انتعشت أسهم منتجي اللقاحات في الولايات المتحدة، في ظل التوقعات السائدة بارتفاع مبيعاتها، على ضوء انتشار فيروس كورونا الجديد في الصين وعبوره الحدود، ليصل إلى دول عدة في مناطق متفرقة من العالم، وسط هلع من قدرته على حصد الأرواح.
وبعد انتشار أنباء عن تطوير شركة نوفافاكس للتكنولوجيا الحيوية، التي تتخذ من ولاية ماريلاند الأميركية مقراً لها، لقاحا لفيروس كورونا، قفز سعر سهمها حوالي 36 في المائة الأسبوع الماضي، كما ارتفعت أسهم اينوفيو فارماسوتيكالز بنسبة 29 في المائة خلال نفس الفترة، بعد أن قالت إنها حصلت على منحة تصل إلى 9 ملايين دولار لتطوير لقاح ضد الفيروس الجديد.
ولم تقتصر المكاسب على منتجي اللقاحات وإنما مستلزمات التعقيم، مثل السترات الواقية والأقنعة، فقد تدافع الصينيون مع ظهور فيروس كورونا نحو شراء الأقنعة الطبية، التي تقلل من فرص انتقال المرض، حتى إن شركة تاوباو المملوكة لمجموعة علي بابا، عملاق التجارة الإلكترونية في الصين وفي العالم، باعت أكثر من 80 مليون قناع طبي في أول يومين بعد اكتشاف الفيروس.
ومع تصاعد الأزمة، استدعت المصانع الصينية عمالها من عطلة رأس السنة الصينية، لمقابلة الطلب المتزايد على المنتجات التي يعتقد أنها تساعد على وقف انتشار الفيروس. وأعلن كاو جون، المدير العام في شركة لانهين الصينية، المتخصصة في تصنيع الأقنعة الطبية، أن أزمة نقص الأقنعة في بلاده أكبر مما يعرف المواطنون.
وأوضح جون، في حديثه مع وكالة رويترز، أن “العملاء يطلبون 200 مليون قناع في اليوم الواحد، بينما الشركة لا تنتج أكثر من 400 ألف قناع يومياً”.
وقفز سعر القناع إلى أكثر من ستة أمثال في الأيام الأخيرة، مقارنة بما كان عليه قبل ظهور الفيروس، الأمر الذي دعا شركة تاوباو الصينية إلى التدخل لمنع رفع الأسعار، وحذرت العارضين من استغلال فرصة انتشار المرض في محاولات التربح.
وبينما تأثرت الكثير من القطاعات والأصول حول العالم سلبا بالأزمة الحالية في الصين، ازداد الذهب بريقاً، بعد أن ارتفعت أسعاره إلى أعلى مستوى في أكثر من أسبوعين خلال تعاملات أمس الاثنين، مستفيدا من إقبال المستثمرين على الشراء للتحوط من تداعيات “كورونا”، حيث يتدافع المستثمرون للتخلص من الأصول مرتفعة المخاطر والبحث عن الملاذات الآمنة.
ولامس المعدن النفيس مستوى 1586.4 دولارا خلال أوقات من تعاملات أمس، مسجلا أعلى مستوى له منذ الثامن من يناير/كانون الثاني الجاري. كما ارتفعت المعادن النفيسة الأخرى، مثل الفضة، لتلامس أعلى مستوى لها منذ الثامن من يناير، وسجلت 18.32 دولارا.
في مقابل مكاسب شركات إنتاج اللقاحات والذهب والفضة، تبدو الخسائر الناجمة عن شلل الحياة الاقتصادية في الصين وعزلها عن العالم، مخيفة للأسواق العالمية.
فما أن أوشك الاقتصاد الصيني على التقاط أنفاسه، بعد شهور طويلة من التوتر على خلفية الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، التي خفضت معدلات نمو الصين إلى أقل مستوياتها في ثلاثة عقود، وقللت الطلب الأميركي على المنتجات الصينية، وقللت معدلات الإنفاق الاستثماري، جاءت ضربات فيروس كورونا لتربك الجميع.
وفي الوقت الذي تجاوز فيه ضحايا الفيروس القاتل في الصين 80 حالة وفاة وثلاثة آلاف حالة مرض، حتى ظهر أمس الاثنين، وفق السلطات الصينية، توقّع بنك نومورا الياباني زيادة الضغوط على نمو الاقتصاد الصيني، الذي يعاني حالياً بعض الهشاشة، خاصة في قطاع الخدمات. بينما رأي اقتصاديو بنك باركليز العالمي، أن الصدمة الاقتصادية من تداعيات انتشار الفيروس القاتل ستكون عابرة، وأن قطاعات المواصلات ومبيعات التجزئة ستكون الأكثر تأثراً به.
وجاءت الضربة الأكبر للاقتصاد الصيني في قطاعي السياحة والمواصلات، بعد أن ألغيت الرحلات في العديد من المناطق في الصين، في وقت هو الأكثر ازدحاماً على مدار العام بسبب العطلات، ويزيد من حجم التأثير السلبي أن مدينة ووهان، التي انطلق منها الفيروس (وسط الصين)، تعد محطة هامة لأنواع كثيرة من وسائل الانتقال، من وإلى العديد من الجهات.
ومع تزايد المخاوف من التعرض للمرض، فضّل ملايين الصينيين البقاء في منازلهم خلال العطلات، الأمر الذي خفض مبيعات شركات الملابس والمطاعم ودور السينما والمتنزهات، وأثّر على القطاع الترفيهي، بينما تتصاعد مصاريف شركات التأمين الصحي، التي يكون أغلبها في الصين تابعا للحكومة، الأمر الذي سيكبدها خسائر كبيرة لحين التوصل إلى علاج وربما تطعيم لمنع الإصابة بالمرض.
وبينما لم يسبب الاقتصاد الصيني، في 2002 – 2003، وقت انتشار وباء سارس، مشكلة للاقتصاد العالمي، لانخفاض حصته من الاقتصاد العالمي عن 9 في المائة، فمن المتوقع أن يكون للفيروس الحالي تأثير أكبر، بعد أن أكد صندوق النقد الدولي في تقرير له قبل أيام، أن الاقتصاد الصيني في عام 2020 سيمثل ما لا يقل عن 20 في المائة من حجم الاقتصاد العالمي.
ووفق دراسة صادرة عن صندوق النقد الدولي مؤخرا، فإن المخاوف المتعلقة بانتشار الأوبئة واحتوائها من الممكن أن تؤدي إلى تراجع حركة التجارة العالمية، مشيرا إلى أن التكلفة السنوية لانتشار مرض الأنفلونزا فقط تقدر بنحو 500 مليار دولار، أو ما يوازي نحو 0.6 في المائة من حجم الناتج الإجمالي العالمي، مع العواقب المتعلقة بتراجع حجم إنتاجية العمل وحالات الوفيات المرتفعة.
وفي حين أكد أطباء منظمة الصحة العالمية أن العدوى قد تنتقل من المريض قبل ظهور الأعراض عليه، يبدو أن الأمر نفسه ينطبق على الاقتصاد، حيث بدأت عدوى انخفاض أسعار الأسهم والخوف من التأثير السلبي على الاقتصاد، تنتقل إلى الولايات المتحدة والدول الأخرى، رغم عدم ظهور أعداد كبيرة من المرضى.
لكن محللين يرون أنه “بغض النظر عن الخسائر الفعلية من الأمراض والوفيات، يمكن أن يتسبب الخوف من المرض في توقف الناس عن السفر والتسوق وتناول الطعام في المطاعم. وحتى إذا بقي المرض خارج الولايات المتحدة، فإنه يمكن أن يضر بشكل كبير بأرباح الشركات الأميركية.
ومع كبر حجمها، بتعداد 1.4 مليار مواطن، استحوذت السوق الصينية على ما يمثل 6 في المائة من إجمالي مبيعات أكبر 500 شركة أميركية مجتمعة، وهي التي تكون مؤشر “اس آند بي 500” في وول ستريت في 2019، أي ضعف قيمة ما يتم بيعه من منتجات تلك الشركات في أي دولة أخرى بخلاف الولايات المتحدة.
ويرى جون مولر، المدير المالي في شركة بروكتر آند جامبل الأميركية لمبيعات التجزئة، أن الأمر “سيكون له آثار ضخمة، تتجاوز الصين”. والأسبوع الماضي، وقبل وصول المرض إلى الولايات المتحدة، خسرت شركتا “لاس فيغاس ساندز”، و”وين ريزورتس” الأميركيتان، واللتان تتحصلان على أغلب إيراداتهما من مكاو الصينية، أكثر من 8 في المائة من قيمتهما.
وفي نفس الاتجاه، تسببت المخاوف من تراجع رحلات الطيران، في المنطقة بأسرها، لا من الصين وإليها فقط، في تراجع أسعار أسهم شركات الطيران الأميركية التي لديها خطوط طيران هناك، فتراجع سهم “يونايتد إيرلاينز”، بما لديها من حجم أعمال كبير بين الولايات المتحدة وكل من الصين وهونغ كونغ، الأسبوع الماضي، بنسبة 8.7 في المائة.
ولم تسلم بعض الشركات الأميركية من الخسائر، رغم غيابها عن الصين وعن آسيا، حيث يتوقع الكثير من أصحاب الفنادق والمطاعم في ولاية هاواي الأميركية تأثر أعمالهم، مع تراجع أعداد الصينيين القادمين للولاية بسبب الفيروس، كونهم أصحاب أكبر عدد من السياح الذين زاروها في 2018.
ولا يتوقف الأمر في خسائر الولايات المتحدة عند القطاعات الترفيهية أو مبيعات التجزئة، وإنما يمتد ليشمل العديد من شركات التصنيع الأميركية، حيث تعد مدينة ووهان أحد أهم مراكز الصناعة الصينية، التي تمد العالم بالعديد من أجهزة الهواتف المحمولة، والسيارات ومكوناتها وقطع غيارها، بالإضافة إلى الصناعات المرتبطة بالصلب.
شريف عثمان
العربي الجديد