نشرت مجلة “ذي نيوريبابليك” مقالا لزاك كوبلين، المحقق في مشروع المحاسبة الحكومية قال فيه إن الولايات المتحدة قبل أن تضرب جماعات قاسم سليماني الإرهابية كانت ترشيها في حرب العراق. وقال فيه إن الولايات المتحدة بعد استهدافها في 3 كانون الثاني (يناير) قاسم سليماني، قائد فيلق القدس وأبو مهدي المهندس زعيم كتائب حزب الله، أعلنت عن استهدافها لشبل الزيدي زعيم كتائب الإمام علي، وهي جماعة موالية لإيران أنشأها مع أبو مهدي المهندس.
ويقول إن كتائب الإمام علي هي بلا شك مجموعة من مجرمي الحرب. وكان أحد أبرز قادتها أبو عزرائيل المعروف بتشويه الجثث وشي الأشخاص أحياء. والتقطت صور للزيدي وهو يلوح برؤوس ملطخة بالدماء. وتعتبر كتائب حزب الله، مسؤولة أيضا عن اختفاء المئات وقتل الأشخاص خارج القانون. وقتل المهندس والزيدي الأمريكيين وأثاروا الفوضى وتسببا بالألم للكثير من العراقيين.
وأضاف الكاتب إن استهداف قادة الجماعات الإرهابية المسلحة يبدو مهمة واضحة للقوات الأمريكية. إلا أنها في هذه الحالة كشفت عن نفاق الحروب الأمريكية: ففي الوقت الذي كان فيه المهندس والزيدي في حرب مع الولايات المتحدة في ساحات القتال إلا أنه وغيره كانوا من المستفيدين ماليا وشركاء في العمليات العسكرية الأمريكية. ويقول الكاتب إنه وخلال عامين من التحقيق في الحرب الأمريكية في العراق تحدث لعشرات من الأشخاص والمتعهدين العسكريين وشركات الشحن بالإضافة للمسؤولية الأمنيين الحاليين والسابقين وكذا مسؤولين حكوميين. وقال إن المصادر التي استند عليها في كتابة مقاله لديها معرفة بالتعاملات الأمريكية المشبوهة مع الجماعات الإجرامية المسلحة التي أعلنت عداءها للحرية في المنطقة. وطلبت جميع المصادر عدم الكشف عن هويتها نظرا لخوفها على حياتها. وقال الكاتب إن الاتهامات التي قدمها هي جزء من الإتهامات المتعددة حول التعامل الأمريكي المزدوج مع الميليشيات العراقية وجماعات المصالح التي تدعمها والتي تمت متابعتها عبر مشروع المحاسبة الحكومي الذي يعمل فيه الكاتب. وهي مجموعة تقوض الموقف الأمريكي الأخلاقي أو ما تبقى منه الذي حاولت عبره تأكيد وجودها في العراق.
ويقول الكاتب إن الولايات المتحدة قبل أن تقتل الزيدي قامت ببناء قواعد لفرق الموت التابعة له. ففي أثناء الحرب ضد تنظيم الدولة الذي سيطر على مناطق واسعة في العراق عام 2014 كانت كتائب الإمام علي في ذلك الوقت عدوا للولايات المتحدة، ولكنها أصبحت ميليشيا شيعية تقاتل تنظيم الدولة ولهذا بدأت بالتمركز داخل جدران قاعدة بلد الجوية التي تسيطر عليها القوات العراقية الآن. إلا أن ميول الميليشيا نحو سرقة المعدات العسكرية الأمريكية المتقدمة وإصدار تهديدات بالقتل أثارت قلق شركة التعهدات الأمريكية “ساليبورت غلوبال سيرفس” التي كلفت بدعم القوات العراقية بقاعدة بلد وبناء على عقد دفاعي قيمته مليار دولار أمريكي. وقال موظف سابق “كان العدو يعيش معنا هنا في القاعدة”. وقال موظفون في شركة “ساليبورت” “كانت أفضل طريقة للتعامل مع كتائب الإمام علي هي رشوتها”. وبدأت برشاوى صغيرة مثل توفير الشاحنات العسكرية لها ثم أصبحت كبيرة. وقامت ساليبورت ببناء قاعدة جديدة مزودة بالطاقة الكهربائية المجانية. ولأن بعض المقاتلين لم تعجبهم القاعدة وقاموا بهدم بعض جدرانها باستخدام رافعات، ولهذا بنت ساليبورت قاعدة أفضل ولكن الثانية لم تعجبهم وبنت ساليبورت قاعدة ثالثة بتمويل من الحكومة الأمريكية. وقال موظف آخر سابق في الشركة “لقد حصلوا على ما يريدون”.
