

القدس العربي