إيران والبرنامج النووي…إلى أين ؟

إيران والبرنامج النووي…إلى أين ؟

تلقي التصريحات الإيرانية الأخيرة حول عودة المفاوضات بشأن البر نامج النووي الإيراني ظلالها على العديد من الحوارات والاتصالات بين الاتحاد الأوروبي والنظام الإيراني ودعوة أوربا لطهران بضرورة الاستماع إلى المجتمع الدولي والعودة لطاولة المفاوضات، وهذا ما يراه النظام الإيراني غير ممكن في المرحلة الحالية حيث يسعى إلى إيجاد صيغ فعالة تساعد في رفع العقوبات الاقتصادية عنه بعيدا عن الشروط الأمريكية التي تريد إدراج مسألة السلوك الإيراني في التمدد والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وإيقاف الدعم عن المليشيات المسلحة المتواجدة في العراق وسوريا واليمن والمرتبطة بالحرس الثوري الإيراني ومناقشة التطور في برنامج الأسلحة البالستية والطيارات المسيرة وهي شروط ميدانية سياسية ترفضها إيران وتعترض على صيغة البدأ بالمفاوضات وترى انها ليست في عجالة من أمرها في العودة لمناقشة موضوعة البرنامج النووي وتريد أن تزيد من مساحة وجودها وتأثيرها الميداني على الأوضاع القائمة في اليمن ودعمها للحوثبن في مواجهتهم وسعيهم للسيطرة على مدينة مأرب المهمة من الناحية الإستراتيجية والعسكرية والاقتصادية في الصراع الدائر على الأرض اليمنية وتصعيد الموقف في العراق بعد نتائج الانتخابات التي جرت في العاشر من تشرين الاول ٢٠٢١ وخسارة الأحزاب والتيارات السياسية المحسوبة على النظام الإيراني واستخدام الأجهزة الأمنية والعسكرية الإيرانية علاقتها مع أطراف الصراع في سوريا لتكون جزءا من أي حل سياسي أو تغيير قادم في الأزمة السورية .
الإدارة الأمريكية تتابع وتنظر بعين المهتم هذه التصرفات والمواقف الإيرانية ونتائجها وتبعيات تأثيراتها على مستقبل المفاوضات القادمة خاصة وأنها تعتبر رسائل ميدانية تتناغم مع حديث وزير الخارجية الإيراني حسين محمد عبد اللهيان في مجلس النواب الإيراني بتاريخ ١٧ تشرين الأول ٢٠٢١ الذي أشار إلى(ان رؤية الحكومة الإيرانية لإحياء الاتفاق النووي يأتي وفق رؤية العودة التدريجية ) وهذه الرؤية هي نتاج حالة ميدانية لم يوافق عليها تيار المحافظين في عهد الرئيس السابق حسن روحاني ولكنها فرضت نفسها بعد التغيير الذي أحدثته الانتخابات الرئاسية الإيرانية في بداية حزيران ٢٠٢١ .
ان الولايات المتحدة الأمريكية تحاول إيجاد حالة من التوازن السياسي في الحفاظ على علاقتها مع الحلفاء الاوربين وشركائها في المنطقة العربية والخليج العربي والتي ترى أن أي تنازل للإدارة الأمريكية في المفاوضات مع ايران إنما يمنح الأخيرة دورا سياسيا وامنيا يشكل خطورة على الأمن والسلم العالمي في منطقة الشرق الأوسط خاصة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والتداعيات الأمنية والعسكرية التي أحدثها في منطقة آسيا الوسطى والمحيط الهادي والهندي.
