بعد إعلان أمريكي عن زيارة سيقوم بها جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إسرائيل للتشاور مع زعمائها حول صفقة تبدّل الوضع فجأة ولاحظنا إسراعاً أمريكيا في استدعاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وزعيم المعارضة بيني غانتس، إلى واشنطن ليشاركا في «بروتوكولات» إعلان «صفقة القرن» غدا الثلاثاء، فما الذي دعا الأمريكيين لهذا التعجيل بطبخة «الصفقة».
يتعلّق التسريع، على الأغلب، بأن ترامب ونتنياهو يواجهان اتهامات كبيرة، فالأول بدأت محاكمته الثلاثاء الماضي في مجلس الشيوخ بتهمة إساءة استخدام السلطة الرئاسية وعرقلة عمل الكونغرس، والثاني متهم في ثلاث قضايا فساد وسيجري الكنيست مداولات حول حصانته من هذه التهم من عدمها، وكلا الاتهامين، يعتبران سابقتين تاريخيتين في الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
ورغم أن تفاصيل «صفقة القرن» لم تعلن بعد، فإنها أحدثت، على حد تعبير صحيفة «إسرائيل اليوم»، «تغييرا عميقا في الوعي»، فالفلسطينيون، حسب هذا الرأي، يعتبرون أن التسوية يجب أن تقوم على أساس دولة فلسطينية ذات سيادة حدودها هي منطقة ما يعرف بـ«الخط الأخضر»، وتقوم خطة ترامب/نتنياهو على «سحب البساط» من هذه الفكرة، فبما أن الأمريكيين والإسرائيليين هم الآن في «موضع القرار» فعلى الفلسطينيين أن يقوموا بتغيير قناعاتهم.
يعني هذا أن إدارة ترامب وإسرائيل قرّرتا عمليّا إلغاء «اتفاقية أوسلو» ومفاهيمها القارّة ليس لدى الفلسطينيين فحسب، بل لدى المنظومة الدولية بمن فيها الأوروبيون، وفرض قرار «القوة القاهرة» على الفلسطينيين، وإضافة إلى السيطرة على القدس، وضم غور الأردن ونسبة كبيرة من مناطق ج، وشرعنة المستوطنات في الضفة الغربية، ونزع فكرة السيادة عن الدولة الفلسطينية وتجريد الفلسطينيين من السلاح، بل وحتى نقل «عاصمتها» (هناك أقوال إنها ستكون شعفاط)، وإلغاء حق العودة.
تقول المعلومات المسرّبة إن «الصفقة» تقترح 50 مليار دولار لـ«تمويل مشاريع في المناطق الفلسطينية»، وأن مصادر قريبة من «البيت الأبيض» وتقول إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سيكون «ضمن آخرين» في الخليج العربي تعهّدوا أمام الأمريكيين بتوفير المبلغ المطلوب لهذه «المشاريع».
لا يعني هذا الكلام ما يقوله طبعا، فالمشاريع الحقيقية التي يراد تمويلها تبدأ من ترامب الذي يريد بيع «الصفقة» للكتلة المسيحانية ـ الصهيونية، التي تشكّل بؤرة جمهوره الصلبة، ولمركزها الضارب في شبكة المصالح السياسية والمالية التي تجمع بين الحزب الجمهوري واللوبي اليهودي، وصولا إلى جمهور نتنياهو (وكذلك غانتس وليبرمان) الإسرائيلي المتعطش لتهشيم الحقوق الفلسطينية.
هناك مصالح أيضا للمقاول السعودي والخليجي، المدافع عن هذه الصفقة، والمموّل الافتراضي لها، منها استمرار التغطية الأمريكية على الأخطاء السياسية الفادحة التي يرتكبها بن سلمان، ليس داخل بلاده فحسب، بل على نطاق عالميّ، ومنها أيضاً الدفاع عن النهج العدوانيّ الإقليمي للحلف الإماراتي ـ السعودي في المنطقة.
ضمن شبكة مصالح هؤلاء يبدو الفلسطينيون الضحيّة «المثالية» التي يمكن التضحية بها تحت مسمى «صفقة القرن».
أما ماذا سيفعل الفلسطينيون لمواجهة بيعهم وشرائهم فهذه قضية أخرى.
القدس العربي