رغم توقيع الصين والولايات المتحدة اتفاقا تجاريا مرحليا في منتصف الشهر الحالي، اعتبره الكثيرون «نوعا من الهدنة، إلا أن العداوة التكنولوجية بينهما لم تنته، ما يغذي شبح «حرب باردة» من نوع جديد تدور حول تكنولوجيا الجيل الخامس من شبكة الإنترنت، والشرائح الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي وغيرها.
وشهد «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس هذا الأسبوع نقاشا حول الحرب التكنولوجية بين البلدين جرى بين خبراء اطلقوا تحذيرات وقادة كبار حرصوا على تقديم تطمينات.
وأثناء حضوره المنتدى، راوغ رن تشينغ فاي مؤسس شركة الاتصالات الصينية العملاقة «هواوي تِكنولوجيز» لدى إجابته على اسئلة في هذا الخصوص قائلا «في العمق، العالم بصدد التَوَحُّد تكنولوجيا، كل شيء مترابط (…) عالم منقسم؟ لا أعتقد».
وتعرضت شركة «هواوي»، رغم كونها الأبرز في مجال تكنولوجيا الجيل الخامس، إلى منع نشاطها في الولايات المتحدة، التي أشارت إلى مخاطر استخدام بكين للشركة في التجسس وشجعت حلفائها الأوروبيين على إقصاء شبكات المجموعة الصينية.
لكن الشركة الصينية نجحت مع ذلك في ععد من الأسواق الصاعدة، على رأسها البرازيل والهند.
وقال كارلوس باسكوال، الدبلوماسي الأمريكي السابق ونائب رئيس شركة «إي إتش إس ماركيت»، أمس الخميس «توجد منافسة حول الهيمنة عالميا في المجال الرقمي»، مضيفا أن «هواوي تمثل رمزا، لكن المسألة تتجاوزها بكثير».
بالنسبة لباسكوال، تفتح هذه الحرب وصراع النفوذ على المستوى العالمي الباب أمام «مواجهة صينية أمريكية كبرى» في المجال الرقمي.
وكانت بكين قد أقرت عام 2015 برنامجا طموحا باسم «صنع في الصين 2025» لتعزيز تكنولوجياتها. ويطبّق هذا البرنامج بالتوازي مع مخطط استثمار ضخم في البُنى التحتية لبناء «طرق حرير» جديد فيما عُرَف بـ»مبادرة الطريق والحزام».
من جهته، قال جون شيبمان، الخبير في «المعهد العالمي للدراسات الاستراتيجية» أنه «يمكن لذلك أن تتوجه هذة دول نامية إلى الصين لبناء شبكات الاتصال ومحطات التقوية ومراكز المعطيات وأنظمة المعلوماتية الحكومية».
وتابع القول أن تمدد الشركات الصينية في آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية يدفع إلى توسع عمليات جمع «بيانات عريضة» صالحة لتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الخاصة بها».
وتزداد ريبة الولايات المتحدة، حيث وضعت العام الماضي عدة شركات صينية متخصصة بالمراقبة والتعرف على الوجوه على قائمة سوداء.
وبعيدا عن تكنولوجيا الجيل الخامس، تقوم الشركات الصينية العملاقة العاملة في مجالات الإنترنت مثل «بايدو» و»علي بابا» و»تنسنت» على تطوير منصات ذكاء اصطناعي، وسيارات ذاتية القيادة، أو معدات مرتبطة بالانترنت، لكنها مختلفة على ما تطوره شركات وادي السيليكون في كاليفورنيا مثل «غوغل» و»أمازون».
بدوره، أشار جاك مولان، مدير «مركز الدراسات الأوروبي»، إلى «القلق من وجود نظامين غير متوافقين… التكنولوجيا تدور حول رهان الهيمنة، هناك ثنائية قطبية بصدد التشكل».
وقال جون فيليب كورتوا، نائب المدير التنفيذي لشركة «مايكروسوفت»، في مقابلة أن الخطر، هو أن تتعرض أسواق التكنولوجيا الكبرى إلى «التصدع والابتعاد عن بعضها أكثر فأكثر». وأضاف أنه توجد فرصة لشركته «فدورنا هو التعامل مع هذا التعقيد» عبر اقتراح أدوات تعامل مناسبة على الشركات العاملة فيكل بيئة قانونية. ولا تزال «مايكروسوفت» و»آبل» تعتمدان بشكل كبير على السوق الصينية الضخمة.
لكن الرسوم العقابية المتبادلة بين أمريكا والصين تشير إلى «الستار الحديدي الاقتصادي» الذي أعرب وزير الخزانة الأمريكي السابق هنري بولسن، في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، عن خشيته ازاء ظهوره.
ويتساءل كثيرون عما إذا كانت لدى الصين امكانيات تسمح لها بتحقيق طموحاتها، إذا تواصل العداء الأمريكي لها.
ففي عام 2018 كانت شركة معدات الاتصالات «زي تي اي»، وهي عملاق صيني آخر في مجال تكنولوجيا الجيل الخامس، على وشك الاندثار لعجزها على توفير مُكوِّنات أمريكية تحتاجها بعد المنع الذي فرضته إدارة ترامب، والذي رفع مؤخرا.
وأظهرت الأزمة، التي مثلت صدمة للشركة، التبعية الكبيرة للعملاق الآسيوي تجاه الشرائح الإلكترونية الأمريكية.
غير أن «هواوي»، خشيةً من الضغوط الأمريكية، عملت على تطوير شرائحها الخاصة. وحاليا لا يشمل كمبيوترها الجديد «30 برو» أي مكوّن أمريكي، وفق شركة يابانية درست الجهاز.
ورغم تضرر شركة «كوالكوم» الأمريكية العملاقة المختصة في صناعة المُكونات الإلكترونية من العقوبات على «هواوي»، إلا أنها عملت على كسب الوقت.
وأكد رئيسها كريستيانو أمون أنه «في ذروة التوتر التجاري، تزايدت اعداد زبائننا في الصين، بفضل شركات مُصنِّعة للهواتف مثل شيومي وأوبو» اللتان تطورتا على المستوى العالمي.
وأكد أمون أن «النجاح خارج الصين، يتطلب الالتزام بمعايير عالمية (…) لقد كانت قوة تكنولوجيا الهواتف دائما في المعايير المتشاركة عالميا، ذلك ما يؤدي إلى نموها، ومن الصعب التراجع عنها».
القدس العربي