لا يزال الموقف الإيراني يجري وقف سياسة التمدد والنفوذ الإقليمي وإظهار القوة والتعنت في مواجهة الإدارة الأمريكية ويأتي في سياق هذه السياسة التصريح الذي أدلى به محمد اسلامي مساعد الرئيس الإيراني ورئيس منظمة الطاقة الذرية في العاشر من تشرين الاول ٢٠٢١ بقوله( أن العمل جاري لتدشين مفتعل خنداب الماء الثقيل في أراك ونحتاج لعام اخر اذا توفرت الأمور اللازمة للتشغيل) وهذا ما يمكن إيران من إنتاج الأدوية المشعة التي تدخل في مسارات البرنامج النووي بعد أن أكملت الوصول إلى ١٢٠ كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة ٢٠% ، وهذه المجاهرة الإيرانية بتخصيب اليورانيوم تثير ردود الأفعال الامريكية وتؤثر على سير المفاوضات في جولاتها القادمة بالعاصمة النمساوية (فيينا) وتحرج الدول الاوربية المشاركة في المفاوضات.
تعكس الرؤية المستقبلية الأمريكية للتعامل مع ايران ما قاله وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بليكن في ١٣ تشرين الأول ٢٠٢١ (بأن الفرصة الزمنية تضيق أمام إيران لإحياء الاتفاق النووي وان الولايات المتحدة الأمريكية ستلجأ إلى بدائل أخرى في حالة أخفقت الدبلوماسية مع ايران ) ، وهي رسالة واضحة إلى أجنحة النظام الإيراني بضرورة الانتباه إلى نتائج السلوك المتبع من قبلهم في إدارة وتوجيه المفاوضات في الأيام القادمة .
رغم تمسك إيران بنفوذها في الساحات الإقليمية التي تشهد نزاعات سياسية ومواجهات عسكرية في عدد من العواصم العربية ( بغداد وصنعاء ودمشق وبيروت) واعلانها عن رفع مخزونات من اليورانيوم المخصب واملها في تغيير معادلة المفاوضات مع واشنطن إلا أنها لا زالت تغفل حقيقة الأوضاع المأساوية التي تعيشها الشعوب الإيرانية والتأثيرات التي أحدثتها العقوبات الأمريكية على المنظومة الاقتصادية الإيرانية والواقع الإجتماعي وتأثيراتها على زيادة المعاناة وفقدان الأمل لدى المواطن الإيراني بعد أن وصلت نسبة البطالة إلى ٣٠%بين الشباب وارتفعت نسبة الفقر إلى ٣٦% حسب الدراسة التي قدمها البنك الدولي في حزيران ٢٠٢١ ووصول نسبة التضخم في الميزانية إلى ٤٥% نهاية شهر اب من هذا العام مع زيادة سكانية تبلغ ٣ مليون نسمة سنويا ، ولم يتمكن النظام الإيراني من الوصول إلى حلول جذرية لهذه الأزمات ومعالجتها حتى وصل نسبة غلق المتاجر الأهلية ٢٠% بسبب آلية العمل ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي وصلت إلى ٥٠%لمواد الأرز والخبز و٧٠% الخضراوات واللحوم و٨٠% الحبيب والألبان والبيض مع ارتفاع سعر الدولار ليكون ٢٧٠ الف ريال بعد أن كان ٣٢ الف ريال عام ٢٠١٥ .
ان استمرار النظام الإيراني في سياسة التعنت وعدم مراعاة حاجة المواطن سيزيد من التدهور الاقتصادي وارتفاع شدة المواجهات والاحتجاجات الشعبية المطالبة بتحسين الأوضاع المعاشية التي شهدتها المدن الايرانية المهمة (طهران وتبريز واصفهان) وخروج شرائح من المجتمع الإيراني من المتقاعدين وعمال الغاز والنفط مطالبين بزيادة أجورهم وصرف رواتبهم ، وأن الاستمرار في مواجهة وقمع هذه التظاهرات يضعف البنية السياسية والأمنية للنظام الذي يعمل جاهدا على البقاء، وعلية أن يدرك حقيقة التطورات الجارية في المنطقة ويتعامل بشكل جدي وفعال معها رغم أن الرؤية الإيرانية القائمة هي رهينة الصراعات السياسية بين التيارات الحاكمة التي يتحكم بها ويرسم سياستها الداخلية والخارجية المرشد الأعلى علي خامنئي بحكم الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية