أحداث وترتيبات مثيرة للقلق ولها تبعات على حاضره ومستقبله، تتسارع الآن في العراق، وتعكس نوايا مبيتة لقوى محلية وإقليمية، تبدو مصرة على جر البلاد نحو النفق المظلم، عبر افتعال الصدام مع الولايات المتحدة وتجاهل تحذيراتها بفرض العقوبات المدمرة على البلد، بالتزامن مع مساع لإجهاض الحراك الشعبي المطالب بالإصلاحات بالقوة، وعرقلة تشكيل حكومة جديدة، ورهن ثروات البلد إلى الدول الأجنبية، وسط سباق متسارع لمافيات الفساد لاستغلال الفوضى السائدة لتحقيق المزيد من المكاسب من الدولة.
وتابع العراقيون بقلق توافد قادة الفصائل المسلحة العراقية إلى قم، واجتماعاتها مع القائد الجديد لفيلق القدس في الحرس الثوري، الذي توعد بمواصلة نهج سلفه الجنرال سليماني الذي اغتالته طائرة أمريكية في بغداد مؤخرا. وعقد قادة الفصائل المسلحة وأبرزهم هادي العامري قائد منظمة بدر ورئيس التيار الصدري مقتدى الصدر وآخرون، اجتماعات لتدارس تحركاتهم في المرحلة المقبلة في ظل تصاعد الصراع الإيراني الأمريكي، حيث ظهرت أولى نتائج الاجتماع بدعوة الصدر إلى تظاهرة مليونية للمطالبة بإخراج القوات الأمريكية، كما تصاعد قصف القواعد العراقية التي تضم عسكريين أمريكان في التاجي وبلد بصواريخ الكاتيوشا، وسط تهديدات قادة الفصائل باستهداف المصالح الأمريكية، بالتزامن مع تهديد الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن “الجنود الأمريكان والأوروبيين في المنطقة لن يكونوا بأمان كالسابق، وان عليهم ترك المنطقة”. كما أكد السفير الإيراني في العراق، إيرج مسجدي، أن “بلاده مصرة على مغادرة القوات الأمريكية الأراضي العراقية بالكامل” وهو ما عده المراقبون تدخلا واضحا من قبل إيران في الشأن العراقي الداخلي.
صواريخ روسية
ولزيادة استفزاز واشنطن، يكرر مسؤولون في حكومة بغداد، المضي في عقد اتفاقية للحصول على صواريخ 400 أس الروسية، رغم تهديدات أمريكية بفرض عقوبات على العراق إذا أقدم على هذه الخطوة، بالتزامن مع إعلان الرئيس الأمريكي ترامب “الاستيلاء على 36 مليار دولار عراقية مودعة في البنوك الأمريكية إضافة إلى عقوبات قاسية أخرى، إذا أصرت حكومة بغداد على الانسحاب الأمريكي” ما ينذر بعواقب وخيمة على الاقتصاد العراقي.
وأما عن ردود الأفعال على دعوة الصدر من قم للتظاهر ضد القوات الأمريكية، فإن الكثير من المراقبين والشارع أكدوا ان إطلاق الدعوة للتظاهر، من إيران أسقط أي طابع وطني عنها، وأكد التقاء الفصائل المسلحة بمشروع إيران الطائفي، وأنها مصرة على توريط العراق بالصراع الإيراني الأمريكي من دون الاهتمام بنتائجه المدمرة على الشعب العراقي، ولذا رفضت تنسيقيات الحراك الشعبي دعوة الصدر وعدوها خلطا للأوراق، ومحاولة لتبييض صفحة الميليشيات. وقال الحراك في بيان “ان الدعوة التي تنطلق من الأرض الإيرانية ضد واشنطن الآن مسيسة ومجاملة” مؤكدين إن “هدف الدعوة هو تجنيد العراقيين لصالح المشروع الإيراني”.ولوحظ ان الحراك الشعبي المنتفض، تصاعدت فعالياته هذه الأيام، وصعد من الاعتصامات، مع اتساع اضرابات طلبة الجامعات، ووقوع اشتباكات بين الطلبة والقوات الأمنية في جامعات واسط والنجف، ومحاصرة الطلبة لمبنى وزارة التعليم العالي في بغداد بعد تهديدها بفصل الطلبة المعتصمين الذين لا يلتحقون بالدراسة، كما أطلق مسلحون النار على تجمعات المعتصمين في كربلاء وسقوط ضحايا. إلا أن الأخبار عن طبخة سياسية لإعادة عبد المهدي إلى رئاسة الحكومة، أججت غضب العراقيين، الذين توافد الآلاف منهم إلى ساحات الاعتصام في ساحة التحرير والمحافظات، مرددين “عودتك مرفوضة” إضافة إلى رفض الحراك، قيام الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية، بقمع الناشطين والإعلاميين عبر حملات منظمة من الاغتيالات والاعتقالات والخطف، لإجهاض الحراك الشعبي.
