تمادي حركة حماس في الانحياز لمحور إيران – تركيا – قطر، لا يمكن إلاّ أن يكون على حساب علاقاتها شديدة الحيوية ببلدان عربية محورية، الأمر الذي يجعل العلاقات التي تمضي الحركة في نسجها خارج الحاضنة العربية التقليدية للقضية الفلسطينية بمثابة مقامرة قد تنتهي بها معزولة في مواجهة قوى تبحث عن أذرع وأدوات لا عن حلفاء.
القاهرة – بدت تصريحات قادة حركة حماس، المرتبطة بالاستعداد للقاء فصائل فلسطينية بالقاهرة والترتيب لمواجهة صفقة القرن، محاولة للتغطية على استقواء الحركة بإيران، وإبلاغ رسالة بأن انشغالها بوضعها الإقليمي لن يفصلها عن مواجهة التحديات الفلسطينية الداخلية.
ودفعت زيادة حماس لوتيرة إقحامها إيران في الشأن الفلسطيني وتمكينها من تعظيم دورها في قطاع غزّة، مصر إلى توجيه رسائل توحي بأنها غاضبة من تصرفات الحركة، حيث تم تأخير وصول الوقود أخيرا إلى القطاع، كنوع من الاحتجاج الضمني، وهناك حديث عن عدم استبعاد رفع أسعار مشتقات البترول.
ولا ينكر مصدر داخل حماس وجود “إشارات مصرية غاضبة إلى الحركة”.وأكد المصدر لـ“العرب” أن حماس “تضع مجموعة من الضوابط الصارمة بالنسبة لعلاقتها مع إيران، لأنها أكبر داعم مالي وعسكري وسياسي وإعلامي، ولا يمكن أن يكون هناك تقارب مع دولة أخرى على حسابها، وأبلغت القاهرة بذلك، وجاءت إشارات الغضب سريعة”.
وتكمن أزمة مصر المكتومة مع حماس، في أن الأخيرة تقدم نفسها كبديل لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وأن تنقل إسماعيل هنية بين قطر وتركيا وإيران وماليزيا، يستهدف تكريس وجودها في قطاع غزة، برغم أن الظروف الراهنة تستدعي وحدة الصف الفلسطيني.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أيمن الرقب، لـ“العرب” إن إيران لا ترغب في إنهاء الانقسام الفلسطيني، لأن ذلك يعجّل بإقصائها عن المشهد، أو على الأقل تهميش دورها في غزة، وحتى إن كانت هناك تصريحات قوية “وعنترية” من قادة الحركة برفض صفقة القرن، لكنها واقعيا تصب في صالحها.
وبحكم الانفتاح غير المحدود على محور إيران وتركيا وقطر، تتبنى الأخيرتان موقفا مشابها للأولى، وأصبحت القاهرة تجد صعوبة في ترويض الحركة، ما دفع مصر إلى ممارسة المزيد من الضغوط عليها والتلويح بإمكانية سحب البساط من تحت أقدامها إذا قدمت أيّ طرف من الثلاثة للقيام بدورها في مسائل تتعلق بالشؤون الأمنية والسياسية في غزة.
وأوضح المصدر الحمساوي، أن علاقة الحركة مع إيران “لا بديل عنها حتى لو كان ذلك بخفض التقارب مع قطر وتركيا، لأن طهران الوحيدة التي تمثل للحركة بنكا يمدها بالمساعدات المالية، في حين أن الدوحة وأنقرة يقتصر دورهما على المساعدات المعنوية والإغاثية، ولا ترغبان في أن يكون دعمهما ماديا حتى لا تتورطا في المواجهة مع أطراف دولية، ويتم تصنيفهما على أنهما تساندان حماس ضد إسرائيل”.
وتجاهل المصدر صيحات الغضب التي خرجت في إيران ضد دعم ميليشيات وحركات مختلفة، وصرف الأموال الطائلة على مغامرات قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، مؤكدا أن الحركة تلقت وعودا “بعدم وجود تغيير في التوجهات العامة بعد رحيل سليماني”.
ولفت أيمن الرقب إلى أن “أخطر ما في التقارب بين حماس وإيران أنه يمهد طريق الحركة للقيام بدور حزب الله اللبناني في الأراضي الفلسطينية، لأن ما يجري الترتيب له هو أن تخوض حماس الانتخابات المقبلة بتمثيل ضعيف، على أن تركز في أن تصبح قوة عسكرية تتحكم في القرار السياسي دون أن تكون على رأس السلطة، بدعم كامل من النظام الإيراني”.
وتتلاقى تفسيرات الرقب، مع ما أكده المصدر الحمساوي لـ“العرب” من أن “أحد أهداف تقارب حماس وطهران أن تتوسط الأخيرة لإعادة العلاقة بين الحركة والنظام السوري، لأن خسائرها من ابتعادها عن دمشق أكبر من مكاسبها، وهناك حاجة إلى توسيع قاعدة التشارك مع كل دولة تعادي إسرائيل وتحتضن الحركة وتوسع حضورها الإقليمي”.
ولا تمانع الحركة في تقديم نفسها كورقة ضغط لدى طهران، ويمكن استخدامها مستقبلا ضمن مفاوضات محتملة بين الولايات المتحدة وإيران، التي لم تعد معنية بإخفاء تمويلاتها للحركة، وتجاهر بذلك للإيحاء بأنها تمتلك أكثر من ذراع عسكرية مؤثرة في الشرق الأوسط.
وأشار المصدر إلى أن ارتباط الحركة بالمحور القطري التركي الإيراني، أحدث منغصات سياسية مع أطراف عربية، بينها السعودية ومصر، لكنها استطاعت إقناع الأخيرة بأنه لا بديل عنها، وما زال بإمكانها تطويع قرارات حماس على مستوى السياسة الخارجية، لكن بحدود.
ويتسق حديث المصدر مع ما سبق وتحدثت عنه قيادات في حماس في 17 يناير الجاري عن قطيعة بينها وبين السعودية، غامزة بأن السبب في ذلك يعود إلى موقف الرياض من ارتباطات الحركة ببعض القوى الإقليمية في إشارة إلى إيران وتركيا وقطر.
وترتبط القطيعة بين السعودية وحماس بأن الأخيرة رفضت عرضا باستقبال قادتها في زيارات رسمية وبناء علاقة معها في إطار سعيها لدعم القضية الفلسطينية، مقابل خفض مستوى التقارب مع طهران، لكن الحركة ردت بأن تقاربها مع طهران “خط أحمر”.
وأصرت حماس على المشاركة في قمة كوالالمبور التي انعقدت في ديسمبر الماضي، وسعت من خلالها تركيا إلى سحب زعامة العالم الإسلامي من السعودية، وضرب منظمة التعاون الإسلامي التي تتخذ من جدة مقرا لها.
وعلمت “العرب” أن القاهرة طلبت من حماس عدم المشاركة في هذه القمة. ومع تحفظ حماس على الطلب، أعادت مصر طرح فكرة المشاركة على مستوى تمثيل أقل، وهو ما وافقت عليه الحركة وأرسلت وفدا يضم الأعضاء في مكتبها السياسي موسى أبومرزوق وخليل الحية وعزت الرشق وحسام بدران وأسامة حمدان.
العرب