يوم فاصل في الانتفاضة العراقية: نحو عصيان مدني

يوم فاصل في الانتفاضة العراقية: نحو عصيان مدني

استبق متظاهرو العراق انتهاء المهلة التي حددتها ساحات التظاهر للحكومة وأحزاب السلطة لتنفيذ المطالب، اليوم الاثنين، بتصعيد هو الأكبر من نوعه منذ أكثر من شهر، شمل قطع طرق وجسور وإغلاق دوائر حكومية وحرق مقارّ ومكاتب حزبية، فضلاً عن عودة أعداد المتظاهرين إلى أيامها الأولى، وخصوصاً في كربلاء والناصرية التي فاق عدد متظاهريها نظراءهم في بغداد. ويُتوقع أن تشهد المدن المنتفضة خلال الساعات المقبلة من اليوم الاثنين تصعيداً، وفقاً لما أكده ناشطون عراقيون في كربلاء وذي قار والبصرة والنجف وبغداد، قالوا إنهم يريدون إعادة أدوات الضغط على السلطة والأحزاب التي اعتبرت الأحداث الأخيرة بين إيران والولايات المتحدة داخل العراق فرصة لها للتهرّب من التزامات واستحقاقات وإصلاحات ينتظر الشارع أن تُنفَّذ سريعاً.
خريطة الانتفاضة شملت البصرة في العشار وشط العرب وسفوان والمديّنة والبحرية وذات الصواري، وفي كربلاء في ساحة التربية وشارع الضريبة وميثم التمار والطريق الرئيس المفضي إلى مرقد الإمام الحسين بن علي، وفي النجف في ساحة الصدرين، ومجسر ثورة العشرين، وشارع الإمام علي بن أبي طالب، وفي المثنى بالسماوة مركز المحافظة بالقرب من سوق المدينة وشارع الدوائر الحكومية. وشهدت بابل في الحلة والهاشمية تظاهرات حاشدة، وفي الكوت عاصمة واسط المحلية، وفي الديوانية مركز القادسية، وفي الناصرية والغراف والمجر وسوق الشيوخ، وبلدات أخرى من محافظة ذي قار. ورفع المتظاهرون شعارات متعددة، برز من بينها “إخوان سنّة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه”، و”لا شرقية ولا غربية عراقية عراقية”، و”الله لا يوفقك كل من آذاك يا هالوطن”.


شهدت المدن العراقية، انتشاراً أمنياً مكثفاً واتخاذ خطط أمنية جديدة


وأغلق متظاهرون في النجف 7 دوائر حكومية، وقُطع عدد من الطرق والجسور في المدينة، وسُمح فقط لمواكب الجنائز التي تصل إلى المدينة القديمة بالمرور، كذلك قُطعَت طرق بغداد ـ المسيب، وكربلاء ـ النجف، والبصرة ـ العمارة، وعشرات الطرق الداخلية في محافظات جنوبي البلاد. وسجلَت إصابة نحو 50 متظاهراً بقنابل الغاز والرصاص الحيّ في بغداد وكربلاء والنجف والناصرية خلال الساعات الماضية، ليرتفع عدد الضحايا بين المتظاهرين في الساعات الـ48 الماضية، إلى ضحيتين أحدهما بعمر 21 عاماً يدعى علي رضا، وإصابة نحو 100 آخرين في حصيلة لافتة بعد وقف الدوائر الصحية منذ أيام تسجيل أي حالات عنف ضد المتظاهرين.

وكان المتظاهرون في مدينة الناصرية، عاصمة محافظة ذي قار، جنوبي العراق، وهي ثاني مدن البلاد بعدد الضحايا وعمليات القمع الحكومي، قد حددوا اليوم مهلة أخيرة لتنفيذ مطالبهم، لتنتقل هذه الخطوة سريعاً إلى كل المحافظات التي تشهد احتجاجات واعتصامات مفتوحة. ومن مطالب المتظاهرين، المشمولة في المهلة، اختيار رئيس حكومة مؤقت إلى حين إجراء انتخابات تشريعية مبكرة تخضع لإشراف الأمم المتحدة ومنظمات دولية منعاً لحصول عمليات تزوير لمصلحة قادة الأحزاب الحاكمة، فضلاً عن الكشف عن قتلة المتظاهرين ومصير اللجان التحقيقية فيها، وتقديم المتورطين في قمع التظاهرات إلى القضاء، الذين يوصفون بـ”فرق الموت الجوالة” لقتل المتظاهرين.

