نجحت الدبلوماسية، بعد أكثر من عقد على انطلاق المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، في حل مشكلة خطيرة، هددت بانفجار حرب مدمرة في منطقة شديدة الحساسية، لما فيها من صراعات مفتوحة وتحالفات قائمة، فضلا عن احتوائها على كمية كبيرة من نفط وغاز العالم وممرات نقلهما.
وقد شكّلت إيران الإسلامية تحديا ومعضلة للولايات المتحدة الأميركية، منذ اللحظة الأولى، على خلفية مواقفها وسياساتها ومشروعها لتصدير الثورة، وقد أضافت المتغيرات الإقليمية والدولية الأخيرة من دقة الموقف وخطورته بدخول قوى دولية صاعدة، الصين خصوصاً، على خط الصراع والاستثمار فيه، فقد دفعت المقاطعة الغربية والعقوبات التي فرضت على إيران النظام إلى البحث عن بدائل، فاتجه شرقا إلى الصين وروسيا. وكانت الصين، في ضوء التوجه الأميركي إلى الشرق لاحتوائها، تخطط لتوفير احتياجاتها من النفط والغاز، وإلى طرق تجعل محاصرتها وتطويقها صعباً. لذا نمت العلاقات الإيرانية ــالصينية بوتيرة متسارعة، وأصبحت الصين أكبر مورّد للأسلحة إلى إيران، وخصوصاً تكنولوجيا الصواريخ، وباتت إيران أكبر مشترٍ للأسلحة الصينية في الشرق الأوسط، ولعبت دوراً رئيسا في المرحلة المبكرة من تطوير البرنامج النووي الإيراني (1985-1996)، حيث دربت العلماء والمهندسين الإيرانيين، كما زودت إيران بمفاعلات نووية وبتكنولوجيا الليزر الذرية وبكميات من نظائر اليورانيوم. تقلص تعاونها النووي عام 1997 تحت الضغوط الأميركية، وغدت أكبر مستثمر في قطاع الطاقة الإيراني، وكانت نقطة التحول عام 2004 حين أبرمت معها اتفاقية بقيمة 20 مليار دولار، وتولت تطوير حقول جديدة، وأكبر شريك تجاري.
تتضح وظيفة العلاقة وأهميتها باستنادها إلى تطابق وجهات النظر حول النفوذ الغربي في المنطقة، وضرورة تقليصه، فقد رأت الصين في شراكتها مع إيران “جزءا ضروريا من تحضير البيئة الكلية لصعودها عالميا”، وفق تقدير الدكتور منوشهر دوراج، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة تكساس كريستشن، فاتفقت معها على إعادة إحياء طريق الحرير، الذي كان يربط إيران وآسيا الوسطى والعالم العربي، بوسائط عصرية: قطارات شحن، قطارات ركاب فائقة السرعة، أنابيب لنقل النفط والغاز.
وزاد من خطورة الموقف دخول روسيا على الخط، بتشجيع إيران على رفع سقف تحديها أميركا وتزويدها بالأسلحة وعقد صفقات تجارية على قاعدة المقايضة: نفط مقابل مواد غذائية، للالتفاف على العقوبات الغربية، وقبول مشاركتها في منظمة شنغهاي للتعاون، بصفة مراقب في انتظار رفع العقوبات عنها، وتحولها إلى عضو كامل.
