انتفاضة العراق تترقب تظاهرة مليونية من البصرة إلى بغداد

انتفاضة العراق تترقب تظاهرة مليونية من البصرة إلى بغداد

بغداد – اضطر رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر إلى إلغاء تظاهرات كان مقررا لها أن تنطلق لأنصاره، الأحد، ضد السفارة الأميركية في العراق تحت مسوغ تجنب “فتنة داخلية” وبعد موجة الرفض الشعبي له في ساحات التظاهر في المدن العراقية.

وأطلق أنصار الصدر النار على المحتجين العراقيين في البصرة، للسيطرة على موجة غضب شعبية سرت في أوساط المدينة، بعد قرار سحب المتظاهرين الصدريين من الساحات.

وتجمع مقاتلون مسلحون ينتمون إلى ميليشيا سرايا السلام، التابعة للصدر، في مدينة البصرة ونظموا مجموعات بهدف مطاردة المحتجين في الساحات والأزقة، لكن اللافت أن إطلاق النار الذي كان يجري تحت أنظار رجال الأمن، لم يتسبب في تفريق المتظاهرين.

ووجه الصدر أنصاره بالانسحاب من التظاهرات في عموم البلاد، بعدما تعرض لانتقادات علنية، لرعايته تظاهرة كبيرة ضد الوجود العسكري الأميركي في العراق، شارك فيها جميع أفراد الميليشيات العراقية الموالية لإيران مع قياداتهم، في بغداد يوم الجمعة.

وبرغم انسحاب الصدريين من جميع الساحات، وتفكيك خيم الاعتصام التي نصبت قبل شهور، إلا أن زخم الحركة الاحتجاجية لم يتأثر، بل ربما ازداد في بغداد والبصرة على الأقل، مع توجيه غضبه بشكل أساسي نحو الصدر نفسه، وشركائه الجدد القدامى المقربين من إيران.

وحتى فجر يوم الأحد، كان المحتجون يطوفون ساحة التحرير ببغداد، وهم يرددون هتافات حادة ضد الصدر وإيران والولايات المتحدة على حد سواء.

وأطلق المتظاهرون في مختلف المحافظات صفة “الذيل” على الصدر، وهو مصطلح يوصف به عملاء إيران في العراق.

وقال مراسل “العرب” في بغداد، إن حجم تدفق المتظاهرين على التحرير يوم الأحد كان أكثر من المعتاد مقارنة بالأيام القليلة الماضية، فيما أعيد ملء جميع الفراغات التي تركها انسحاب الصدريين في موقع الاعتصام، إذ نصبت خيام جديدة فيها.

وقوبلت دعوة أطلقها الناشط البارز علاء الركابي من مدينة الناصرية إلى تظاهرة مليونية تبدأ من مدينة البصرة وتمر عبر جميع مدن جنوب البلاد وصولا إلى بغداد، بتفاعل كبير.

وأطلق الركابي، وهو صيدلاني شارك في احتجاجات الناصرية منذ انطلاقتها الأولى، دعوته لمختلف المحافظات، مقترحا آلية تضمن تسيير ثلاثة خطوط للمسير على الأقدام نحو العاصمة بغداد، بهدف محاصرة المنطقة الخضراء، وإجبار الطبقة السياسية على التنحي.

ويقترح الركابي أن تتحرك الخطوط الثلاثة من جنوب العراق، لتدخل بغداد في وقت واحد، هو منتصف فبراير المقبل، مشيرا إلى أن المدة المتبقية إلى حين حلول هذا الموعد، هي فرصة أمام الطبقة السياسية لإنقاذ نفسها.

وقال مدونون إن خطة الركابي محكمة، لأنها تتضمن جداول زمنية واضحة، وبدائل عديدة تمنع الحكومة من إجهاضها، كما أنها تعتمد التصعيد التدريجي، مع شمولها على فرصة للطبقة السياسية كي تراجع أوضاعها.

واستغرب المحتجون العراقيون، الذين يتظاهرون ضد الطبقة السياسية الحاكمة في بغداد منذ مطلع أكتوبر الماضي، من اصطفاف الصدر مع حلفاء إيران في جبهة واحدة ضد الولايات المتحدة، بعد ساعات من تأييده لقاء الرئيس العراقي برهم صالح بنظيره الأميركي دونالد ترامب على هامش أعمال منتدى دافوس الذي عقد في سويسرا قبل أيام.

وشكل الصدريون العمود الفقري لحركة الاحتجاج التي انطلقت من المناطق الفقيرة التي يكثر فيها أنصار الصدر، وخسروا العديد من القتلى والجرحى في بغداد والمحافظات طيلة الشهور الماضية، بعدما تصدوا لقمع الحكومة وأجهزتها الأمنية بصدور عارية.

