قرار مقتدى الصدر إعادة أنصاره إلى ساحات الاحتجاج في الشارع العراقي، أياما قليلة بعد قراره سحبهم منها، أظهر فشل مناورته في ضرب الانتفاضة العراقية ما يعني بالنسبة إليه الفشل في تقديم نفسه لإيران باعتباره الأقدر من خصومه على حماية النظام الموالي لها من السقوط والأجدر من منافسيه بنيل مكانة قيادية في ذلك النظام.
بغداد – قرّر رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر الزجّ بأنصاره مجدّدا في ساحات التظاهر والاحتجاج، وذلك بعد أن كان قد دعاهم مؤخّرا إلى مغادرتها، في إجراء انتقده المتظاهرون واعتبروه “خيانة” لحراكهم وتواطؤا من زعيم التيار الصدري مع السلطات الساعية لضرب الحراك وإنهائه بكل الوسائل، بما في ذلك قمع المحتجين واستخدام القوّة المميتة ضدّهم.
وندّد الصدر في بيان أصدره الجمعة بما سماه فشل السياسيين في تشكيل الحكومة، داعيا إلى اعتصام حاشد قرب المنطقة الخضراء وسط بغداد.
وفسّر المتابعون للشأن العراقي قرار زعيم التيار الصدري الجديد المناقض لقراره السابق، بأنّ الرجل كان يراهن بسحب أنصاره من الساحات على انهيار الحركة الاحتجاجية وتمكّن القوّات الأمنية المدعومة من الميليشيات من الإجهاز عليها، لكن ما حدث هو العكس تماما، حيث أظهر المحتجون قدرة على الصمود ومواصلة حراكهم، بل تصعيده دون الحاجة إلى الصدر وأنصاره.
ولم ييأس الصدر منذ سنة 2003 من السعي إلى الحصول على مكانة كبيرة في قيادة العراق يرى نفسه جديرا بها نظرا لمكانة أسرته في مجال التدين الشيعي.
ومع تفجّر أكبر انتفاضة في العراق ضدّ حكم الأحزاب الشيعية التي يقودها خصوم كبار للصدر لاحت للرجل فرصة التقدّم إلى واجهة المشهد، وبدأ يحاول عرض نفسه على إيران المتحكّمة الرئيسية في المشهد السياسي العراقي باعتباره الأقدر على حماية النظام الموالي لطهران من السقوط عبر التحكّم في حركة الشارع.
وتلقّى زعيم التيار الصدري إشارة جديدة على فشله في الوصول إلى المكانة التي يريدها، عندما أحبط خصمه وألد أعدائه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي تكليف الوزير السابق محمد علاوي تشكيل حكومة جديدة خلفا لحكومة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي.
ويعني ذلك بالنسبة إلى مقتدى الصدر أن خصومه الذين همشوه في السابق ما زالوا أقدر منه على التحكّم في دفّة الحكم.
ويبدو أنه شعر بأن الأحداث بصدد تجاوزه وبأنّ زمام الشارع أفلت من يده، فقرّر تدارك الأمر بالعودة إلى ساحات الاعتصام والتظاهر.
وقال الصدر في بيانه “مرة أخرى فشل السياسيون بتشكيل حكومة غير جدلية، وما زال بعضهم يماطل في تحقيق مطالب المتظاهرين المحقة”.
ودعا إلى “مظاهرة شعبية سلمية حاشدة في العاصمة بغداد للضغط على الساسة بتشكيل الحكومة وفق تطلعات المرجعية (علي السيستاني) والشعب”.
وكان الرئيس العراقي برهم صالح، قد أمهل الأربعاء، الكتل البرلمانية حتى السبت، لتسمية مرشح لرئاسة الحكومة خلفا لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي.
كما دعا الصدر إلى “التحضير لاعتصامات سلمية حاشدة قرب المنطقة الخضراء بالتنسيق مع القوات الأمنية”، وهدد بـ”خطوات شعبية تصعيدية أخرى”، لم يكشف عنها.