ترافق ذلك مع تحرك الصين للعب دور سياسي يتناسب مع حجمها الاقتصادي، وقيامها بتحركات عسكرية، عبر تمديد حدود مياهها الإقليمية، وبسط سيطرتها على جزر متنازع عليها مع دول في الإقليم (الفلبين وفيتنام وماليزيا وبروناي وتايوان) في بحر الصين الجنوبي، يقدر أنها تحتوي على مخزون كبير من النفط والغاز، تعبر منها نصف تجارة العالم سنوياً، وبنائها جزراً صناعية فوق صخور وجزر مرجانية وشعاب غارقة، يتسع حجم بعض هذه الجزر لمطارات ومنشآت عسكرية، ونشرها مدفعية ثقيلة على إحداها، واحتكاكها مع اليابان حول جزر متنازع عليها في بحر الصين الشرقي، فضلا عن توسيعها حدود مياهها الإقليمية ومجالها الجوي، ودعم كوريا الشمالية في مواجهة كوريا الجنوبية لمنع انهيارها وابتلاعها من الأخيرة، فتصبح القوات الأميركية على ضفة نهر يالو، فضلا عن رفع موازنتها العسكرية إلى 141 مليار دولار، وبدئها بناء حاملتين للطائرات وغواصات وسفن حربية وصواريخ بعيدة المدى متعددة الرؤوس الحربية، “استعداداً لصراع محتمل في مضيق تايوان”، وفق تقدير البنتاغون. ما أثار هواجس ومخاوف دول حليفة للولايات المتحدة، ودفعها إلى طلب مساعدتها في وقف الصين عند حدها، وانفجار ثورات الربيع العربي ودخول دول عربية في حالة عدم استقرار، نتيجة عدم حسم الصراعات، ولانخراط قوى إقليمية ودولية فيها، وخصوصاً إيران التي انخرطت فيها بمستويات وأشكال عديدة: تمويل جماعات شيعية في لبنان والعراق والبحرين واليمن، وتسليحها واستخدامها في ضرب استقرار الدول وفرض إرادتها عليها، ودعم نظامي العراق وسورية بالمال والسلاح والمستشارين والمقاتلين من المليشيات الشيعية، ما شكل ضغوطا إضافية على قدرات الولايات المتحدة، فالأزمات كثيرة وخطيرة، تفوق إمكاناتها على التصدي، ودفعها إلى إعادة نظر في أولوياتها والتحرك إلى شرق آسيا لطمأنة حلفائها، والحد من تنمر الصين عليهم، وهذا غير ممكن في ضوء التزاماتها في دول الشرق الأوسط، وخصوصاً دول الخليج العربي، من دون ترتيب الإقليم وتهدئه التوترات القائمة بين إيران ودوله العربية، بدءا بإغلاق ملف البرنامج النووي الإيراني، وإيجاد توازن قوى يسمح بفتح حوار بين دول الإقليم والتأسيس لنظام أمني، يأخذ بالاعتبار أمن دوله واستقرارها من جهة، وإبعاد إيران عن الصين، للحد من قدرة الأخيرة على تأمين احتياجاتها من النفط والغاز، وتوظيف عودتها إلى سوق النفط، يقدر احتياطيها بـ151 مليار برميل، في معاقبة روسيا والضغط عليها اقتصاديا، لأن عودة إيران ستدفع الأسعار إلى مزيد من الانخفاض، والاعتماد على غازها، الذي يبلغ احتياطيها منه 34 تريليون متر مكعب، أي نحو 18% من إجمالي الاحتياط العالمي، لتغطية احتياجات أوروبا، بدلا عن الغاز الروسي من جهة ثانية.
تتضح وظيفة العلاقة وأهميتها باستنادها إلى تطابق وجهات النظر حول النفوذ الغربي في المنطقة، وضرورة تقليصه، فقد رأت الصين في شراكتها مع إيران “جزءا ضروريا من تحضير البيئة الكلية لصعودها عالميا”، وفق تقدير الدكتور منوشهر دوراج، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة تكساس كريستشن، فاتفقت معها على إعادة إحياء طريق الحرير، الذي كان يربط إيران وآسيا الوسطى والعالم العربي، بوسائط عصرية: قطارات شحن، قطارات ركاب فائقة السرعة، أنابيب لنقل النفط والغاز.
وزاد من خطورة الموقف دخول روسيا على الخط، بتشجيع إيران على رفع سقف تحديها أميركا وتزويدها بالأسلحة وعقد صفقات تجارية على قاعدة المقايضة: نفط مقابل مواد غذائية، للالتفاف على العقوبات الغربية، وقبول مشاركتها في منظمة شنغهاي للتعاون، بصفة مراقب في انتظار رفع العقوبات عنها، وتحولها إلى عضو كامل.
