رغم استمرار توالي تداعيات مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني العنيفة في المنطقة، فإن العديد من الأسئلة تتوالى أيضا سواء حول أسرار عملية الاغتيال نفسها، أو حول الرد الإيراني الذي تبعها، وليس انتهاء بلغز سقوط الطائرة الأوكرانية الذي فتح قوسا جديدا في المسألة الإيرانية، من دون أن ننسى قرار طهران إلغاء القيود التي كانت تلتزم بها في اتفاقها النووي الذي قامت واشنطن بإلغاء التزامها به، وما يمكن أن تؤدي إليه من تداعيات لاحقا.
فحسب مصادر إعلامية وأمنية فإن اختيار سليماني للذهاب إلى بغداد على طائرة مدنية وليس على طائرته الخاصة هو التحسب من مخاوف على أمنه الشخصي، وأنه لم يكن مدرجا على قوائم ركاب طائرة «إيرباص إي 320» التابعة لشركة «أجنحة الشام» المتجهة إلى بغداد، وحسب هذه المصادر فإن السلطات الأمنية الإيرانية والعراقية والسورية اشتبهت بوجود شبكة مخبرين في مطاري دمشق وبغداد، وحتى على الطائرة المدنية نفسها، قامت بإمداد الجيش الأمريكي بمعلومات حول رحلة سليماني، وتعكس هذه الاشتباهات نمطا اعتياديا من التفكير الأمنيّ السهل والذي غالبا ما ينتج عنه ضحايا يضطرون للاعتراف تحت التعذيب، في أنظمة مخترقة كلّيا، وفاقدة للسيادة، ففي سوريا يُستدعى الرئيس نفسه لمقابلة رئيس آخر في مقر تجمع القوات الأجنبية، التي هي الحاكمة الفعلية للبلاد، وفي العراق يسكت رئيس الوزراء عن اختراق طهران لسيادة بلاده عدة أيام، بل ويبرر لذلك بالقول إنه تم إبلاغه بهذا الاختراق، ولا يجرؤ على استنكار هذا الفعل إلى أن يقوم المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني بإدانة اختراق واشنطن وطهران لتلك السيادة.
وفوق كل هذه الأوضاع البائسة، التي قضى فيها أكثر من 50 إيرانيا وجرح 213 خلال تدافع في جنازة الجنرال القتيل، جاء خبر سقوط الطائرة الأوكرانية بعد 6 دقائق من إقلاعها ومقتل جميع ركابها الـ176، وأغلبهم إيرانيون أيضا (إضافة إلى 61 كنديا، و20 أوكرانيا، و10 من السويد و7 أفغان و4 بريطانيين و3 ألمان)، وانضافت كارثة أخرى إلى المصائب التي ابتلي بها الإيرانيون والعراقيون والسوريون، ومن في حكمهم، بعد حدث اغتيال سليماني.
تنفي طهران طبعا، وبشكل متكرر، سقوط الطائرة المنكوبة بفعل صاروخ، ولكنّها من جهة أخرى، ترفض تسليم الصندوقين الأسودين لجهة دولية، وتقول إنهما تضررا في الحادث، وأن التحقيق في الحادث سيستغرق سنتين، في حين اتهمت كندا بشكل مباشر إيران بالمسؤولية عن إسقاط الطائرة بصاروخ، وتبعتها أمريكا، بلسان رئيسها دونالد ترامب الذي تحدث عن شكوك بإيران، ووزير خارجيتها مايك بومبيو، الذي قال بوجود احتمال كبير لمسؤولية إيران.
أضافت الصحف العالمية مزيدا من الغموض على الحادث كما فعلت «دايلي تلغراف» التي اعتبرت «عدم وجود إشارة استغاثة يرجح وقوع حادث عنيف مفاجئ»، فحسب خبراء الطيران أنه لو كان هناك خلل كبير جار لكان هناك وقت كاف لطاقم الطائرة للاستغاثة قبل وقوعها، فيما انتشرت في أغلب وسائل الإعلام في العالم صور لطائرة تتعرض لانفجار ناريّ كبير، وهو ما زاد من التفسيرات التي تتحدث عن إسقاط للطائرة بصاروخ أرض ـ جو، وتوقعت أغلب الآراء أن يكون الأمر حصل بالخطأ.
من نافل القول إن هذه الألغاز الكثيرة تشير إلى وجود اختلالات كبيرة في طريقة إدارة الأزمة الكبيرة التي تواجهها إيران، ولكنّها تشير أيضاً إلى عطب هائل في المنظومة العربيّة، لا يخفّف من آثاره غير عودة الروح للجماهير العربية، كما حصل أمس في العراق التي امتلأت ساحاتها بالجماهير، وهي القادرة على إعادة البوصلة ولأم الخلل العربي الكبير.
القدس العربي