هرعت شركات عالمية في قطاعات رئيسية إلى الهروب من الصين، بينما أغلقت أخرى أبوابها، في الوقت الذي تواصل فيه السلطات، في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إجراءات العزل الجماعي للكثير من المدن، وإيقاف حركة الطيران والحافلات والسفن، مع تفشّي الفيروس كورونا الجديد.
واتخذت الصين خطوات غير مسبوقة لإغلاق العديد من المدن، حول مدينة ووهان (وسط)، والتي تعد مركز تفشّي المرض، وذلك في محاولة لإبطاء تقدّم العدوى.
وتُعد ووهان مركزاً مهماً بالنسبة للشركات العالمية، وتضم نحو 500 منشأة، منها 44 شركة أميركية، و40 شركة أوروبية، وفق تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ الأميركية، الأحد، حيث يوجد بها العديد من مصانع السيارات وغيرها.
وأعلنت مجموعة بيجو ستروين (بي.إس.إيه) الفرنسية لصناعة السيارات، في بيان، مساء السبت، أنها ستُرحّل موظفيها الأجانب وعائلاتهم من منطقة ووهان، مضيفة أنه سيتم إجلاء 38 شخصا، في مبادرة يتم تنفيذها بالتعاون الكامل مع السلطات الصينية والقنصلية الفرنسية العامة. وأشارت إلى أنه سيتم الإبقاء على هؤلاء في حجر صحي في مدينة تشانغشا (جنوب وسط الصين) قبل إعادتهم إلى بلدانهم.
ويبدو أن الهروب من ووهان قد لا يقتصر على بيجو ستروين، فهناك شركات أجنبية كبرى، منها رينو الفرنسية أيضاً وهوندا اليابانية، ما يلقي بظلال سلبية على صناعة السيارات في العملاق الآسيوي، الذي شهد بالفعل تراجعاً واضحاً في مبيعات السيارات العام الماضي.
وانخفضت مبيعات السيارات، بنسبة 8.2 في المائة على أساس سنوي في 2019، وفق تقرير صادر عن الجمعية الصينية لمصنعي السيارات، أوردته وكالة شينخوا، في وقت سابق من يناير/كانون الثاني الجاري، لتسجل 25.77 مليون سيارة.
وأرجعت الجمعية هبوط مبيعات السيارات داخل السوق الصينية إلى الآثار السلبية لتوترات التجارة مع الولايات المتحدة، والتباطؤ الاقتصادي العالمي، وتشديد معايير انبعاثات الكربون.
وتمتد تداعيات تفشّي فيروس كورونا الجديد إلى المتاجر المختلفة، خاصة سلاسل المطاعم والمقاهي العالمية. فقد أغلقت شركة الوجبات السريعة العملاقة “ماكدونالدز كورب”، التي لديها حوالي 3 آلاف متجر في الصين، مواقعها إلى أجل غير مسمى، في خمس مدن بمقاطعة هوبى (وسط) بسبب الفيروس، بما في ذلك ووهان.
وتقوم الشركة التي تتخذ من شيكاغو مقراً لها، بإجراءات وقائية إضافية في بقية أنحاء البلاد، بما في ذلك قياس درجة حرارة العمال عند الوصول وإعطاء المطهرات اليدوية.
كما أغلقت متاجر بيع الملابس المعروفة باسم H&M ما مجموعه 13 متجراً في المنطقة. وتعد الصين خامس أكبر سوق للشركة من حيث العائدات، مع 524 متجراً يتواجد فيها. وأغلقت أيضا شركة إيكيا مستودعها في ووهان، يوم الخميس الماضي.
وفي 24 يناير، تخلت شركة صناعة الكونياك الفرنسية ريمي كوانترو، عن توقعاتها بالنمو لهذا العام، بعد تراجع المبيعات في هونغ كونغ في فترة الكريسماس.
وقالت سلسلة “ستاربكس” للمقاهي التي تتخذ من سياتل مقراً لها، والتي تضم حوالي 4100 مقهى في الصين، إنها تغلق بعض المواقع من دون تقديم المزيد من التفاصيل، وفق بلومبيرغ.
وتتجاوز تداعيات الفيروس الصيني، حدود البلد الآسيوي، لتصل إلى العديد من البلدان المحيطة، وكذلك الكثير من الدول الأوروبية والولايات المتحدة. وتعتبر عطلة السنة القمرية الصينية الجديدة التي بدأت مطلع الأسبوع وتستمر حتى الخميس المقبل، هي وقت الذروة لتحقيق الأرباح لدى مشغّلي كازينو “وين” في لاس فيغاس، أكبر مدن ولاية نيفادا الأميركية، حيث يتجه العديد من السياح الصينيين للاحتفال.
ومع ارتفاع عدد الوفيات الناجمة عن هذا الفيروس، وانتقاله إلى البلدان الآسيوية المجاورة، بما في ذلك كوريا الجنوبية وسنغافورة، وكذلك الولايات المتحدة وكندا، فإن التأثير الاقتصادي للفيروس قد يكون واسع الانتشار.
ويخشى المستثمرون حول العالم من أن يشل الفيروس، حركة النقل والتسوق واجتماعات الأعمال في مختلف الدول، بينما تقتصر آثاره حتى الآن على الداخل الصيني.
فقد قررت الحكومة الصينية، السبت الماضي، تعليق جميع الرحلات المنظمة، واعتباراً من غد الاثنين لن تتمكن وكالات السفر الصينية من بيع حجوزات في الفنادق والرحلات المنظمة.
كما أعلنت السلطات الصينية، أمس، أن واحدة من مقاطعاتها وثلاث مدن في البلاد ستمنع الرحلات الطويلة للحافلات، وحظرت مؤقتا تجارة الحيوانات البرية، في إطار الإجراءات التي اتخذت لوقف انتشار الفيروس، الذي كان مصدره على ما يبدو سوقاً تباع فيه هذه الأنواع من الحيوانات.
وأكدت ثلاث هيئات رفيعة المستوى، بينها وزارة الزراعة الصينية، في مذكرة مشتركة، أن تربية أو نقل أو بيع كل أنواع الحيوانات البرية محظور حتى الإعلان عن انتهاء الوضع الوبائي الوطني.
ويعيد الفيروس الجديد، إلى الأذهان، حالة الهلع التي أصابت الأسواق العالمية، بسبب فيروس سارس، الذي أوهن اقتصادات عدة حين انتشر في عامي 2002 و2003، حيث تباطأ آنذاك نمو الاقتصاد الصيني، ودخلت هونغ كونغ في حالة ركود، وعانت مؤشرات الأسهم في كل من الصين والولايات المتحدة من الانخفاض.
وحذّر مجلس السياحة والسفر العالمي، يوم الجمعة الماضي، من أن انتشار فيروس كورونا الجديد في الصين، يمكن أن يترك “تأثيراً اقتصادياً طويل الأمد” على السياحة العالمية، في حال تم السماح بانتشار الذعر.
ونقلت وكالة فرانس برس، عن رئيسة المجلس غلوريا جيفارا قولها: “أثبتت لنا الحالات السابقة أن إغلاق المطارات وإلغاء الرحلات الجوية وإغلاق الحدود، غالباً ما يكون لها تأثير اقتصادي أكبر من تأثير الوباء نفسه”.
العربي الجديد