وفي أوضاع مختلفة كانت الولايات المتحدة قدمت دفعات مالية للمتمردين كي يواصلوا القتال. ففي السنوات الأولى للحرب في العراق، اعتبرت الولايات المتحدة جيش المهدي الذي قاده الزعيم الشيعي مقتدى الصدر تهديدا على الولايات المتحدة. وشن الجيش هجمات ضد القوات الأمريكية والمتحالفة معها وقتلوا مئات من المدنيين قبل تكبدهم خسائر في البصرة وشرقي بغداد وتفكيك الجيش عام 2008. إلا أن الولايات المتحدة التي قاتلت قوات الصدر كانت تمولهم في الوقت نفسه. فقد كانت قوات الإمدادات الأمريكية من الكويت وأم قصر في العراق تمر بالمناطق التي سيطرت عليها قوات الصدر بجنوب العراق. وعانت شركات النقل التي تعاقدت مع الجيش الأمريكي لنقل الإمدادات من مشاكل لنقل الإمدادات بسبب الهجمات التي شنها المتمردون على الشاحنات. ولهذا عملت هذه الشركات صفقة مع جيش المهدي. ووصف مصدر عمل في شركة شحن إنه أقام علاقة مع قيادي في جيش المهدي باسم “الملا”. وحصل كل طرف على آلاف الدولارات من عملية إيصال الإمدادات. وقال رجل أعمال آخر كان يعمل من الأردن في تلك الفترة “كان عليك رشوة الميليشيات، وقمنا بهذا وفعلها كل شخص”، مضيفا “لم يعارض الجيش الأمريكي الترتيبات لأنه كان بحاجة للإمدادات، ولم يكن مهما طالما تمت بهدوء”. وفي وقت كان جيش المهدي يقوم بنقل عربات همفي للجيش الامريكي وفي اليوم التالي كانت تقوم بتفجيرها، حتى يؤمن شحنة أخرى لنقلها. وقال رجل الأعمال “كل شخص كان يعرف بما يجري وكان سرا مفتوحا”. وكانت إحدى الشركات المرتبطة بالملا اسمها “شركة آفاق أم قصر للخدمات البحرية”. وكانت الشركة مثالا عن الطريقة التي مولت فيها أمريكا أعداءها. وكشف تحقيق لمشروع المحاسبة الحكومية أن شركة آفاق كان مجرد مجموعة من الشركات الوهمية بناها أصحاب مصالح على علاقة برئيس الوزراء السابق نوري المالكي وقواته الأمنية. وعقدت هذه الشركات عقودا مع شركات أمريكية بما فيها ساليبورت وشركة أخرى هي “أس أو أس إنترناشونال” التي كانت تعمل في القواعد العسكرية العراقية. ويشتبه أن شركة آفاق قامت برشوة المسؤولين الحكوميين من أجل منح هذه الشركات الأمريكية الحقوق الحصرية إلى هذه القواعد وعقود البنتاغون التي جاءت معها. وبالمقابل قامت آفاق باقتطاع حصة من هذه العقود. ووصل جزء من هذه الأموال إلى ميليشيات مثل أبو مهدي المهندس زعيم كتائب حزب الله. والسبب هو أن نوري المالكي الذي دعمته الولايات المتحدة لسنوات كان الأب الروحي لكل الميليشيات العراقية. فقد نشأ هو أبو مهدي المهندس في نفس الحركة وهي حزب الدعوة. وبعد وصول المالكي للسلطة في بغداد أصبح المهندس “مستشارا للمالكي وجاره في المنطقة الخضراء” كما كتب الدبلوماسي الأمريكي علي الخضيري الذي وصف فيه الطريقة التي تمت فيها شرعنة الميليشيات المسلحة. وتمتد علاقة المالكي مع المهندس أبعد من هذا، فقد أظهرت صور نشرها أحد أبناء إخوة المالكي على فيسبوك مع ملياردير هو عصام الساعدي. وقال محلل عراقي “من المعروف أن عصام الساعدي أقام علاقة مع المالكي والميليشيات الشيعية”، مضيفا أن أعمال الساعدي موجودة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الميليشيات.
ويرى الكاتب أن أحسن ما يمكن قوله عن هذه العلاقات بين الجيش الأمريكي والمتعهدين من جهة وفرق الموت الطائفية هي أنها ولدت لأسباب نفعية. ولا يزال السؤال إن كان المهندس أو الزيدي مهما بما فيه الكفاية للولايات المتحدة لحرقهما. و”ربما كان علينا ألا نقدم لهم الدعم والمال في المقام الأول” وتساءل عن الكيفية التي سيوفق فيها الأمريكيون والعراقيون بين هذه التناقضات؟ وقد زرعوا فكرة أن هناك استراتيجية طويلة الأمد بالمنطقة، انتصار وديمقراطية. وكل ما حققوه هم عنف مستمر وعدد من أمراء الحرب والمتعهدين الذين أثروا على حساب الناس الذين ماتوا.
القدس العربي