يسرد هذا التقرير السريع المعلومات الأساسية عن وحدة عمليات حزب الله اللبناني الخاصة المعروفة باسم “الوحدة 910” والمُلقَّبة بـ “الوحدة السوداء”، إحدى وحدات منظومة الأمن الخارجي لـلحزب، وهي مجموعة استخباراتية وقتالية نخبوية سريّة التشكيل، وتُعَدُّ إحدى الأذرع الطولية له، وتتكوّن من فِرَق مُصغَّرة اختصاصية تعمل بنظام شبكي غير منفصل وبشكل تكاملي.
ولا يخفى على أحد أن مقتل قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، وما صاحبه من تأزيم للمشهد السياسي في المنطقة، مَثَّلَ ضربة قويّة لمشروع إيران التوسعي باغتيال أحد أبرز مهندسي هذا التوسع، وضابط إيقاع الميليشات على امتداد الجغرافيا العربية. ولا يخفى كذلك أن أحد أبرز سيناريوهات الرد، والتي لم تتم حتى الآن، تتمثَّل في توظيف أذرع إيران الممتدة، وأبرزها حزب الله، لضرب المصالح الأميركية في المنطقة.
الوحدة “910”.. ما الذي نعرفه عنها؟
هي وحدة العمليات الخارجية التابعة لحزب الله اللبناني، والمعروفة أيضا بالوحدة “910”، وترتبط مباشرة بالأمن العسكري له، ومسؤولة عن تنفيذ عمليات الحزب خارج الأراضي اللبنانية[1]. جغرافيًّا، وبحسب “نيكولاس راسموسن” مدير المركز الوطني الأميركي لـ “محاربة الإرهاب”[2]، فإن عناصر الوحدة ينتشرون في معظم أنحاء العالم، وهم جاهزون، بحسب كلمات “ماثيو ليفيت” مدير برنامج مكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن، لضرب أهداف في الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل. ويتولّى مسؤولية الوحدة الأمين العام للحزب “حسن نصر الله” بشكل شخصي، وكان الحرس الثوري الإيراني يُشرف على الأرجح على عملياتها حتى فترة قريبة، ويتولّى “طلال حمية” القيادة التنفيذية لها[3].
ويخدم في الوحدة عناصر شيعية من أصول لبنانية وغير لبنانية يتم اختيارهم بعناية فائقة، ويخضعون لتدريبات أمنية عالية المستوى، ويحملون جنسيات ووثائق أجنبية مختلفة تساعدهم في التحرُّك بحرية عالميا، وتُشكِّل الاستثمارات التي يقومون بها الواجهة الخارجية لنشاط الوحدة الأمني السرّي، ويستغلّون علاقاتهم في أماكن وجودهم مع الجهات المؤيدة للحزب في الخارج، ويستخدمون شبكات محلية في كل مكان مُستهدَف للمساعدة في تنفيذ أنشطة الوحدة. كما تتميّز عمليات الوحدة بمداها الزمني الطويل وأهدافها الإستراتيجية بعيدة المدى[4].
مَن هو قائدها “طلال حمية”؟
هو “طلال حسين” حميّة المُكنّى بـ “أبي جعفر”، القائد التنفيذي الحالي للوحدة، والمُلقَّب بـ “الشبح” من قِبل “القيادات العسكرية الإسرائيلية” لعدم وجود أية أوراق ثبوتية رسمية له في لبنان، ولابتعاده تماما عن الحياة الاجتماعية والظهور العلني واتباعه بصرامة الاحتياطات الأمنية المشددة لحظيا. ويُدير “حميّة” الوحدة في منصب شغله قيادي “حزب الله” الأشهر “عماد مغنية” والذي اغتيل في دمشق عام 2008[5]، كما يحمل عدّة أسماء مستعارة من بينها “طلال حسني” و”عصمت ميزاراني”[6]، ويشبّه مكتب التحقيقات الفدرالي عائلة حميّة بعائلة مؤسس تنظيم القاعدة “أسامة بن لادن”، ويصفها المكتب بـ “عائلة بن لادن اللبنانية” لكونها واحدة من أهم العائلات المعروفة في دوائر حزب الله[7].