لكن إصرار الصدريين على تمييز أنفسهم داخل ساحات الاحتجاج، وسعيهم الدائم إلى محاولة الهيمنة على قرارها وتوجيهه، سببا حساسيات كبيرة في أوساط المتظاهرين، تطورت في أحيان كثيرة إلى اشتباكات.

لذلك، لم ينصهر الصدريون بين أقرانهم المحتجين في الساحات، وحافظوا على استقلالية واضحة لحراكهم الاحتجاجي في مختلف المواقع التي شاركوا فيها.

ويقول المدون العراقي أمير عبدالعزيز “ربما ينتظر الصدر لحظة مشابهة للحظة 2015، وعشرة ناشطين يفدون عليه، مستنجدين به من قمع ميليشيات الحكومة، فينزل الميدان قائدا للحراك”، مشيرا إلى أن “الصدر لا ينزل الساحة فردا مع أفراد، أو رأسا بين رؤوس، بل يريد الحراك بيده، خاضعا لرؤيته ومزاجه وذوقه فقط”.

في غضون ذلك أعلن القيادي أسعد الناصري، الأحد، انشقاقه عن التيار الصدري وانضمامه إلى المحتجين على خلفية تجميد عضويته بسبب دعمه للمتظاهرين.

وأمر الصدر، بتجميد عمل الشيخ أسعد الناصري “لعصيانه الأوامر”، في إشارة إلى عدم التزامه بقرار وقف دعم التيار للمتظاهرين.

وقال الناصري في بيان “سأخلع العمامة حبا بالعراق ومدينة الناصرية والثائرين، وأنا مع العراقيين، كنت وما زلت وسأبقى، وأرجو الاستعجال بتصفيتي (قتلي) لأنني اشتقت إلى الشهداء”. وهذا أول انشقاق في التيار الصدري على خلفية الموقف من الاحتجاجات.

وبالنسبة للمراقبين، فإن الحضور الصدري كان أمرا لا يعوض في ساحات الاحتجاج، لاسيما في بغداد والنجف والبصرة والسماوة، لكن أحداث يومي السبت والأحد ربما تثبت العكس.

ويقول الإعلامي والمدون العراقي سعدون ضمد، إن “الفراغ الذي تركه تفكيك خيام التيار الصدري لا يمكن ملاحظته بشكل كبير إلا على جانبي حديقة الأمة وعلى جانبي نفق التحرير من جهة الخلاني، أما من جهة ساحة النصر فيمكن لمرتادي الساحة ملاحظة الفراغ الواضح في مدخل الشارع. أما على امتداده وصولا إلى النفق فيبدو المشهد طبيعيا لمن لم يألف المشهد بشكل يومي”، مؤكدا أن “أعداد المحتجين كثيرة في الساحة وهناك اكتظاظ أمام المطعم التركي حيث يتم ترديد أهازيج حماسية”.

وفي البصرة جنوبا، أطلق أنصار الصدر النار في الهواء فجر الأحد، لتفريق مجموعات من المتظاهرين طافت شوارع المدينة ورددت هتافات تندد بعمالة الصدر لإيران وتشجب مغادرة أنصاره ساحات الاحتجاج، وهي هتافات سمعت في مدينة العمارة القريبة أيضا.

وقال مراقبون إن انسحاب الصدر وأنصاره من ساحات التظاهر في بغداد، ربما جاء بأثر عكسي، إذ أنه حرر حركة الاحتجاج الشعبية الواسعة من الارتهان لقوة رجل واحد، ودفعها إلى مبادرات جديدة.

على صعيد آخر ما زال التحاق الصدر بالمحور الإيراني على مستوى المواقف الشعبية، لم يترجم سياسيا، إذ لا يزال اعتراضه على المرشح المدعوم إيرانيا لرئاسة الحكومة العراقية الجديدة، خلفا للمستقيل عادل عبدالمهدي.

وأبلغت مصادر سياسية مطلعة في بغداد “العرب”، بأن “تحالف الفتح، الذي يتزعمه هادي العامري المقرب من إيران، يقف الآن خلف ترشيح وزير الاتصالات السابق محمد علاوي لتشكيل الحكومة الجديدة”، لكنه يواجه تكتلا كبيرا يعارض هذه الرغبة، ويضم الصدر فضلا عن الأحزاب الكردية والقوى السنية الرئيسية.

وتشير المصادر إلى أن التكتل الذي يعترض على ترشيح علاوي، تقدم باسم مدير جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي ليكون مرشح تسوية لتشكيل الحكومة الجديدة، لكنه قوبل باعتراض إيراني كبير، بالنظر للصلات المزعومة بين الكاظمي والولايات المتحدة الأميركية.

وبرغم غياب أي أفق للتوافق السياسي بشأن المرشح لتشكيل الحكومة، إلا أن مصادر عديدة تؤكد أن حسم هذا الملف بات قريبا جدا، وربما يقع في بحر هذا الأسبوع.

العرب