ترافق ذلك مع تحرك الصين للعب دور سياسي يتناسب مع حجمها الاقتصادي، وقيامها بتحركات عسكرية، عبر تمديد حدود مياهها الإقليمية، وبسط سيطرتها على جزر متنازع عليها مع دول في الإقليم (الفلبين وفيتنام وماليزيا وبروناي وتايوان) في بحر الصين الجنوبي، يقدر أنها تحتوي على مخزون كبير من النفط والغاز، تعبر منها نصف تجارة العالم سنوياً، وبنائها جزراً صناعية فوق صخور وجزر مرجانية وشعاب غارقة، يتسع حجم بعض هذه الجزر لمطارات ومنشآت عسكرية، ونشرها مدفعية ثقيلة على إحداها، واحتكاكها مع اليابان حول جزر متنازع عليها في بحر الصين الشرقي، فضلا عن توسيعها حدود مياهها الإقليمية ومجالها الجوي، ودعم كوريا الشمالية في مواجهة كوريا الجنوبية لمنع انهيارها وابتلاعها من الأخيرة، فتصبح القوات الأميركية على ضفة نهر يالو، فضلا عن رفع موازنتها العسكرية إلى 141 مليار دولار، وبدئها بناء حاملتين للطائرات وغواصات وسفن حربية وصواريخ بعيدة المدى متعددة الرؤوس الحربية، “استعداداً لصراع محتمل في مضيق تايوان”، وفق تقدير البنتاغون. ما أثار هواجس ومخاوف دول حليفة للولايات المتحدة، ودفعها إلى طلب مساعدتها في وقف الصين عند حدها، وانفجار ثورات الربيع العربي ودخول دول عربية في حالة عدم استقرار، نتيجة عدم حسم الصراعات، ولانخراط قوى إقليمية ودولية فيها، وخصوصاً إيران التي انخرطت فيها بمستويات وأشكال عديدة: تمويل جماعات شيعية في لبنان والعراق والبحرين واليمن، وتسليحها واستخدامها في ضرب استقرار الدول وفرض إرادتها عليها، ودعم نظامي العراق وسورية بالمال والسلاح والمستشارين والمقاتلين من المليشيات الشيعية، ما شكل ضغوطا إضافية على قدرات الولايات المتحدة، فالأزمات كثيرة وخطيرة، تفوق إمكاناتها على التصدي، ودفعها إلى إعادة نظر في أولوياتها والتحرك إلى شرق آسيا لطمأنة حلفائها، والحد من تنمر الصين عليهم، وهذا غير ممكن في ضوء التزاماتها في دول الشرق الأوسط، وخصوصاً دول الخليج العربي، من دون ترتيب الإقليم وتهدئه التوترات القائمة بين إيران ودوله العربية، بدءا بإغلاق ملف البرنامج النووي الإيراني، وإيجاد توازن قوى يسمح بفتح حوار بين دول الإقليم والتأسيس لنظام أمني، يأخذ بالاعتبار أمن دوله واستقرارها من جهة، وإبعاد إيران عن الصين، للحد من قدرة الأخيرة على تأمين احتياجاتها من النفط والغاز، وتوظيف عودتها إلى سوق النفط، يقدر احتياطيها بـ151 مليار برميل، في معاقبة روسيا والضغط عليها اقتصاديا، لأن عودة إيران ستدفع الأسعار إلى مزيد من الانخفاض، والاعتماد على غازها، الذي يبلغ احتياطيها منه 34 تريليون متر مكعب، أي نحو 18% من إجمالي الاحتياط العالمي، لتغطية احتياجات أوروبا، بدلا عن الغاز الروسي من جهة ثانية.
لن ينهي الاتفاق على الملف النووي الإيراني الخلافات والصراعات داخل إيران بين تيار متشدد وقع في مأزق بين حاجته إلى وجود خطر خارجي، ليبرر تسلطه وهيمنته على المجتمع وحاجته للمليارات المجمدة للصرف على برامجه التسليحية وخططه العدوانية، وتيار معتدل يريد الاتفاق لإنهاء أجواء التوتر والاحتقان مع الغرب والمليارات، لكي يعيد تهيئة البنية التحتية، ويطلق آلة الإنتاج، ويوفر فرص عمل وحياة أفضل للمواطنين. خسر الأول بعقد الاتفاق، لكنه لم يستسلم، والخطورة أن الصراع بينهما يتم وفق معادلة صفرية. والغرب بتوقيعه على الاتفاق غيّر طريقة تعامله مع إيران، وتحول إلى تكتيك الخنق بالاحتضان، والذي كان قد استخدم مع الاتحاد السوفياتي في العقد الأخير من عمره، فأدى إلى انهياره، فالغرب لن يغفر لإيران ولن يسامحها على تحديها هيمنته وسيطرته، طوال العقود الثلاثة الماضية، وسيعمل على احتواء عناصر قوتها وتفكيك أسسها، بدفعها إلى تعديل، إن لم يكن تغيير نظرتها وتغيير سلم أولوياتها، واستدراجها، بحيث تتحول إلى أداة لتنفيذ استراتيجيته وخدمة مصالحه في الإقليم والعالم.