وقد خلف “طلال” قائد الوحدة السابق “مصطفى بدر الدين”، صهر “مغنية” وخليفته والذي قُتل أيضا في سوريا عام 2016، وينحدر “طلال” ذو الـ 50 عاما من منطقة بعلبك الهرمل، وقد عمل إلى جانب كلٍّ من بدر الدين ومُغنية ووزير الدفاع الإيراني السابق “أحمد وحيدي”، كما كان، وفق معلومات “الموساد”، مسؤولا عن نقل ترسانة حزب الله عبر سوريا. وعمل “حمية” حتى بداية عام 1982 موظفا إداريا في مطار رفيق الحريري في بيروت، وبدأ نشاطه مع حزب الله في منتصف الثمانينيات، وكانت انطلاقته الأولى كمسؤول أمني في الحزب من برج البراجنة، حيث كان المسؤول عن العديد من العناصر التي أصبحت فيما بعد من أهم القيادات العملياتية في الحزب اللبناني. كما كان “حميّة” نائب “مغنية” في شبكة “الجهاد”، وهي وحدة البعثات الخاصة والهجمات الخارجية في حزب الله[8].
تعتقد الاستخبارات الإسرائيلية أن “الشبح” هو مسؤول تجنيد خلايا حزب الله في جميع أنحاء العالم حاليا، خاصة في أميركا الجنوبية وأوروبا الغربية وأفريقيا، بحسب تقرير لصحيفة “المدن”، كما اتهمه الموساد بالتنسيق مع “مقتدى الصدر” قائد جيش المهدي وقتها -وزعيم تيار الصدر حاليا- والميليشيات الشيعية الأخرى في العراق بعد الغزو الأميركي مباشرة، ويرى “الموساد” أيضا أن الخلايا التي أسّسها حميّة تعتمد بشكل رئيس على سفارات إيران وقنصلياتها للمساعدة في نقل الأسلحة والدعم اللوجستي، ويعتقد كذلك بأن حميّة عمل جنبا إلى جنب مع كلٍّ من الأمين العام للحزب “نصر الله” وقائد “فيلق القدس” الراحل الجنرال قاسم سليماني الذي اغتيل أواخر ديسمبر/كانون الأول المنصرم من قِبل طائرة بدون طيار أميركية[9].
ويُعَدُّ “حميّة” مسؤولا عن العديد من الهجمات المسلحة رفيعة التخطيط والتنفيذ، وتضعه العديد من الدول ضمن قوائم الإرهاب[10]. ويستخدم “حمية” شركات وهمية وجوازات سفر مزوّرة وموارد بشرية واسعة في عدد كبير من دول العالم، وتتهمه الولايات المتحدة وإسرائيل بالمسؤولية عن تنفيذ هجمات عنيفة عام 1982 ضد قوات المارينز الأميركية والقوات الفرنسية التي كانت تتمركز في بيروت[11] والتي أسفرت عن مقتل 241 أميركيا وجرح 128[12]، وهو ما يتعارض مع كونه لم يبدأ نشاطه مع حزب الله إلا في منتصف الثمانينيات، لكنها معلومات غير مؤكدة وتعتمد على ترجيحات أميركية وإسرائيلية، ويتّهمه الإسرائيليون أيضا بالتخطيط لتنفيذ هجوم في العاصمة التايلاندية بانكوك ضد إسرائيليين عام 2012 ردًّا على اغتيال “مغنية” قبلها بـ 4 أعوام[13].
هل يتطوّر دور الوحدة؟
في العام الماضي، كشفت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن إفشال عدة عمليات للوحدة 910 في بوليفيا وقبرص وبيرو وتايلاند وبريطانيا[14]، ومع ذلك فثمة تنامٍ لدورها في السنوات القليلة الماضية، وقد بدأ ذلك التنامي فعليا عام 2008 بعد اغتيال مغنيّة كما ذكرنا، فاستمرت الوحدة بعد اغتيال الأخير كأداة في حرب الظل الإيرانية مع الغرب في المنطقة، وكانت آخر عملية ناجحة للوحدة هي الهجوم الانتحاري الذي وقع عام 2012 على حافلة كانت تُقِلُّ سيّاحا إسرائيليين في مدينة بورغاس البلغارية والذي أسفر عن مقتل 6 أشخاص وإصابة 32 آخرين[15]. وقد بلغ عدد عمليات الوحدة (910) في الفترة ما بين 1992 وحتى اليوم نحو 9 عمليات نوعية نجحت في معظمها كما ذكرها “إبراهيم المقدادي” في كتابه “موسوعة إيران والتشيع السياسي”، وأبرزها حسب ما كتب هي:[16]
* تفجير سيارة مفخخة في السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأرجنتينية في بوينس آيرس، بتاريخ 17 مارس/آذار 1992.
* تفجير شاحنة مفخخة أمام مبنى الجمعية التعاضدية اليهودية الأرجنتينية في بوينس آيرس، بتاريخ 18 يوليو/تموز 1994.