وحث الصدر المتظاهرين على “الانضباط والسلمية وعدم قطع الطرق وغلق المؤسسات التعليمية والخدمية”.
ويعتبر هذا الموقف تراجعا من الصدر الذي أعلن قبل أسبوع سحب دعمه للمتظاهرين المناوئين للحكومة والنخبة السياسية الحاكمة.
ويأتي موقف الصدر بعد أن هتف محتجون ضده عقب تقربه مؤخرا من فصائل شيعية مسلحة على صلة وثيقة بإيران ومتهمة بقمع الاحتجاجات.
وانسحب أنصار الصدر من ساحات الاحتجاجات، وبعد ذلك بساعات شنت القوات الأمنية ومسلحون حملة دموية لفض الاحتجاجات بالقوة المفرطة.
وتعتبر التطورات الأخيرة تصعيدا واسعا من جانب قوات الأمن لأزمة الاحتجاجات التي اندلعت مطلع أكتوبر الماضي، وتخللتها أعمال عنف خلفت أكثر من 600 قتيل وفق منظمة العفو الدولية وتصريحات للرئيس العراقي برهم صالح.
ونظم المتظاهرون العراقيون، الجمعة، احتجاجات حاشدة في العاصمة بغداد ومدن وبلدات وسط وجنوبي البلاد. وعقب صلاة الجمعة، سار الآلاف نحو الساحات العامة التي يعتصم فيها المحتجون منذ قرابة أربعة أشهر، منددين بعنف الحكومة ضدهم ومستنجدين بالأمم المتحدة لحمايتهم.
نجاح نوري المالكي في منع تعيين محمد علاوي رئيسا للوزراء أثبت للصدر مدى قوة ألدّ خصومه
وتجمع المحتجون في بغداد ومدن وبلدات في محافظات ديالى، وبابل، وكربلاء، والنجف، وميسان، وواسط، والديوانية، وذي قار، والبصرة.
وفي ساحة التحرير، معقل متظاهري بغداد، التحق المئات من أبناء المحافظات الأخرى بالمحتجين، للتعبير عن دعمهم لمطالب الحراك الشعبي.
ولوح متظاهرون بأعلام الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وردّدوا “نعم نعم للعراق.. كلا كلا للأحزاب”.
وقال صابر الكطري، وهو أحد ناشطي احتجاجات بغداد، لوكالة الأناضول، إنّ “قوات الأمن والميليشيات تحاول إنهاء الاحتجاجات بالقوة عبر اقتحام الساحات وقتل الناشطين”.
وأضاف أنّ “أصحاب القرار في السلطة لم يدركوا بعد بأن القوة لن تفضي إلى إنهاء الانتفاضة، بل تزيد الثوار إصرارا على مطالبهم”.
وأشار إلى أن المجتمع الدولي متمثلا بالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الديمقراطية، مطالب بالضغط على الحكومة لوقف قمع الاحتجاجات، وعدم الاكتفاء بالبيانات. وكانت 16 دولة غربية بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، قد أدانت في بيان مشترك”الاستخدام المميت للقوة” من قبل قوات الأمن العراقية وفصائل مسلحة ضد المتظاهرين.
وفي محافظة ذي قار جنوبي البلاد، علق المتظاهرون يافطة كبيرة في ساحة الحبوبي وسط مدينة الناصرية مركز المحافظة تطالب الأمم المتحدة بالتدخل لحماية المحتجين. وكتب المتظاهرون اليافطة بستّ لغات هي الإنجليزية، والفرنسية، والصينية، والإيطالية، والروسية، والألمانية.
ومنذ مطلع الأسبوع الجاري، بدأت القوات الأمنية وفصائل مقربة من إيران، بشن حملة دموية استهدفت ساحات المحتجين في مسعى لفض الاحتجاجات بالقوة المفرطة، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات.
العرب