اتفاقية مع الصين
ومن جهة أخرى فان المشهد العراقي يشهد حملة متصاعدة للعديد من القوى السياسية والاقتصاديين والإعلام، لكشف مخاطر قيام حكومة عادل عبد المهدي المستقيلة، بالإسراع في تنفيذ اتفاقية مع الجانب الصيني للحصول على قروض مالية ضخمة مقابل رهن النفط العراقي للصين، رغم تأكيدات بعدم صلاحية الحكومة لتنفيذ الاتفاقية، مع وجود ثغرات خطيرة وشبهات فساد تعرض الاقتصاد العراقي للخطر.
رئيس لجنة النفط والطاقة النيابية هيبت الحلبوسي، طالب رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي، بإرسال نسخة من الاتفاقية الصينية إلى البرلمان للاطلاع عليها، كاشفا، في بيان ان المعلومات تفيد بتوقيع العراق على ثماني مذكرات تفاهم مع الصين تتجاوز قيمتها 500 مليار دولار للسنوات العشر المقبلة تتضمن اعتماد الصين كمستورد أساسي للنفط العراقي مقابل إقراض الصين الحكومة العراقية مئات المليارات من الدولارات شرط رهن النفط العراقي لمدة 50 عاما لتسديد القرض والفوائد المترتبة عليه. وشدد على “ان الاتفاقية تعد قضية سيادية تتطلب المصادقة عليها من قبل البرلمان”.
وعن تفشي الفساد أيضا، قالت النائبة عالية نصيف، إن “حكومة تصريف الأعمال قامت بتثبيت عدد من الأشخاص في الوظائف العليا رغم وجود ملفات فساد وتحقيقات تخصهم في هيئة النزاهة” مبينة ان “الدرجات الخاصة تباع وتشترى بملايين الدولارات في صفقات تعقد بين شخصيات حزبية”.
وفي خضم هذه الفوضى، تجدد الحديث عن إنشاء الإقليم السني، الذي يحفظ للسنة حقوقهم أسوة بالإقليم الكردي، حسب دعاة المشروع، ويهدد وحدة العراق حسب معارضيه. والمؤكد ان المشروع، ليس بعيدا عن افرازات الصراع الإيراني الأمريكي في العراق في هذه المرحلة.
وتثير محاولات زج العراق في الصراع الإيراني الأمريكي، والتهديدات الأمريكية بفرض العقوبات على العراق والصفقة الصينية المشبوهة، مع تصاعد نشاط أحزاب الفساد لإجهاض الانتفاضة، مخاوف حقيقية لدى العراقيين من مستقبل سياسي واقتصادي وأمني مظلم للبلاد، جراء السياسات الفاشلة والمريبة لأحزاب السلطة وربطها مصير البلاد بمصالحها والمشاريع الإقليمية، وهو ما جعل السياسي أياد علاوي، يحذر من “تكرار السيناريو السوري في العراق” بما يعنيه من تدمير شامل للبلاد ورهنها بالكامل للنفوذ الأجنبي مقابل بقاء أحزاب السلطة.