* تنفيذ عملية انتحارية في طائرة بنمية أقلعت من كولون إلى بنما سيتي في 19 يوليو/تموز 1994.
اعلان
* محاولة تنفيذ عملية عنيفة في باكو/أذربيجان في أكتوبر/تشرين الأول 2007.
* محاولة تنفيذ عمليات مسلحة في تركيا في يناير/كانون الثاني ونوفمبر/تشرين الثاني 2009.
* التخطيط لتنفيذ عمليات مسلحة في العاصمة التايلاندية بانكوك واعتقال أحد أعضاء الوحدة والكشف عن مخزن أسلحة تابع لها في نوفمبر/تشرين الثاني 2011.
* تفجير حافلة كانت تُقِلُّ سيّاحا إسرائيليين في مدينة بورغاس ببلغاريا في يوليو/تموز 2012.
وطوال السنوات العشر الماضية، عملت الوحدة 910 ضمن أذرع إيران في حرب الوكالة التي تخوضها طهران ضد واشنطن وحلفائها الإقليميين في المنطقة على خلفية البرنامج الإيراني النووي، ويُرجِّح “ماثيو ليفيت” الضابط السابق في الـ “FBI” دور الوحدة المُحتَمل دوما عند حديث الأمين العام لحزب الله عن موقف ودور حزبه في دعم إيران التي “لن تكون وحيدة في حربها” حسبما يُكرِّر نصر الله دائما، وهو ما اعترف به القيادي في حزب الله “علي كوراني” المعتقل لدى أميركا، والذي أُدِين العام الماضي بمراقبته مكتب التحقيقات الفيدرالي ومكاتب المخابرات الأميركية ومستودع أسلحة للجيش الأميركي، ومَن تبيّن بعد التحقيق أنه كان يعمل “عميلا نائما” لفترة طويلة ويتبع كذلك لوحدة التخطيط للهجمات الخارجية في حزب الله[17]، وبحسب ما أعلنه الأميركيون ولم يتم تأكيده بشكل قاطع فإن الوحدة كانت تُخطِّط لهجمات مستقبلية على مباني مؤسسات أمنية واستخبارية وعسكرية أميركية، ومدنية أيضا كمطار جون إف كينيدي الدولي في نيويورك[18].
أما نشاط حزب الله في أميركا الشمالية فلم يكن جديدا بحسب صحيفة “فورين بوليسي”، فعلى الرغم من أن التقارير السابقة مالت نحو التركيز على العمليات المالية التي يقوم بها عناصر الحزب كجمع الأموال وتبييضها أو غيرها من الأنشطة اللوجستية التي من الممكن أن تحدث في أي مدينة من فانكوفر الكندية إلى ميامي الأميركية، فإنه في شهر مايو/أيار للعام الماضي كشفت الملاحقة الجنائية في نيويورك، والتي أُدِين من خلالها “كوراني” و”سامر الدبك” عضوا حزب الله، عن معلومات جديدة أقلقت الأميركيين حول المدى الذي وصلت إليه عمليات وأنشطة حزب الله على الأراضي الأميركية والكندية، الأمر الذي دفع مجتمع الاستخبارات الأميركية منذ العام الماضي لإعادة النظر في تقييمه طويل الأمد بعدم ترجيح مُهاجمة حزب الله للولايات المتحدة في عقر دارها[19].
إذن، وفي سياق أي صراع لا يرقى لحرب شاملة بين واشنطن وطهران، وفي ظل ظروف حرجة تمر بها المنطقة وتعاني فيها إيران ووكلاؤها، لعله من غير المُرجَّح أن تقوم طهران أو أيٌّ من أذرعها في المنطقة بانتقام مباشر وعالي السقف ردا على اغتيال اللواء “سليماني”، بل المُرجَّح أن تكتفي طهران بالضربة التي وجّهتها للقاعدة العراقية التي تستضيف القوات الأميركية والتي انطلقت منها الطائرة التي اغتالت الجنرال المرموق، وفي هذا الصدد يبرز سيناريو ضمن السيناريوهات المحتملة يقضي بأن تُحيل إيران وحزب الله مهمة الانتقام “النوعي” للأذرع الخاصة والحساسة وعلى رأسها الوحدة 910، وهو رد قد يتأخر وقته تبعا لطبيعة عمل الوحدة البطيئة والمتأنية نسبيا في التخطيط والتجهيز لعملياتها، لكنه رد سيُناسب على الأرجح هوى الإيرانيين الذين سيجدون في رقعة العالم المتسعة ملعبا أكثر رحابة. لاستهداف الأميركيين من ضيق الشرق الأوسط الحالي.
سليمان كريمة
الميدان