هل ما وقع هو وقف إطلاق نار أم هدنة أم خفض تصعيد؟ لا يهم، بل المهم أن حدة التوتر بين إيران والولايات المتحدة قد خفت، وإن كان الوضع لا يزال غير مستقر، ومع أن كلا الخصمين لا يريد الحرب، فإنه لا أحد يعرف كيف ستتطور الأمور.
لتوضيح الصورة؛ أجرى موقع “أوريان 21” الفرنسي مقابلة مع نيسان رافاتي، كبير المحللين للشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية؛ قال فيها إن مقتل القائد قاسم سليماني جاء بعد أن بلغت العقوبات الأميركية على إيران حدا جديدا، وبعد أن أظهرت طهران أنها ستتحرر تدريجيا من الاتفاق النووي، وقامت بعدد من الهجمات في المنطقة، رأت واشنطن أن بعضها تجاوز الخطوط الحمر التي رسمتها.
وفي رده على محاوره سيلفان سيبيل -الذي أشار إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سبق أن أعطى الانطباع بأنه تخلى عن “الخيار المسلح” ضد إيران- قال رافاتي إن واشنطن لاحظت أن العقوبات رغم زيادتها وفاعليتها –حسب رأيها- فإنها لم تحقق الهدفين اللذين تريدهما؛ وهما الحد من نشاطها وقدراتها الإقليمية وعودتها إلى طاولة الحوار على أساس المتطلبات الأولية التي تنوي واشنطن فرضها عليها.
وخلص إلى أن اغتيال قاسم سليماني يهدف إلى رفع مستوى الردع الأميركي بشكل كبير، ليتوازى ضغط التفوق العسكري مع الضغوط الاقتصادية التي أعلن ترامب أنها ستزداد.
وبالنسبة لنتائج اغتيال سليماني على المدى القصير، رأى رافاتي أن هذه الضربة أثارت لحظة من الحماس الوطني في إيران، التي كانت حتى وقت قريب تشهد مظاهرات في العديد من المدن في جميع أنحاء البلاد ضد تدهور الظروف المعيشية.
غير أن الرد الإيراني المتواضع -حسب وصف المحلل- وكون أن كلا الطرفين لم يظهر ميلا إلى تصعيد التوتر، لا يعني إزالة فتيل الأزمة، وبالتالي يبقى خطر تجدد التوتر دائما، خاصة أن أسباب التصادم موجودة في العراق واليمن.
أما على المدى الطويل، فيرى رافاتي أن الأهمية الرمزية لاغتيال سليماني لن تختفي في إيران التي ستسعى للدفاع عن نفسها ما دامت خاضعة للحصار الأميركي، وستفعل ذلك عبر الشبكات التي أنشأها سليماني، والتي لم تختف، إما عن طريق تنشيط أنصارها في المنطقة، أو من خلال التصرف بطريقة مموهة، دون أن تكون لها مسؤولية واضحة.
وأشار المحلل إلى أن المشكلة تكمن في أن الصعوبات التي تقف دون وقف التصعيد قوية جدا، رغم أن ترامب والإيرانيين لا يريدون حربا مفتوحة، مما يعني أن دور الوسطاء مهم وإن كان الأميركيون لا يريدونهم، والإيرانيون محبطون للغاية من الأوروبيين الذين يريدون التوسط.
واستنتج رافاتي أن انعدام التواصل بين الأميركيين والإيرانيين هو أكبر خطر حاليا على مستقبل أزمتهم، لأن الوضع سيظل مرهونا بحسابات اقتصادية أو أحداث مرتجلة قد تؤدي إلى الأسوأ، ما لم يتم استئناف الحوار بينهما.
ولتوضيح دلالة دعوة مرشد الثورة الإيرانية آية الله خامنئي للقوى الشيعية التي ترتبط بإيران إلى عدم تنفيذ أي أعمال انتقامية ضد الولايات المتحدة لأن الرد على اغتيال سليماني سيأتي من الدولة الإيرانية وحدها، قال رافاتي إن هذه الكلمات يمكن تفسيرها بطريقتين.
الطريقة الأولى أن إيران تعرضت للهجوم وهي وحدها التي ستحدد الرد عليه، ولكننا أيضا يمكن أن نعتبر ذلك تحذيرا من طهران لمؤيديها، خاصة أن من بين ضحايا الصاروخ الذي قتل سليماني أبو مهدي المهندس، زعيم المليشيات الموالية لإيران التي قادت الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق.
وبالتالي فما يقوله خامنئي –حسب المحلل- قد يعبر عن قلق إيران من هجوم غير مرغوب فيه على المصالح الأميركية قد تشنه الجماعات المرتبطة بها، وتتخذه واشنطن ذريعة ضدها.
التحدي العراقي
وعند سؤاله: هل سيكون هدف طهران الإستراتيجي هو دفع القوات الأميركية من العراق، قال رافاتي إن إيران تصرح بأن الهدف هو طرد تلك القوات من المنطقة كلها، ولكن السياسة الإيرانية الحقيقية قد تكون غير ذلك، وفسر ذلك بأن مصلحة إيران ليست في أن يسقط الجار العراقي في الفوضى، وبالتالي فإن الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من العراق لن يكون بالضرورة لمصلحة الإيرانيين.
وأوضح محلل الشؤون الإيرانية أن إيران تعلم ذلك، وأن لها مواقف تتقارب فيها مع الولايات المتحدة لوحدة المصالح بينهما، وكان الأمر نفسه في أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وفي العراق كذلك.
وخلص رافاتي إلى أنه لا يمكن الحسم بأن احتمال الحرب قد ولى، مشيرا إلى أن كونها لم تبدأ بعد اغتيال سليماني فإن ذلك لا يعني أنه تم تجنبها بصورة نهائية، وإن بدا أنها تبتعد الآن.
الجزيرة