ولن ينهي (الاتفاق) الصراع على إيران بين الغرب والصين، والغرب وروسيا، فالصين استثمرت في إيران كثيرا وطويلاً، لتكون جزءا من قدراتها لاحتواء الحصار والتطويق وتجفيف الواردات، النفطية خصوصاً، ولن تتخلى عنها بسهولة. وروسيا التي ستتضرر من عودة إيران إلى سوق النفط والغاز تعتبر انتقال إيران إلى الصف الغربي كعب آخيل، وأثره أخطر من عودتها إلى سوقي النفط والغاز، فدخول إيران إلى سوق النفط والغاز بثقل مؤثر أمامه سنوات، لأن البنية التحية لإنتاجه متهالكة، وتحتاج إلى إعادة تأهيل ومليارات الدولارات ( بين 100 و200 مليار دولار) وإلى مدة لا تقل عن خمس سنوات، أما انتقالها إلى التحالف مع الغرب فسيسمح لأميركا بتطويق روسيا من الجنوب.
المواجهة المفتوحة بين إيران ودول الإقليم، دول الخليج، على خلفية تدخلها واختراقها أمن وسيادة هذه الدول، وسعيها إلى ضرب استقرارها والسيطرة عليها، لأنه يطلق يدها وفرض إرادتها في الإقليم، ما دفع بعض دول الخليج إلى اعتبار الاتفاق خطيرا وضارا بمصالحها وأمنها وسيادتها، فردت على الاتفاق بالدخول في سباق تسلح وإقامة برامج نووية سلمية، خصوصاً بعقد اتفاقات لبناء مفاعلات نووية (السعودية لبناء 16 مفاعلا حتى عام 2022 والإمارات 4 مفاعلات حتى عام 2020)، بينما ارتاحت تركيا للاتفاق، لأنه أنهى خطر نووي إيران العسكري، وشرعن برنامجها ومنحها فرصة لتطوير العلاقات الاقتصادية مع إيران، وخصوصاً في مجال الطاقة، والحصول على أسعار منخفضة.
حوّل الاتفاق إيران إلى ساحة لصراعات كثيرة ونتائج مفتوحة على كل الاحتمالات سيكون لها، إذا لم تنجح في التعاطي مع استحقاقاته، وتحتوي مفاعيله السلبية، انعكاسا خطيرا على كيانها وقرارها الوطني.
ولن ينهي (الاتفاق) الصراع على إيران بين الغرب والصين، والغرب وروسيا، فالصين استثمرت في إيران كثيرا وطويلاً، لتكون جزءا من قدراتها لاحتواء الحصار والتطويق وتجفيف الواردات، النفطية خصوصاً، ولن تتخلى عنها بسهولة. وروسيا التي ستتضرر من عودة إيران إلى سوق النفط والغاز تعتبر انتقال إيران إلى الصف الغربي كعب آخيل، وأثره أخطر من عودتها إلى سوقي النفط والغاز، فدخول إيران إلى سوق النفط والغاز بثقل مؤثر أمامه سنوات، لأن البنية التحية لإنتاجه متهالكة، وتحتاج إلى إعادة تأهيل ومليارات الدولارات ( بين 100 و200 مليار دولار) وإلى مدة لا تقل عن خمس سنوات، أما انتقالها إلى التحالف مع الغرب فسيسمح لأميركا بتطويق روسيا من الجنوب.
المواجهة المفتوحة بين إيران ودول الإقليم، دول الخليج، على خلفية تدخلها واختراقها أمن وسيادة هذه الدول، وسعيها إلى ضرب استقرارها والسيطرة عليها، لأنه يطلق يدها وفرض إرادتها في الإقليم، ما دفع بعض دول الخليج إلى اعتبار الاتفاق خطيرا وضارا بمصالحها وأمنها وسيادتها، فردت على الاتفاق بالدخول في سباق تسلح وإقامة برامج نووية سلمية، خصوصاً بعقد اتفاقات لبناء مفاعلات نووية (السعودية لبناء 16 مفاعلا حتى عام 2022 والإمارات 4 مفاعلات حتى عام 2020)، بينما ارتاحت تركيا للاتفاق، لأنه أنهى خطر نووي إيران العسكري، وشرعن برنامجها ومنحها فرصة لتطوير العلاقات الاقتصادية مع إيران، وخصوصاً في مجال الطاقة، والحصول على أسعار منخفضة.
حوّل الاتفاق إيران إلى ساحة لصراعات كثيرة ونتائج مفتوحة على كل الاحتمالات سيكون لها، إذا لم تنجح في التعاطي مع استحقاقاته، وتحتوي مفاعيله السلبية، انعكاسا خطيرا على كيانها وقرارها الوطني.
علي العبدالله
صحيفة العربي الجديد