في المقابل، شهدت المدن العراقية انتشاراً أمنياً مكثفاً واتخاذ خطط أمنية جديدة، مع اقتراب انتهاء مهلة المتظاهرين، لمنع أي تصعيد في طرق الاحتجاج، ومنع المتظاهرين من قطع الطرق المهمة والدوائر والمدارس والجامعات، وفق مسؤول أمني لـ”العربي الجديد”. وقال الناشط المدني المعتصم في ساحة التحرير وسط بغداد، مصطفى حميد، لـ”العربي الجديد”، إن “المتظاهرين والمعتصمين صبروا كثيراً على الطبقة السياسية، وأعطوها الكثير من الوقت لاختيار شخصية مستقلة لرئاسة الحكومة المؤقتة، والكشف عن فرق الموت في بغداد وباقي المحافظات، لكنها لم تسمع صوت المحتجين، وأصرت على إبقاء الوضع على ما هو عليه من أجل مصالحها”. وأوضح حميد أن “الطبقة السياسية تعتقد أن الثورة الشعبية قد انتهت، ويمكنها اختيار أي شخصية لرئاسة الوزراء، وفق مصالحها والأجندات الخارجية، التي تنفذها، لكنها متوهمة جداً، كما توهمت أنها تستطيع إنهاء الثورة بالقمع والقتل، فهي مارست هذه الأعمال منذ الأول من أكتوبر ولغاية الساعة”. وأكد أن “انتهاء مهلة المتظاهرين والمعتصمين في عموم العراق، ستفجر الثورة الشعبية من جديد، خصوصاً أن الحضور البشري أصبح كبيراً جداً، وستشهد مدن العراق اليوم تصعيداً كبيراً في طرق الاحتجاج، وكلها وفق الطرق السلمية، ولا نبالي بالإجراءات الحكومية القمعية”، معلناً أن الخطوة الثانية ستكون الدعوة إلى العصيان المدني.

من جهته، قال الناشط المدني في ذي قار، أحمد الشطري، لـ”العربي الجديد”، إنه “منذ إعلان الناصرية المهلة، اتصلت بنا الكثير من تنسيقيات الثورة العراقية في جميع المدن، وأيدت المهلة، وأصبح هناك تنسيق بين الجميع في طرق التصعيد والتحرك”. ولفت الشطري إلى أن “المتظاهرين في عموم المحافظات على تواصل يومي ومستمر، منذ أيام من أجل تهيئة كل الأمور وتجهيزها، لتفجير الثورة الشعبية من جديد ضد الطبقة السياسية الحاكمة، المتهمة بقتل الناشطين والمتظاهرين وقمعهم واختطافهم، فلا يمكن السكوت أكثر من ذلك عمّا يحصل في العراق من كوارث، بسبب هذه الطبقة”. وأكد أن “جميع المتظاهرين في عموم المحافظات اتفقوا على تصعيد الاحتجاجات بالطرق السلمية، وهذا ما سنعمل عليه اليوم، وهناك طرق احتجاج سلمية، ستكون مؤثرة بشكل كبير للضغط على الطبقة السياسية، لتنفيذ ما يريده المنتفضون والمحتجون منذ 1 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي”.

