تصاعد قلق أسواق النفط العالمية من احتمالات تعطل الإنتاج في بعض الحقول العراقية مع تصاعد حدة الاحتجاجات، التي أدت إلى توقف الإنتاج في أحد الحقول. ويرى محللون أن انسداد أفق الأزمة السياسية يمكن أن يؤدي إلى إشاعة الفوضى، خاصة أن إيران قد لا تتوانى عن الدفع في هذا الاتجاه على أمل أن يسمح لها ذلك بتصدير النفط.
لندن – أكدت مصادر نفطية عراقية أمس أن حقل الأحدب النفطي، الذي تديره شركة نفطية صينية، ما زال متوقفا عن الإنتاج منذ الأحد الماضي بسبب الاحتجاجات المتصاعدة في المناطق المحيطة بالحقل.
وأضافت أن إدارة الحقل الواقع في محافظة واسط شرق العراق تتعرض لضغوط من شخصيات وزعامات قبلية، بحثا عن فرص عمل للتشغيل في مرافق الحقل.
ونسبت وكالة الأنباء الألمانية إلى تلك المصادر قولها إن قرار الإيقاف ما زال ساري المفعول لليوم الثاني وما زال إنتاج النفط والغاز متوقفا.
واستبعدت أن يتم تشغيل الحقل، إلا إذا تم التوصل مع وزارة النفط إلى آلية تمنع تعرض إدارة الشركة إلى مضايقات من شخصيات وزعامات قبلية ومتظاهرين، يضغطون للحصول على فرص عمل في وحدات الحقل.
وقالت إدارة شركة النفط الوطنية الصينية “نحن لدينا تفاهمات مع وزارة النفط حول تشغيل العمالة العراقية والأعداد المطلوبة، وبالتالي فإنه لا يمكن لأي شخص مطالبة الشركة بتوفير فرص عمل”.
وأضافت أن “وزارة النفط وعدتنا بأنها سوف تحل المشكلة في غضون أيام ليتمّ بعدها استئناف عمليات الإنتاج بمستوياتها السابقة البالغة 170 ألف برميل يوميا، إضافة إلى سد متطلبات محطة كهرباء الزبيدية لإنتاج الطاقة الكهربائية”.
وكانت شركة النفط الوطنية الصينية قد حصلت قبل سنوات على عقد استثمار حقل الأحدب النفطي في محافظة واسط.
وأكدت وكالة بلومبرغ الأميركية للأخبار الاقتصادية أمس أن العمليات في حقل الأحدب توقفت منذ الأحد الماضي وأن الإمدادات من موقع ثان للإنتاج عرضة للخطر مع تفاقم الاضطرابات في العراق أحد أكبر منتجي منظمة أوبك.
170 ألف برميل يوميا ينتجها حقل الأحدب النفطي متوقفة منذ الأحد الماضي
وتبدو الأزمة العراقية مستعصية على الحل في ظل صلابة الاحتجاجات وإصرارها على تغيير النظام السياسي وتستهدف بشكل صريح إنهاء النفوذ الإيراني في البلاد، لكنها تصطدم بقمع الميليشيات، التي تأخذ أوامرها مباشرة من طهران.
ويبدو تهديد صادرات النفط العراقية، التي تصل إلى 3.5 مليون برميل يوميا من موانئ البلاد على الخليج، محدودا حتى الآن، لكن تفاقم أزمات إيران قد يدفعها إلى جميع الخطوات التصعيدية الممكنة وخاصة من خلال أتباعها من الميليشيات المسلحة في العراق.
وجربت طهران المختنقة بشكل لم تعرفه أي عقوبات سابقة في التاريخ الحديث، حماقات كثيرة مثل مهاجمة السفن وإسقاط طائرة أميركية مسيرة ووصلت إلى أكبر الحماقات بضرب أكبر شريان للطاقة العالمية في السعودية على أمل تغيير حقائق اختناقها الاقتصادي، لكن ذلك لم يحقق لها أي نتائج.
ويبدو النظام الإيراني مستعدا لفعل أي شيء، لتخفيف العقوبات ولو بدرجة ضئيلة، بعد أن أكد على لسان المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس حسن روحاني أن هذه العقوبات خارج أي قدرة على الاحتمال.
هناك ميليشيات عراقية تابعة للحرس الثوري الإيراني وهي جزء لا يتجزأ منه، تخشى من أن الغايات النهائية للاحتجاجات ستؤدي حتما إلى نهاية دورها، إذا ما أدت إلى إجبار الحكومة العراقية على محاربة الفساد وحصر السلاح بيد الدولة.
ويكمن الخطر في استبعاد أن تتردد طهران في إشعال الفوضى الشاملة في العراق لتصل إلى إيقاف صادراته النفطية، على أمل أن يعجز العالم عن تعويض تلك الصادرات فيتغاضى عن عودة تصدير النفط الإيراني.
لم تعد طهران تحلم بزوال العقوبات الاقتصادية الخانقة، وأصبح أقصى أهدافها يقتصر على تصدير ولو كمية قليلة من النفط من أجل تفادي حتمية سقوط النظام إذا استمرت العقوبات بصيغتها الحالية.
في هذا الاختناق التام ومع تزايد إدراك النظام الإيراني أنه في حفرة عميقة تزداد اتساعا يوما بعد يوم وتجعل سقوطه أمرا حتميا، فإنه لن يتردد في دفع العراق إلى الفوضى الشاملة، حتى لو كان ذلك يحمل أملا ضئيلا بإنقاذه من تلك النهاية.
ومع أن ذلك السيناريو ربما لا يزال بعيدا وقد تتصدى له أطراف دولية ومحلية، إلا أن درجة العنف المفرط الذي يستخدمه أتباعها في قمع المتظاهرين يؤكد وجود أطراف تسعى إلى ذلك الهدف.
وهناك انقسام اليوم حتى بين الأطراف المرتبطة بإيران، حيث يبحث بعضها عن حل وسط يحفظ مصالحها وثرواتها في العراق في مقابل أطراف أخرى تدين بالولاء المطلق لطهران، ويمكن أن تتلقى أوامر بالدفع إلى الفوضى الشاملة في العراق إذا كان ذلك هو آخر سيناريو لإنقاذ النظام الإيراني من السقوط.
كل ذلك يدفع إلى عدم استبعاد أن يؤدي التصعيد بين المحتجين والميليشيات التابعة لطهران إلى امتداد المواجهة إلى حقول النفط العراقية، إذا وجدت طهران، ولو أنها واهمة، أن ذلك يمكن أن ينقذها من الانهيار.
العرب