أما عضو مجلس النواب العراقي باسم خشان، فقال لـ”العربي الجديد”، إن “انتهاء مهلة المتظاهرين للطبقة السياسية، يعيد قوة ثورة أكتوبر ونشاطها، وهذا التصعيد مهم جداً في الوقت الحالي، من أجل إجبار الحكومة على تنفيذ ما يريده المتظاهرين، الذي يطالبون به منذ أكثر من ثلاثة أشهر، لكن الحكومة ترد عليهم بالقتل والقمع”. وكشف خشان أن “اتخاذ الجهات الحكومية والسياسية القمع والقتل من جديد ضد المتظاهرين، لمنع التصعيد في طرق الاحتجاج، أمر وارد جداً، بل هذا ما عملت عليه طوال الفترة الماضية، فهي اعتمدت هذا المنهج لإطفاء الثورة الشعبية، لكن هذا الأمر أعطى قوة وزخماً كبيراً جداً، عكس ما كانت تريده الطبقة السياسية”.
وأضاف النائب العراقي أن “استخدام القمع والقتل من قبل الحكومة والجهات الداعمة لها، من جديد ضد المتظاهرين، مع تصعيدهم الشعبي السلمي، سيزيد من الأحكام التي ستصدر قريباً، بحق رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، والوزراء والقادة الأمنيين، وغير مستبعد صدور أحكام الإعدام بحقهم، بسبب ما ارتكبوا من مجازر بحق الشعب العراقي”.


انتهاء مهلة المتظاهرين للطبقة السياسية، يعيد قوة ونشاط ثورة أكتوبر


في المقابل، قال المحلل محمد التميمي، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “الناصرية، استطاعت أن تعيد تفجير الثورة الشعبية من جديد في عموم مدن العراق، فبعد إعلانها المهلة، التحق الجميع بها، واتفقوا معها، بل أصبح هناك تنسيق بين المحافظات في قضية تصعيد طرق الاحتجاج”. وتوقع أن تشهد مدن العراق “ثورة شعبية جديدة اليوم، كما هناك فرصة كبيرة لالتحاق المحافظات الغربية بهذه الاحتجاجات، خصوصاً من شريحة الطلبة، فهناك تضامن كبير مع الناصرية، لما قدّمته من تضحيات كبيرة وكثيرة، منذ انطلاق انتفاضة أكتوبر، ولغاية يومنا هذا”. وأضاف أن “التصعيد الشعبي سيكون كبيراً ومؤثراً في العاصمة العراقية بغداد، خصوصاً بعد أيام طويلة من التهدئة، ومن غير المستبعد محاولة المتظاهرين من جديد، العبور نحو المنطقة الخضراء”.

وحذّر التميمي من أن “على الحكومة العراقية والجهات السياسية الداعمة لها، التعامل بحذر هذه المرة مع التصعيد الشعبي، فأي تعامل بقوة وعنف كما حصل سابقاً، قد يدفع بعض المتظاهرين إلى الخروج عن نطاق السلمية، خصوصاً بعد مرور ثلاثة أشهر على اعتصامهم في الشارع، وتعرّض نفسياتهم للتدمير، فيجب أن يكون التعامل معهم بحذر، لعدم جرّ البلاد إلى ما لا تُحمَد عُقباه”.

وبخصوص المخاوف من الاحتكاك بين المنتفضين ومتظاهرين يوم الجمعة المقبل، منددين بالوجود الأميركي في العراق، قال القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي، في اتصال مع “العربي الجديد”، إنه “لا توجد أي مخاوف من حصول احتكاك بين المتظاهرين، وخصوصاً أن التيار الصدري ما زال داعماً ومؤيداً بقوة للاحتجاجات الشعبية، وأي حديث عن انسحاب التيار من التظاهرات الشعبية غير صحيح”. وأكد أن “تظاهرات يوم الجمعة المقبل ستكون داعمة أيضاً للتظاهرات الشعبية، وستعطي زخماً كبيراً لها. كذلك فإن المتظاهرين في بغداد والمحافظات كافة، أعلنوا بشكل وثيق أنهم ضد أي وجود أجنبي، ونحن معهم في هذا المطلب وجميع المطالب الأخرى، بل نعمل سياسياً وشعبياً على تحقيق ما ينادي به المتظاهرون منذ 1 أكتوبر”.

عادل النواب

العربي الجديد